كيف دفع المهمشون تبعات المعلومات المضللة؟

عبدالله علي – إب

بعد مرور أكثر من عامين على جائحة كورونا، لا يزال الشاب شوقي منَصَّر (25 سنة) يدفع تبعات انتشار الوباء المعلوماتي والمعلومات المضلّلة، التي كانت تتناقلها بعض وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، إبان تفشي فيروس كورونا في اليمن.

ينتمي منصر إلى فئة “المهمشين”، وهو من مدينة تعز جنوب غرب البلاد، ويعيش حاليا مع أسرته في منطقة جِبْلة في مدينة إبّ الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي وسط اليمن. ويشكو مِن تعرّضه للتضييق والتنمر، ففي بداية تفشي الوباء تعرّض للطرد من العمل وعاش أسوأ أيام حياته، خصوصا عقب إعلان سلطات الحوثيين عن تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا في العاشر من نيسان /أبريل 2022.

يذكر منصّر لصوت المهمشين أنه كان يعمل حمّالاً في إحدى المحلات التجارية في مدينة إبّ ذات الكثافة السكانية العالية، وقد أخبره مالك المحلّ فجأة من دون سابق إنذار أن عليه ترك العمل ومغادرة المحل، قائلاً له بطريقة عنصرية: “أخشى من عزوف الزباين؛ لأنهم يخافون من انتقال الفيروس إليهم”، ومكث منصّر فترة طويلة من دون عمل.

يضيف منصر: “بعد فترة من الكفاح والعمل، تمكّنت من شراء دراجة نارية للعمل بها لتأمين لقمة العيش، وتدبير تكاليف المعيشية للعائلة، لكن الكارثة أن غالبية المواطنين يرفضون ركوب الدراجة معي”. ويستذكر قائلاً: “فجأة ذات يوم يقول أحدهم لصديقه: دعنا نذهب لنركب مع شخص آخر، فقد كان المهمشون مصدرا لنشر الوباء أيام جائحة كورونا”.

وخلال تفشي فيروس كورونا في اليمن، حذّرت منظمة الصحة العالمية من أنها تخشى من تفشي كوفيد-19 في اليمن؛ لأن سكانه لديهم أقل مستويات المناعة وأقصى درجات التعرض للأمراض مقارنة بالدول الأخرى، ويزيد من القلق ضعف القدرة على إجراء الفحوص على نطاق واسع.

مطلع مايو /أيار الجاري، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا لم يعد طارئا صحيا عالمياً، مؤكدة تسجيل أكثر من 765 مليون إصابة مؤكدة بكوفيد حول العالم. ووفقاً لرئيس المنظمة أدهانوم غيبريسوس، لقي ما لا يقل عن سبعة ملايين إنسان حتفهم في هذا الوباء، لافتاً إلى أن الرقم الحقيقي لأعداد الوفيات جرّاء الإصابة بكوفيد-19 قد يناهز 20 مليونا.

وقال رئيس منظمة الصحة العالمية غيبريسوس: “إنّ إلغاء أعلى مستويات الإنذار لا يعني أن الخطر قد زال”، مبيناً أن حالة الطوارئ قد يُعاد تطبيقها إذا ما تغيّر الوضع الراهن، مضيفاً أن أسوأ شيء يمكن أن تفعله أي دولة الآن استخدام هذه الأخبار مبرّرا للتراخي واعتبار أن كوفيد-19 لم يعُد شيئا يثير القلق.

تأثيرات سلبية أثناء وبعد الجائحة

تماماً مثل منصر، يشكو نادر عثمان (33 سنةً) أب لأربعة أطفال، من تعرضه للتضييق والتنمر من قبل المواطنين بمنطقة القاعدة بمدينة إب التي يعيش فيها مع أسرته منذ اندلاع الصراع التي تعصف بالبلاد منذ أكثر ثماني سنوات.

تعرّض عثمان أيضا للطرد من العمل، ومكث لفترة طويلة عاطلاً عن العمل، فقد كان أصحاب المحلات التجارية يرفضون منحه فرصة للعمل معهم. يقول عثمان لصوت المهمشين: “لم نكن نعرف الأسباب وراء تعرضنا للطرد من العمل. نعاني من التمييز والاستغلال والفقر والحرمان من الحقوق المشروعة. نحن أكثر من تضرر من فيروس كورونا في اليمن”.

من جانبه يقول رئيس الدائرة الإعلامية للاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشدّ فقرا (المهمشين) في اليمن عبد الغني عقلان: “المعلومات المضللة جعلت المهمشين يعزفون عن تعاطي اللقاح، خصوصاً في بداية جائحة كورونا، فقد كانت اللقاحات بأسعار باهظة، وكان المهمشون غير قادرين على شرائها، وعندما توفرت اللقاحات كان كثير من المهمشين قد صدّقوا الشائعات المنتشرة في المجتمع بأن الوباء مصطنع، وبأنه مرض أنشأته شركات تجارية عالمية”، وأضاف عقلان في حديث لصوت المهمشين: “تُصدّقُ الشائعات نتيجة تدني الوعي الصحي، وارتفاع نسبة الأمية؛ إذ إن فئة المهمشين معزولة عن المجتمع وبعيدة عن وسائل التواصل الاجتماعي وعن وسائل الإعلام”.

“هنالك عدد من الحالات التي تعرضت للإصابة بفيروس كورونا بعضها توفيت وتم التعامل معها بطريقة عنصرية وغير أخلاقية، وفي الوقت الراهن تأثرت فئة المهمشين بشكل كبير بسبب المعلومات المضللة، سواء في الامتناع عن استخدام اللقاحات أم في تعرضهم للتضييق المتعمّد والتنمر من قبل المواطنين”، يؤكد عقلان.

ومن ضمن التأثيرات السلبية، يلفت عقلان إلى غياب الرعاية الصحية، وإلى أن الدولة التي لم تصل إلى أماكن تجمعات المهمشين، فالقائمون على حملات التثقيف الصحي يعتبرون الوصول إلى مناطق المهمشين لتثقيفهم وإعطائهم جرعة التلقيح مخاطرة كبيرة، بل يقولون كيف نتعامل مع هؤلاء الناس؟! وتابع: “المهمشون بشر، يحسون، يتعبون، يعانون، يمرضون، يموتون. أين دور وسائل الإعلام المحلية في تثقيف المجتمع ومحاربة الشائعات التي يدفع ثمنها المقهورون من أبناء المهمشين الذين يعيشون أتعس أيامهم؟!”.

وقد تسببت الحرب التي تعصف باليمن منذ أكثر من ثماني سنوات بتدمير النظام الصحي للبلاد، في حين تُرك الملايين من سكانه يعانون الجوع والمرض. ويعتمد نحو 80 في المئة من السكان (24 مليون نسمة) على المساعدات الإنسانية ويواجه عشرة ملايين خطر المجاعة.

إعلام مُسيّس

خلال انتشار فيروس كورونا في اليمن أسهمت المعلومات المضللة التي كانت تتناقلها وسائل الإعلام بحالة من الذعر والخوف بين أوساط المواطنين، خصوصا عقب انتشار عشرات الأخبار عن تصفية المصابين بفيروس كورونا، وذلك انعكس سلبا على حياتهم في ظلّ تدهور القطاع الصحي نتيجة استمرار الحرب التي تعصف بالبلاد منذ سنوات.

يقول الصحفي اليمني أبو بكر الفقيه: “غالبية وسائل الإعلام المحلية خلال جائحة كورونا كانت تتعمّد نشر أخبار مضللة؛ لذلك يجد اليمنيون صعوبة في الحصول على الأخبار في بلد منقسم ويعيش حالة حرب ووضعاً غير دستوري، وتكاد وسائل الإعلام المحلية تكون خالية من الأخبار الموثوقة”.

ويضيف الفقيه لصوت المهمشين: “بعض الأخبار المضللة التي كانت تُتداول على وسائل الإعلام المحلية خلال جائحة كورونا لا تزال تبعتها حتى اللحظة، من بينها ما يتعرض له المهمشون في اليمن من تضييق، كما أدّت إلى حدوث حالة من الرعب والخوف بين أوساط المواطنين، والتقليل من الالتزام بالإجراءات الاحترازية”.

وأشار الفقيه إلى وقوع كثير من وسائل الإعلام والصحافيين والناشطين في منصات التواصل الاجتماعي ضحية للترويج للأخبار المضللة وكانت تغطية وسائل الإعلام مسيسة، وذلك انعكس بدوره سلباً على حياة اليمنيين، وعلى فئة المهمشين خصوصا.

الموت في أعتاب المستشفيات

ونتيجة للوباء المعلوماتي والتضليل الإعلامي، وتأسيس تغطية وسائل الإعلام لجائحة كورونا في اليمن، كان كثير من المرضى في صنعاء الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، ومدينة عدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة، يتعرّضون للوفاة على أعتاب المستشفيات الحكومية والخاصة بسبب رفض المستشفيات استقبالهم خوفاً من فيروس كورونا.

يعلّق الحقوقي اليمني عبد السلام حميد قائلاً لصوت المهمشين: “فئة المهمشين هم أكثر المتضررين من انتشار المعلومات المضللة في المجتمع اليمني خلال فترة جائحة كورونا وبعد انتهاء الجائحة، وهم أيضًا أكثر المتضررين من آثار الحرب الحالية بالإضافة إلى التمييز في المكانة وفي الحقوق الشخصية وغيرها من الحقوق المشروعة”.

يوافقه في الرأي رئيس الدائرة الإعلامية للاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقرا عقلان قائلاً: “مع الأسف، هناك موروث اجتماعي خطير في المجتمع انتقل إلى الجوانب الصحية الاجتماعية الاقتصادية، وحمل في طياته طابعا عنصريا ضد هذه الفئة، وذلك يُعدّ خطراً كبيراً من شأنه القضاء على المهمشين. (المهمشون لا يمرضون ولا يموتون ولا تصيبهم الأوبئة والأمراض)، هذا ما يقولون، وذلك ينعكس سلباً على حياتهم بالفعل، ويجعلهم يدفعون الثمن باهظا؛ إذ إن حملات التوعية والتلقيح لا تذهب إلى أماكن تواجدهم بسبب المعلومات المضللة المتداولة بين أوساط المواطنين”.

وفي ظل ما يتعرّض له المهمشون من تضييق وحرمان من جميع الحقوق والمواطنة المتساوية، خصوصا في الحقوق الصحية، ينهي عقلان حديثة مشدّداً على أهمية تدريب وتأهيل كثير من أبناء المهمشين في الجانب الصحي، والعمل على إدراج الخريجين من الثانوية في كليات الصيدلة والطب والتمريض ليشاركوا في حملات التلقيح ويتمكنوا من الوصول إلى أهاليهم فهم الأقرب إلى ذلك لأنهم يعيشون بينهم”.

المقالة التالية
لقاح الملاريا.. من أجل يمن يخلو من الوباء
المقالة السابقة
القات يغتال صحة الأطفال الجسدية والنفسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━