“خادم” و”مقرع”و”وريا” ثلاثة ألقاب من مجموعة كثيرة لا تزال متداولة في مدن ومناطق مختلفة من اليمن، مصطلحات يمتعض منها، اصحاب البشرة السوداء، لأنها تنم عن عنصرية مُقيتة،وتمييز طبقي تمارس بحق 11% من إجمالي عدد سكان البلاد.
“لأني أسود البشرة يستحقرني الناس ” هكذا وصف محمد علي معاناته بسبب لون بشرته الأسود، ويحكي لنا موقف حصل له عندما ذهب للعلاج في مدينة صنعاء شمال اليمن ، يقول “عندما ذهبت لزيارة طبيب العيون في عيادته بعد تأكيد موعد زيارتي ،وأثناء إنتظار في صالة الإستقبال، مُنتظر لينادئ بإسمي للدخول ، كغيري من المراجعين، ولكن تفاجأت عند دخول أحدهم قائلا لي قم ياخادم نشتي نجلس، وبكل سخرية وإحتقار، فتمالكت نفسي، وقمت دون الرد ، وهذا موقف واحد فقط من مواقف عدة نتعرض لها يومياً، فهذه الألقاب تُشعرني بالنَقص، أكره من يناديني بها.
عرفات احمد هو الآخر لم يسلم من تلك السُخرية العنصرية وجراحها وظل يحتفظ في صندوق ذكرياته ، مواقف الطفولة التي عاشها ،وكان فيها ضحية العنصرية المقيتة، ضد أصحاب البشرة السوداء، فلم يمر يوم واحد في حياته إلا ودخل في عراك مع أطفال من عمره كانوا ينادونه بـ الخادم الأسود ويرفضون اللعب معه والأمر الأكثر وجعا من ذلك كان تقبل المجتمع لهذه التصرفات باعتبارها تصرفات عادية، مما أثر بنفسيته وحياته، وأفقده ثقته بنفسه.
“أن التمييز والعنصرية القائمة على اللون لها أبعاد ثقافية، واجتماعية، وجذور تاريخية قديمة، نتيجة التصنيفات الطبقية في اليمن، والتي تعد من أبرز أسباب التهميش والعنصرية”
أحمد مجدي – باحث في علم الإجتماع
أبعاد اجتماعية وتاريخية
وحول الأسباب الاجتماعية لهذه الظاهرة، يقول الباحث في علم الإجتماع – أحمد مجدي- “أن التمييز والعنصرية القائمة على اللون لها أبعاد ثقافية، واجتماعية، وجذور تاريخية قديمة، نتيجة التصنيفات الطبقية في اليمن، والتي تعد من أبرز أسباب التهميش والعنصرية، فكل من يحمل بشرة سوداء يتعرض للتمييز ويطلق عليه مصطلحات مختلفة”
ويضيف ” ظلت نظرة الاستعلاء راسخة في عقول الكثير يتوارثها جيل بعد جيل، لتصبح بعد ذلك سلوك مقبول، يمارسه ويتداوله عددا من الناس وخصوصا في المناطق الشمالية ،والشرقية لليمن”ويقول “برزت مظاهر متعددة للعنصرية ، والتحقير، واستخدام الالفاظ الجارحة، وصولا إلى تعرض الأطفال للتنمر في المدرسة والشارع، الأمر الذي اجبر الكثير منهم على ترك مدارسهم، ونتج عن ذلك مجتمع جديد يفتقر الى التعليم”
يرى دكتور العلاقات الدولية -عبد الله الحكمي- “أن التقسيمات الديموغرافية والقبيلة القديمة في المجتمع اليمني، ساهمت وبشكل كبير في التشجيع على ممارسة العنصرية والتمييز والإقصاء، لأصحاب البشرة السوداء من أي منصب قيادي في الدولة، وسُمح لهم فقط بالعمل بالأعمال الممتهنة ومن ذلك الوقت توارث المجتمع اليمني عادات وتقاليد سيئة ظالمة تمارس على أصحاب البشرة السوداء الملقبين بالمهمشين”.
أثآر نفسية
“الألفاظ التي يتلقاها اصحاب البشرة السوداء، تجعلهم عُرضة للإصابة بما يسمى القلق المجتمعي، نتيجة الصدمات المتتالية، والشعور بالنقص والافتقار إلى التحكم في حياته، والبيئة المحيطة به”
د.محمد إسماعيل – طبيب نفسي
وحول ابرز الآثار النفسية الناتجة عن التمييز العنصري بين الطبقات والقائمة على اللون.
يقول الطبيب النفسي محمد إسماعيل ” الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر، بسبب لون بشرته ، قد يصل الى حالة من فقدان الثقة بنفسه، ويُصاب بالتوتر والعصبية ، ويعيش حالة من الحُزن، والعجز،والخوف، الأمر الذي يتسبب بظهور انحرافات سلوكية تنعكس على المجتمع ،و تؤثر عليه سلبياَ”
موضحا “ان الالفاظ التي يتلقاها اصحاب البشرة السوداء،تجعلهم عُرضة للإصابة بما يسمى القلق المجتمعي، بسبب الصدمات المتتالية، والشعور بالنقص والافتقار الى التحكم في حياته، والبيئة المحيطة به”.
مكافحو العنصرية
من أجل محاربة ومواجهة تلك المُسميات العُنصرية ، برزت مبادرات وأنشطة فردية، يقوم بها عدد من ناشطي المجتمع المدني، ترفض التنميط، وتسعى إلى المساواة، وإلغاء الامتيازات الطبقية، التي تُعلي من شأن فئة، على حساب أخرى.
“منصة المهمشين في اليمن” على موقع التواصل الإجتماعي – فيس بوك منبر يُحاكي قصص ومعاناة أصحاب البشرة السوداء ومكان عرض قصص نجاحهم وكفاحهم.
محمود رزق بهكلي أحد القائمين على المنصة يقول ” تفاجئنا بترحيب وتفاعل غير متوقع عند إطلاق المنصة، وهذا دليل على أن معاناة هذه الشريحة ظاهرة وملموسة من جميع الشعب، وكان الأمر يحتاج فقط شجاعة من المهمشين لطرح قضاياهم وبالمقابل واجهنا شريحة عنصرية، لم تكن متقبلة للفكرة، ولكن هذا لم يمنعنا من مواصلة الفكرة”
وأشار بهكلي الى ان “الصفحة عرفت بالقضية على الصعيد المحلي وأظهرت بعض المعاناة التي كانو يتلقونها ولا يشعر بها الكثير من خارج مجتمع المهمشين ، وبينت للعامة الكثير من الظلم الذي ما زال يُمارس ضدهم، كذلك أسهمت في كسب نشطاء حقوقيين دوليين من خارج اليمن بما تنشره من مأساة تقع عليهم “.
وفي السياق نفسه أكد الناشط الحقوقي عبد الله باشراحيل”ان العنصرية موجوده في كل مكان ، ولكن المجتمع الغربي حارب العنصرية ، وجرم وعاقب كل شخص يمارسها ، لذلك نحن بحاجة ماسة الى الاعتراف أولا بأن العنصرية والتهميش ظاهرة مجتمعية، يجب سن القوانين لمعاقبة وتجريم من يُمارسها ، وتوعية الناس ، بكل الوسائل،لدفعهم باتجاه .التغيير لمواجهتها، لأنها أثرت وبشكل كبير على هذه الفئة بشكل خاص، وعلى المجتمع بشكل عام”.
يظل السود في اليمن او مايطلق عليهم “المهمشين” اليمن في إنتظار تغيير واقعهم للافضل، ويتقبلهم افراد المجتمع، بإعتبارهم جزء منهم ويحتاج ذلك إلى تكاتف الجهود، ومناصرة من منظمات المجتمع المدني والناشطين في مجال حقوق الانسان، لرفع المظلومية والعنصرية عنهم.