أطفال المهمّشين خارج أسوار التعليم نحو الأمية

يعيش اليمن وضعًا مأساويًا صعبًا، جراء استمرار النزاع ،وأصبح بلداً يعاني من أزمات أدت إلى  تدهور في الخدمات الاقتصادية ، وعجز في مواجهتها ، مما زادت بارتفاع معدلات الفقر والمجاعة عصفت بالبلاد.

“المهمشون” أو ما يُطلق عليهم في المجتمع المحلي بـ “الأخدام” وهي أكثر فئات المجتمع اليمني تضرراً من أثآر الحرب ، ولم تعاني فئة مجتمعية يمنية أخرى مثلهم، وهم أدنى طبقة اجتماعية يمنيه من حيث المكانة ، وقد واجهت قرونا من التمييز والاستغلال والفقر .

بحسب الاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقراً “أن التعداد السكاني للمهمشين بلغ حوالي 3.5 مليون في مختلف محافظات البلاد.

أما أطفال المهمشين فيواجهون عادة مضايقات وتنمر من قبل المعلمين والطلاب الآخرين في المدارس ، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب ، في حين أن بعض أولياء الأمور يسحبون أطفالهم من المدرسة للعمل .

ووفقاً ” لليونسيف ” فأن 9٪ فقط من المهمشين يسجلون أطفالهم عند الولادة ، مما يجعل نقص شهادات الميلاد عقبة أمام الالتحاق بالمدارس.

يستعرض هذا التقرير الخاص بـ “صوت المهمشين” أبرز الأسباب التي تجعل غالبية الاطفال المهمشين ، خارج أسوار المدارس ،والمعالجات التي يجب العمل بها ، من خلال لقاءات أجريت مع عدة أسرة في بعض مساكنهم في محافظة عدن جنوب اليمن.

أتمني  أن أرى  أولادي أطباء ومهندسين ولكن الفقر والحاجة، وظروف العيش ،أجبرتني بإخراجهم من المدرسة

أنيسه عبده سالم

أبنائي أذكياء لكن لا عائل لنا سواهم

رندا حسن أحمد (38 عاما) – أم 8 أبناء – تسكن في  مديرية دار سعد تقول ” لدي 8 اولاد ذكور وإناث وزوجي فهمي عاجز عن العمل ويعاني من تضخم بالقلب وتوقف في إحدى كليتيه”  تقول رندا ” بأن أولادها أذكياء جدا ومستواهم التعليمي كان متميزاً ،  وجميعهم يحصدون درجات الإمتياز وبجداره ، ولكن بسبب وضعهم المادي ، وظروف الحياة، أجبرتهم من ترك المدرسة، من أجل العمل لتوفير لقمة العيش، أحد اولادي إلتحق في العمل في صندوق النظافة ، بينما الاخريقوم بجمع علب البلاستيك وبيعها.

أما أنيسة عبده سالم (30 عاماً) من أبناء محافظة أبين والمُنفصلة عن زوجها اختصرت حديثها قائلةً ” أتمني  أن أرى  اولادي أطباء ومهندسين ولكن الفقر والحاجة، وظروف العيش ،أجبرتني بإخراجهم من المدرسة ، لإعالتنا والبحث عن لقمة العيش لنا.

“والدي كبير بالسن ويعاني من مرض السكر وضغط الدم ، وأمي كبيرة بالسن ولا تقوى على العمل ، وليس لدينا مصدر رزق ثابت ،فتركنا المدرسة”

الطفل بلال حمود

نُحب الدراسة ولكن من يُعين أسرتي؟

صورة تعبيرية لأسرة في احدى تجمعات المهمشين

الطفل صفوت حمود يبش من نازحي الحديدة – يسكن مع شقيقة ووالدهم في حي البساتين يقول ” نحن نُحب الدراسة ، والتعلم،  ولكن وضع اسرتنا هو من أخرجنا من المدرسة ، لكي نعيلهم ، ووالداي  كبار بالسن ، وعاجزون عن العمل ولا أحد يساعدنا لكي نتمكن من الدراسة”.

 ويضيف شقيقة بلال فيقول ” والدي كبير بالسن ويعاني من مرض السكر وضغط الدم ، وأمي كذلك كبيرة بالسن ولا تقوى على العمل ، وليس لدينا مصدر رزق ثابت او قريب يعيننا على رعايتهم او توفير متطلبات العيش، ولهذا أجبرنا إلى ترك المدرسة”

 

الإستغلال وقلة الوعي والوضع الاقتصادي

 نسيم أحمد – مديرة مؤسسة ارمان تقول ” بأن الأسباب كثيرة ومتعددة منها الفقر وعماله الأطفال ، وإستغلال الاطفال من قبل اطراف الصراع في التجنيد ” وتضيف إيناس حسين العولقي مديرة مدرسة الزهراء – ” بأن الأسباب تعود لنقص الوعي لدى فئة المهمشين بأهمية التعليم والفقر والتفكك الأسري وتدني المستوى الثقافي لدى الأهالي و انعدام القدوة الحسنة”

تقول الناشطة – سميرة سُويد- رئيسة قطاع المرأة في فرع الاتحاد الوطني لتنمية الفئات الاشد فقراً (المهمشين) في عدن ” بأن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لتفشي ظاهرة التسرب  من التعليم عند المهمشين، حيث أن الكثير منهم يفتقر للوثائق الرسمية عند الأب والطفل ، وعدم التوعيه عند أولياء الأمور بأهمية إلحاق أطفالهم في التعليم وتدهور الوضع الاقتصادي لدي هذه الفئة ساهم بتفاقم هذه المشكلة بشكل كبير” .

المهمشين هم أقل فئة مقصيون من الوظائف الحكومية

الناشط خالد عباد

الممارسات العُنصرية والزواج المُبكر وغياب دور الحكومة

يقول – الموجه التربوي  سالمين حسين مبروك – ” بأن هناك عده أسباب أدت إلى ظاهره التسرب من التعليم عند المهمشين ومن أهمها الزواج المبكر عند الفتيات وعدم الاهتمام بالتعليم ،والخروج إلى سوق العمل بسن مبكر، بالإضافة لتعرض الأطفال الي التمييز العنصري داخل صفوف المدرسة وغياب دور المؤسسات الحكومية والغير حكومية، في تقديم المساعدة لهم ،وتشجيعهم بمستلزمات التعليم”

ويقول ” ان عدم توسيع مراكز محو الأمية و تفعيل دور التوجيه والارشاد التربوي في حل مشاكل التلاميذ ، وغياب برامج تحفيزية في  المدارس تسمح  للطلبة المتسربين بالالتحاق بالدراسة بغض النظر عن سنهم ووفق شروط ميسره”

ويضيف الناشط الإعلامي – خالد عباد ” بأن مهمشو اليمن هم اكثر الأفراد والفئات تضرراً في المجتمع ، ويعود ذلك بسبب الأوضاع والظروف التي تمر بها البلاد بشكل عام ، وأن المهمشين يتركون التعليم بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة ،ويفضلون العمل في مجالات مختلفة وهي طبعاً أعمال عضلية شاقة ، وهم أقل فئة مقصيون من الوظائف الحكومية لعدم اكمال تعليمهم الجامعي “

يجب ظافر الجهود بين المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والإسهام بتوفير البيئة الملائمة  للأطفال المهمشين على الالتحاق بالتعليم ، بكافة المراحل، باعتباره هو السبيل الوحيد أمام دمجهم في المجتمع

نعمان الحذيفي – رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين في اليمن

الأسباب والمعالجات

يسرد  الناشط الحقوقي – نعمان الحذيفي – رئيس الإتحاد الوطني للمهمشين في اليمن أسباب تسرب المهمشين من التعليم قائلةً “بأن مشكلة التسرب من التعليم هي واحدة من أبرز التحديات التي يواجها الطلاب المهمشين ، من التعليم بمراحل مبكره ويعود لأسباب  عدة ، منها ماهو متعلق بتدني المستوى الاقتصادي لهذه الشريحة المعروف عنها بالفئات الأشد فقرا، ومحدودية القدرة الشرائية لديها مقارنةً مع إرتفاع تكاليف وتوفير مستلزمات التعليم إلى انعدام البيئة التعليمية الملائمة”

ويضيف قائلاً “بأن الطلاب للأسف الشديد أحيانا يتعرضون إلى مضايقات من قبل زملائهم وكذا التربويين ، والذين يتعاملوا  بطريقة فجه مع الطلاب المهمشين ، وهو ما ينعكس سلباً على نفسياتهم ويسهم في  انتشار الأمية بين أهالي الطلاب الأميين وافتقارهم لأبسط طرق التربية السلوكية والنفسية المحفزة لطلاب ، والتي تعزز من قدرتهم على مواجهات تلك التحديات،  وفي  المحصلة النهائية يجد هولاء الأطفال أنفسهم بجولات الشوارع كمتسولين ،او عمال نظافة، أو جامعي الخردوات، أو مكبات النفايات”

نعمان الحذيفي

ويسرد الحذيفي بعض المعالجات فيقول “لمواجهة هذه الظاهرة ، علينا توعية المجتمعات المهمشة بأ أهمية التعليم وتظافر الجهود بين المؤسسات الاجتماعية والإنسانية و المؤسسات التعليمية، في الإسهام بتوفير البيئة الملائمة والمحفزه للأطفال المهمشين على الالتحاق ومواصلة التعليم ، بكافة المراحل، با اعتبار أن التعليم هو السبيل الوحيد أمام دمج المهمشين في المجتمع”.

 

مليونا طفل خارج المدارس

آلاف الطلاب في اليمن مهددون بالتسرب من الدراسة ، في حال لم يحصلوا على المساعدة ، مما يعني أن 78٪ من الأطفال ، في سن الدراسة ، لن يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة في السنوات القادمة ، في بلد يحتل المرتبة الثانية للأمية العالمية ، وفقا لدراسة أجرتها منظمة ” اليونيسكو”.

وبحسب تقرير لمنظمة ” اليونيسف” عن وضع التعليم في اليمن في مارس 2020 ، فأن مليوني طفل يمني أصبحوا خارج المنظومة التعليمية ، مقابل 5.8 مليون تلميذ لا يزالون مواظبين على ارتياد مدارسهم ، وما يقارب 1.71 مليون طفل يعيشون في محافظات النزوح منذ بدء الصراع في 26 مارس 2015 ، وبعضهم اجبرته الظروف المعيشية على ترك المدارس والالتحاق بسوق العمل ، كما لم يعد من الممكن استخدام مدرسة واحدة من كل 5 مدارس في اليمن ، كنتيجة مباشرة للنزاع.

معاناة سُردت ومعالجات ، قد تحصد ثمارها ، في حال توحدت جهود السلطات الحكومية والمنظمات والمجتمعات ، لإنقاذ هؤلاء الطفل من أمية مُفرطة قد تكون سبباً دائماً في وضع معيشي أمية دائمة في أوساط هؤلاء اليمنيين ، في ظل وضع اقتصادي وسياسي ومعيشي متدني ، تشهده البلاد ، جراء استمرار الصراع فيها.

المقالة التالية
الاتحاد الوطني للمهمشين يدعو إلى حماية ممتلكات وأراضي المهمشين من عمليات النهب من قبل نافذين في تعز
المقالة السابقة
في اليمن: أنت أسود ؟ إذاً لا حول ولا قوة لك

1 تعليق واحد. Leave new

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━