لحج – صلاح بن غالب
بشكل يومي يخرج الأربعيني سلطان محمد من منزله إلى سوق طور الباحة في محافظة لحج (جنوب اليمن)، للحصول على عمل بالأجر اليومي علّه يحصل على بعض المال يستطيع بها توفير المتطلبات الأساسية لأسرته.
يعمل محمد في مهنة “الحمّال” التي باتت ملجأ له ولكثير من العاطلين عن العمل في ظل تردي الوضع الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة في البلاد.
وتعد هذه المهنة شاقة الجهد وقليلة المردود، ويتطلب العمل فيها القوة البدنية والصبر. وغالباً ما يواجه العاملين فيها مخاطر صحية جراء حمل أوزان تفوق بنيتهم الجسمانية ما تسبب لهم انزلاق في العمود الفقري.
يقول محمد إن “العمل في المهنة للمواد الثقيلة سواءً في التفريغ من على متن الشاحنات إلى المخازن التجارية أو العكس يترتب عليه بذل جهد كبير للقوة البدنية خصوصاً في فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة ويتسبب في ارهاق جسماني للعامل بل ربما قد تستهلك نصف الاجر بشراء الماء للشرب فقط”.
محمد هو واحد من بين آلاف الأشخاص من مجتمع ذوي البشرة السوداء في اليمن الذين تقلصت فرصهم في الحصول على العمل وكسب لقمة العيش خلال سنوات الصراع الدائر في البلاد منذ ثمانية أعوام.
يقضي يوميًا نحو خمس ساعات في العمل مقابل الحصول على 7 دولارات في أحسن الأحوال.
ويوضح أن التجار يشترطون عليهم أجور متدنية قبل دخولهم للعمل. مضيفًا: “نحن مضطرون للعمل خاصةً في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة وتوقف المساعدات الإنسانية”.
تشير بيانات أممية إلى أن 21 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة والحماية في اليمن. كما أدى الانهيار الاقتصادي واسع النطاق وخسارة مصادر العيش إلى خلق منافسة على الوظائف ذات الأجور المتدنية والتي كانت في السابق مخصصة لفئة ذوي البشرة السوداء أو ما يُعرف محليًا بـ”المهمشون”.
ويواجه العاملين في مهنة “الحمّال” صعوبات تتعلق بنظام العمل وساعات الدوام. يقول محمد إن “العمل في تفريغ البضائع التجارية من فوق الشاحنات خصوصاً في الليل يشترط رب العمل بالاستمرار في المواصلة دون اي توقف ولا يتم استلام الإجارة حتى يتم انجاز العمل بالكامل وهو أمر يزيد من معاناة العمال”.
ويتابع “هذا يحدث في حال ان تكون عاملاً حراً ومتنقلاً بحثاً عن العمل من تاجر إلى اخر، اما إذا كنت عاملاً ملتزماً بالجلوس عند تاجر بعينه لانتظار العمل فلا يحق لك الذهاب من عنده تحسباً لأي عمل يأتي فجأة، وإلا ستحرم من العمل عنده فيما بعد وفي حال لم يأتي عمل تظل ملتزماً بالمكوث بدون اي مقابل”.
إلى ما قبل الحرب كان ما يزيد عن 40 ألف شخص من فئة ذوي البشرة السوداء في اليمن موظفون في صندوق النظافة والتحسين الحكومي، يعملون في نظافة الشوارع وجمع النفايات، لكن الأغلبية منهم يعملون في مهن مختلفة بالأجر اليومي كحمالين أو حراسة المخازن التجارية أو في إصلاح الأحذية أو غسل السيارات.
وإلى جانب العنصرية الاجتماعية تواجه هذه الفئة عنصرية اقتصادية ويحصل العاملين منها في مهنة الحمّال على “الفُتات من المال وبالأجر اليومي الزهيد جداً وهذا لا يقارن مقابل الجهد الجسدي الذين يبذله العامل وهذا أكبر دليل على ان النظرة الدونية السائدة في اوساط المجتمع المحلي”، بحسب المتحدث الرسمي باسم اتحاد المهمشين عبدالغني عقلان.
ويقول إن “سبب انتقاص العمال المهمشين (ذوي البشرة السوداء) في الأجور يعود إلى النظرة الدونية والتمييز العنصرية لهذه الفئة العمالية من قبل ارباب المال والاعمال الذين يوفرون مبالغ طائلة من عرق هؤلاء العمال”.
ويشير إلى أن “هناك استغلالاً واضحاً لظروف العمال المهمشين نتيجة غلاء المعيشة والتدهور الاقتصادي والذي يحرص فيه العامل على توفير لقمة عيش له ولمن يعول حتى وأن كان اجر زهيد”.
ولحصول العمال من ذوي البشرة السوداء على كامل حقوقهم يقترح عقلان “قيام وزارة الصناعة والتجارة بفرض أنظمة تحدد أجور توازي الجهد البدني في شحن وتفريغ البضائع التجارية، بالإضافة إلى تأسيس كيانات ومنظمات تكافح من أجل الدفاع ونصرة قضايا العمال المهمشين للحصول على اجورهم غير منقوصة، وعقد لقاءات دائمة مع العمال لتلمس قضاياهم، وتفعيل قانون العمل طبقاً لما جاء بالدستور اليمني دون اي تمييز”.
يشار إلى ان المادة (5) من دستور الجمهورية اليمنية ينص على “العمل حق طبيعي لكل مواطن وواجب على كل قادر عليه بشروط وفرص وضمانات وحقوق متكافئة دون تمييز بسبب الجنس او السن او اللون او العقيدة او اللغة، وتنظم الدولة بقدر الإمكان حق الحصول على العمل من خلال التخطيط المتنامي للاقتصاد الوطني.
أنتجت هذه المادة ضمن مشروع “تقاطعات” الذي تنفذه مؤسسة نسيج للإعلام الاجتماعي بدعم من مركز الحوار العالمي (كايسيد).
