عبد اللطيف سالمين – عدن
وقع الشاب سعيد علي (٢٠ عاما) ضحية لتسليمه بالشائعات التي تحذّر من أخذ لقاح مرض الملاريا، نتيجة لذلك أُصيب في شهر رمضان المنصرم بالمرض لأول مرة؛ ليقضي أصعب أيامه طريحا لهذا المرض الذي كاد يودي بحياته، وكان يمكن تفاديه عن طريق اللقاحات التي لا يعلم عنها كثير من الناس، ولا يلقون لها بالا.
يقول عليّ الذي يعيش في مدينة عدن جنوب اليمن: “لم أكن أعتقد أن مرض الملاريا بهذه الخطورة، ولم أكن أصدق أن مرضا مثل الملاريا يمكن أن يكون خطيرا على حياتي”، ويضيف: “من سوء حظي أنني كنت أعلم بوجود لقاح لمرض الملاريا في السنين الأخيرة، ولكن لم أكن أهتم، وكنت أصدق بعدم أهميته وأن أضراره أكثر من فوائده، وهو الدرس الذي تعلمته مؤخرا، وبسببه أنصح الجميع بأخذ اللقاح طالما أن العلم قد تقدم وأن ثمة لقاحا يقي الإنسان الإصابة بهذا المرض الذي لم يعد موجودا في غالب دول العالم، إضافة إلى كون الوقاية خير من العلاج”.
معتقدات خاطئة وشائعات خطيرة
يزيد الوضع سوءا قيام بعض الأسر اليمنية بتناقل معتقدات خاطئة بشأن اللقاحات، ومدى أمانها على حياة أطفالهم، مما جعل كثيرا من الناس يعزف عن تزويد أطفالهم باللقاحات التي من شأنها أن تقيهم من عدة أمراض قاتلة.
لم يكن الشاب عليّ الضحية الوحيدة للشائعات التي تتناول اللقاحات بشكل عام، ومنها لقاح الملاريا. آلاف الأسر اليمنية وقعت ضحية لهذه الشائعات، ومنها عائلة عمر أحمد في مدينة إب شمال اليمن، وكانت النتيجة فقدان طفلته الصغيرة ذات الثلاث أعوام التي توفت جراء مضاعفات مرض الملاريا في العام السابق.
نحتاج لقاحات ضد الجهل
يقول أحمد لصوت المهمشين: “لم يكن في بالي أبدا أن إصابة صغيرتي بمرض الملاريا قد يكون سببا في موتها، خصوصا أنني حرصتُ على أخذ غالبية اللقاحات المشهورة التي تلقيناها نحن منذ كنا أطفالا، وبسبب لطف الله وعنايته عشنا حياتنا ونحن بصحة جيدة”.
وقعتُ هذه الأسرة في حبال الشائعات، وفي غفلة منها صدّقت الشائعات التي تشير إلى أن المرض ليس خطيرا، بحسب ما صرح به أحمد. وتابع: “ولكن من دون علمي أنا وزوجتي وفي لحظة غفلة، صدقنا الشائعات التي تقول إن مرض الملاريا ليس بالخطير، ولا يوجد ما يستحق لأجله أن يأخذ الإنسان لقاح الملاريا، لا سيما أن هناك شكوكا كثيرة حول مدى أمانه، ورغم أن لا أحد قد أخذ اللقاح وأصيب بالمرض أو توفى بسببه أو دخل بمضاعفات صحية بسببه. تساهلنا وكنا بغيبوبة لم نصحُ منها إلا على وقع صدمة موت صغيرتنا، وكانت بالنسبة لنا الحياة بأكملها”.
ويضيف أحمد: “نتيجة لذلك، وضعت على عاتقي أن تكون كفارة صغيرتي هي نشر التوعية بكل الوسائل والطرق بمدى أهمية اللقاحات، نحن لا تقتلنا الأمراض بقدر ما تقتلنا مضاعفات الجهل، ونحتاج بصورة عاجلة للقاحات للعقول تكون منيعة ضد الجهل كي لا يصيب أي أحد، وما أشعر به من ندم يجعلني أدعو على من يروّج للجهل والإشاعات”.
تعيش اليمن وضعا صعبا جراء الصراع الممتدّ في البلاد منذ ثمانية أعوام، الذي ألقى بظلاله على كل الأوضاع منها الصحي والتوعوي، الأمر الذي أسهم في انتشار شائعات مختلفة تروج لمخاطر اللقاحات على صحة الإنسان، وهي شائعات ألقت بظلالها على سير عملية تحصين الأطفال من الأمراض القاتلة، في ظل وضع صحي صعب وخدمات صحية متدنية، وهو ما يجعل ملايين اليمنيين يعيشون في ظل واقع صحي يهدد سلامتهم، وتتفشى فيه الأوبئة، حتى إن هناك أوبئة قد تخلصت منها غالبية دول العالم، ولكنها عادت للتفشي بصورة مرعبة حاصدة أرواح الآلاف منها مرض الملاريا.
ما هي اللقاحات؟ وما مدى أمانها؟
توضح منظمة اليونيسف أن اللقاحات الحيّة هي نسخة من فيروس حي أو بكتيريا أُضعفت، تُعلّم جهاز المناعة طريقة مكافحة الفيروسات والبكتيريا، ولأنها ضعيفة، لا يكون بإمكانها التسبب بالمرض لدى الأشخاص الذين لديهم جهاز مناعي سليم.
وتساعد اللقاحات جهاز المناعة في الجسم على مكافحة الالتهابات بصورة أكبر، وذلك بالقيام بإطلاق استجابات المناعة ضد أمراض محدّدة. وفيما بعد إذا قام الفيروس أو الجرثومة باجتياح الجسم، يكون حينها جهاز المناعة قد تعلّم طريقة مكافحة هذا الفيروس أو الجرثومة، بحسب ما أكدته منظمة اليونيسف.
وبحسب اليونيسف أيضا تعدّ الملاريا مرضا معديا يتسبب به كائن طفيلي يسمى البلازموديوم يقوم بالتسلل إلى كريات الدم الحمراء لجسم الإنسان فيدمرها بعد توغله بلدغة البعوض، وتظهر الأعراض عادة بعد 10 إلى 15 يوما من لدغة البعوض المعدية، وهي الحمى والصداع والقشعريرة والتعرق والإعياء والتقيؤ.
الأعراض قد تتكرر مرات عدة بعد أول إصابة خلال بضعة أشهر، وذلك نتيجة لبقاء طفيليات خاملة في الكبد، وهي تنشط في بعض الأحيان وتسبب الانتكاس، أو نتيجة عدم تلقي العلاج الصحيح عند أول مرة للإصابة.
وبحسب اليونيسف يتوفر اختبار تشخيصي سريع للملاريا، يُعرف باسم اختبار RDT يكشف عن الإصابة بالملاريا في 15 دقيقة. ويُعدُّ أفضل علاج للملاريا الكلوروكين الذي يعطى أيضا بشكل وقائي للمسافرين إلى البلدان التي يستوطن فيها المرض. كما تتوفر أدوية أخرى مثل البيريميثامين والسلفادوكسين للحالات المقاومة للعلاج.
وفيما يخصّ القلق الذي يعتري المواطنين من عدم أمان اللقاحات، تؤكّد اليونيسف أن اللقاحات آمنة جداً، فهي تخضع جميعها إلى اختبارات مشددة، إضافة للتجارب السريرية التي تقوم بها المنظمة قبل الموافقة على استخدامها.
وبحسب التقديرات التي أشارت لها منظمة اليونيسيف، يموت طفل في اليمن كل 10 دقائق بسبب الأمراض التي يمكن الوقاية منها عن طريق أخذ اللقاحات.
وبدوره د. ياسر باهاشم مدير برنامج مكافحة الملاريا كشف أنه ما زالت أساليب القضاء على الملاريا تعتمد على الاستخدام الواسع للناموسيّات المعالجة بمبيدات الحشرات وعلى رشّ المبيدات المركّبة من البيريثرويد، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنّ اللقاحات المحصّنة ضدّ الملاريا ما زالت غير مستعملة على نطاق واسع، وهو ما يفاقم من المشكلة.
مليون مصاب بالملاريا في اليمن سنويا
كشفت منظمة الصحة العالمية في بيان بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المرض، أنها نفّذت حملة لحماية 2 مليون شخص في اليمن من الإصابة بالملاريا، وكانت المنظّمة قد قدّرت أن عدد المصابين بالملاريا عام 2021 نحو 247 مليونا، وهو رقم أعلى من العام السابق 245 مليونا. وقالت المنظمة: “تشير التقديرات إلى أن أكثر من 21 مليون شخص في اليمن يعيشون في مناطق معرضة لخطر الإصابة بالملاريا، وهناك أكثر من مليون حالة إصابة بالملاريا كل عام باليمن”.
وبحسب المنظمة، تُعدّ الملاريا من أقدم الأمراض التي عرفتها البشرية، وتنتقل الطفيليات المسبّبة لأعراض الملاريا لدى الإنسان جرّاء وقوع حوادث لدغات من أجناس بعوض الأنوفيلة الحاملة للمرض، وبعد مضي سبعة أيام أو أكثر على التعرّض للدغة البعوض الحامل لطفيليات المرض، تكون الأعراض الأولى للإصابة هي الحمى والصداع والتقيّؤ التي يصعب ربطها السريع بالملاريا. ويمكن أن تتطوّر الملاريا المنجلية، إذا لم تُعالج في غضون 24 ساعة، إلى مرض وخيم يؤدي إلى الوفاة في كثير من الأحيان.
وتعزو منظّمة أطباء بلا حدود معظم الوفيات الناجمة عن المرض في اليمن إلى عدم توفر التشخيص والعلاج المبكّرين بسبب ضعف الوصول إلى الرعاية الصحيّة وغياب وسائل الوقاية من المرض.
ومن جهتها كشفت “المنظمة الدولية للهجرة” في بيان لها إن ثلثي سكان اليمن يعيشون في مناطق موبوءة بالمرض، ما قد يعرضهم لخطر الإصابة به، ومن جهتها كشفت مديرة اللقاحات في مديرية المنصورة بمدينة عدن، الطبيبة أشواق مقبول سليمان قيام وزارة الصحة بالعمل والتنسيق مع منظمة اليونيسف لتوفير اللقاحات بأنواعها بكمية كبيرة ليقوم العاملون في المجال الصحي بقدر المستطاع بكل الجهود للقضاء على كل الأوبئة بعد أن يقوم الترصد الوبائي بجميع الإجراءات، حد قولها.
وتحدث اختصاصي الوبائيات الدكتور عبد اللطيف الواقدي في تصريح خاص لصوت المهمشين أن بعض من يروّج للشائعات لا يعلم أنها مبنية على أوهام وأشياء غير حقيقية، ودعا الأهالي للتأكد والتحري من دقة المعلومة التي تصل إليهم، وأكد الواقدي على قيام الدولة مع شركائها بتوفير اللقاحات الآمنة المراقبة وتُنتج على وفق معايير دقيقة يكون شرطها الأساسي الفعالية التامة، والالتزام بجميع شروط النقل السليم، وفي حال حدث أي خلل تُرفض اللقاحات كما جرت العادة.
صورة لأحد المرضى بمستشفى تعز اليمنية (وكالة الأناضول للأنباء)