يكتب / أ.نعمان الحذيفي رئيس المجلس الوطني للاقليات
رؤية من قلب المعاناة: المجلس الوطني للأقليات في اليمن يطرح طريق الخلاص
وسط أتون الانهيارات المتلاحقة التي تعصف بالمنطقة، والنزعات الطائفية والمذهبية التي تحيل المجتمعات إلى وقود لحروب عبثية، يبرز صوت المجلس الوطني للأقليات في اليمن، محملاً برؤية للخروج من هذا النفق المظلم. رؤية تنطلق من ضرورة مراجعة جذرية لدور الحركات والأحزاب الدينية المسلحة، سواء كانت سنية أو شيعية، في الحياة السياسية، وصولاً إلى بناء دولة مدنية وطنية، تحتضن الجميع بعدل وإنصاف.
إن ما نعيشه اليوم من أزمات ليس وليد حراك شعبي، بل هو نتاج مباشر لتمرد جماعات أيديولوجية على مفهوم الدولة، وسعيها لفرض مشاريعها العقائدية بالقوة، متجاوزة الإرادة الوطنية الجامعة، ومتخطية كل القيم الدستورية والحقوقية التي تقوم عليها الدولة الحديثة.
من هذا المنطلق، وإيماناً بحق كل مكونات المجتمع في العيش المشترك الكريم، يقدم المجلس الوطني للأقليات هذه الرؤية كمشروع إنقاذ وطني شامل، يرتكز على خمسة محاور أساسية:
- إنهاء الانقسامات المسلحة واستعادة سيادة الدولة: لقد حان الوقت لأن تتخلى الجماعات الدينية المسلحة عن تمردها، وأن تسلم سلاحها للدولة وحدها. ففي غزة، يجب على حركة حماس أن تعيد الاعتبار للسلطة الفلسطينية الشرعية، وأن تتوقف عن سياسة الصدام التي جلبت الويلات للشعب الفلسطيني. وفي لبنان، لا بد أن يضع “حزب الله” سلاحه تحت إمرة الدولة اللبنانية، ليتحرر لبنان من منطق الدولة المختطفة إلى سيادة الدولة الجامعة. وفي اليمن، يجب على جماعة الحوثي أن تسلم مؤسسات الدولة، وأن تدخل في تسوية سياسية تتيح قيام حكومة منتخبة تمثل الإرادة الشعبية الحقيقية، وتنهي عقداً من الحرب والدمار.
- نحو دولة مدنية محايدة تحكم باسم الشعب لا باسم العقيدة: لقد ولى زمن احتكار تمثيل الدين وتحويله إلى سلطة تبريرية وشرعية بديلة للدستور والقانون. إن الدولة المدنية التي نسعى إليها ليست خصماً للدين، بل هي حاميته من التسييس، وهي الإطار الذي تذوب فيه الانتماءات الفرعية لصالح الانتماء الوطني. الدين لله والوطن للجميع، والدولة الحامية للجميع يجب أن تكون على مسافة واحدة من الجميع.
- تفكيك البنى الحزبية العقائدية التي تعيق بناء الدولة: على الحركات والأحزاب الإسلامية، سواء كانت سياسية أو مسلحة، أن تدرك أن زمن فرض الأيديولوجيات قد ولى، وأن لا مستقبل لمشروع ديني يقصي بقية مكونات الوطن. ندعو هذه الكيانات إلى حل تنظيماتها، والتخلي عن التسلط باسم الإيمان، والاندماج في مشروع وطني جامع، يقوم على الحقوق والحريات والمساواة والمواطنة الكاملة.
- تأسيس عقد اجتماعي جديد يضمن الحقوق والكرامة للجميع: لا يمكن بناء دولة حقيقية دون عقد اجتماعي جديد يضمن حق الجميع في العيش الآمن، ويحمي التعدد، ويكرس مبدأ فصل الدين عن السلطة. العقد الجديد ليس دعوة للإقصاء، بل هو دعوة لبناء دولة تتسع للجميع، دولة لا تحكمها الغلبة ولا الطائفة ولا العقيدة، بل تحكمها إرادة الناس الحرة وسيادة القانون.
- اليمن كنموذج: من الحرب إلى السلام العادل: يعيش اليمن تجربة مريرة نتيجة لتمرد جماعة عقائدية مسلحة على الدولة ومؤسساتها. يرى المجلس الوطني للأقليات أن الطريق الوحيد لإنقاذ اليمن هو العودة إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وإنهاء الانقلاب، وتشكيل حكومة انتقالية، ووضع دستور مدني جديد، وإجراء انتخابات حرة، وترسيخ هوية يمنية جامعة.
إن الدولة التي نؤمن بها ليست دولة مذهب ولا طائفة ولا حزب، بل دولة الإنسان. دولة يحكمها عقد وطني، لا غلبة فيه لأحد، ولا وصاية فيه باسم الله على البشر. ونحن في المجلس الوطني للأقليات، نضع هذه الرؤية أمام القوى الوطنية والدولية، كمشروع إنقاذ، وبداية جديدة، نحو يمن مدني حر تعددي، يتسع لكل أبنائه، ويحمي كرامة الجميع.