“سليم”: بطل الإنسانية الذي تحدى الفقر لإنقاذ حياة رجل في تعز

في ظهيرة يوم الاثنين 25 مارس 2024 م، سقط رجل مسن مجهول الهوية يبلغ من السبعينات من عمره وسط القمامة المتجمعة في ممر السيل في شارع التحرير الأسفل – وسط مدينة تعز الواقعة تحت سيطرة الشرعية. أثناء سقوط المطر، لمح نظر الشاب الأسمر / سليم محمد علي سعيد الرجل المسن المصاب بمرض نفسي في ممر السيل وسط القمامة، فبادر في إنقاذه في الحال دون أي تردد، كونه إنسان من حقه أن يعيش.

“سليم” شاب يبلغ من العمر 25 سنة، متزوج ولديه طفلين. التحق بعمل النظافة منذ عام ونصف، ويسكن في منزل والدته في المدينة السكنية (البعرارة) – مديرية المظفر – محافظة تعز.

الحياة حق للجميع

التقت “صوت المهمشين” بالشاب، وقال: “في وقت الظهيرة، كنت ذاهباً إلى عملي في التحرير الأسفل، فَلَمحتُ عينيّ رجلًا في السبعينات من عمره ملقى وسط القمامة في مجرى السيول وكان المطر يهطل. فقررتُ أن أفعل خيراً لوجه الله، فَنَزلتُ إلى وسط القمامة داخل السائلة، فوجدتُ الرجل لديه كسر في مقدمة الرأس ووضعه الصحي متدهور ولم يستطع الجلوس بشكل صحيح. ربما بسبب سقوطه من فوق الجسر إلى السائلة”.

يواصل الشاب سرد القصة قائلاً: “التفتُ يميناً وشمالاً ولم أجد سوى قليل من الأطفال، فَكَررتُ النداء والاستغاثة بالناس، ولم يجيني أحد سوى صاحب البقالة. فَأَخذتُ من السلم وخلعتُ جاكتي، ورمى لي أحد المارة بِقطعة من الثياب، فوضعتُها على جسمه ورفعته بين يدي الاثنتين وصعدتُ به إلى السلم وخرجته، ثم مشيتُ به حوالي عشرة متر إلى جانب المسجد.

الاستغاثة بالناس

يقول “سليم”: “قمتُ بنقله إلى جانب المسجد واستغثتُ بالمصلين والمارة بأن يسعفوه إلى المستشفى لكي يأخذ العلاج. سقطتْ دموعي من شدة حزني على الرجل كونه مريضاً نفسياً ولم يعرفه أحد، وأظنّه جائعاً أيضاً.”

ويضيف: “تركته بجانب المسجد وذهبتُ إلى عملي في النظافة بسرعة حتى أستطيع أن أُلحق المشرف من أجل التحضير.”

الفقر ظالم

أخذ الشاب نفساً عميقاً والتفتَ إلى بنظرة حزن كادت الدموع أن تسقط من عينيه. وقال: “أنا رجل فقير، لم أستطع أن أَخذ باصاً وأُسعف المسن إلى المستشفى وأشتري له العلاج. حاولتُ أن أستلف مبلغاً مالياً ولم أستطع، فَرَرتُ أن أضعه بجانب بيت الله لعله يرحمه المصليون.”

ويضيف: “كنتُ أتمنى أن أُكمل الخير لوجه الله سبحانه وتعالى، ولكن ما باليد حيلة. عدتُ إلى منزلي بعد أن أكملتُ عملي وأنا حزين، ولم أعلم كيف صحته.”

فاجعة الموت

يقول “سليم”: “في اليوم الثاني، تفاجأتُ بأن الرجل توفي في مستشفى الثورة، والناس يقولون بأن صورتي في الفيس بوك لحظة إنقاذ الرجل المسن. فحزنتُ حزنًا شديدًا وقرأتُ له الفاتحة، وشعرتُ بأن الله عز وجل سخرني وأعطاني القوة بإنقاذه من السيل.”

ويضيف: “لم أكن أعرف أن هناك صورًا أو فيديوهات أثناء الإنقاذ، وتفاجأتُ بذلك في وسائل التواصل الاجتماعي ومن أصدقائي.”

لم يتأفف سليم من الرجل المسن ولم يشمئز من وضعه الصحي المتدهور كونه مريضاً نفسياً، ولكنه نظر إليه نظرة إنسانية وانطلق قائلاً:

“ياناس هذا إنسان يجب إنقاذه مهما كانت التضحية. فالحياة حق للجميع.

رحل الرجل تاركاً خلفه قصة إنسانية خالدة. قصة “سليم” الشاب الأسمر الذي تحدى كل الصعاب لإنقاذ رجل مسن غريب لا يعرفه. قصة تُظهر معدن الإنسان الطيب، ونبله، وكرمه، وحرصه على مساعدة الآخرين. قصة تُذكرنا بأننا بشر، وأننا نحتاج إلى بعضنا البعض في أوقات الشدة. قصة تُعلمنا أن المال ليس كل شيء في الحياة، وأن الفقراء يستحقون المساعدة. قصة تُلهمنا لِنكون أكثر إنسانية، وأن نتعاون مع بعضنا البعض لبناء عالم أفضل. قصة “سليم” شعلة أمل في زمن كثرت فيه الأنانية واللامبالاة. قصة تستحق أن تُروى وتُعرف، وأن تُلهم الجميع ليكونوا أفضل.

 

 

المقالة التالية
الشيخ وليد جياش يدعو لإنشاء الشرطة الإدارية لمواجهة الفساد وتحقيق العدالة
المقالة السابقة
سليم المجذوب: بطلٌ من ذوي البشرة السمراء يُنقذُ مختلًا عقليًا في تعز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━