لم تكن تتوقع الشابة غدير العدني بأنها ستخوض تجربة فريدة مليئة بالآمال ومشحونة بالطاقة الإيجابية بعد أن حجزت مقعدها في العالم الرقمي من خلال إنشائها حسابًا في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ذلك المجتمع الافتراضي الذي وجدت فيه متسعًا من حرية التواصل والتفاعل الذي كاد أن غيب في واقعها الحقيقي.
غدير ذات الثلاثة والعشرون عامًا، طالبة جامعية تعيش في مدينة تعز، اعتادت أن ترى مختلف أشكال وأصناف العنصرية المحشورة في زوايا مجتمعٍ تُكرس فيه النظرة التمييزية تجاه الأقليات والفئات الضعيفة لا سيما فئة ذوي البشرة السوداء أو ما يُعرفون محليًا بـ”المهمشين” التي تنتمي إليها، لكنها وعلى نحو مختلف وجدت مواقع التواصل مجتمعًا متعايشًا تغيب فيه الحواجز والفوارق.
كسب الصداقات
منذ أن دخلت غدير موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، استطاعت أن تتواصل مع الناس بشكل أكبر وتنشر فيه كل ما يجول بخاطرها وتتبادل الحديث مع الناس بتفاعل محموم، وتمكنت من كسب صداقات بمستوى يفوق واقعها الحقيقي، وبشكل لامس وجدنها ومدها بالثقة ومشاعر السمو والعلو في النفس.
تقول غدير، ” مواقع التواصل تلاقي فيها الناس الإيجابية كثير وتجد الكل متحمس يكون صديقك ويتابعك باهتمام بدون ما ينظر للعرق أو الجنس أو أي معيار، وكمان يشجعك الكلام الإيجابي الحاضر بكثرة، ولو وجد السلبي فهو قليل جدًا وما يؤثر، بعكس الواقع”.
تذكر غدير في حديثها، بأنها منذ أن فعلت حسابها بموقع التواصل ونشاطها فيه يزيد كل يوم، وتتلقى الكثير من الصداقات والمتابعات التي تتوافد باستمرار سيما بعد مشاركتها لقصة تتحدث عن نجاحها وتمكنها من دخول الجامعة ودراسة تخصص إعلام، كانت قد أنتجتها إحدى المنصات الإعلامية المحلية، “بعدما انتشرت القصة زادوا متابعيني لأكثر من 12 ألف، وكانوا يعلقوا بأني قوية استحق المتابعة والصداقة”، تضيف.
انعكاس جميل
علاقة غدير بمتابعيها في موقع التواصل لم تبقَ محدودة على حالها، بل انعكست لتكون واقعًا حقيقًا تخطى العالم الافتراضي، إذ وفق حديثها، فإنها تصادف العديد من الأشخاص في أماكن الحياة العامة يبادلونها التحية ويتحدثون إليها بكل لطف، دونما تمييز للون بشرتها، في لحظة يتملكها الشعور بالفخر والاعتزاز.
تتابع، ” كنت أصادف بنات وعيال بالشارع ويقولوا لي أنتِ غدير اللي بالفيس ونتبادل الكلام ويشجعوني كثير جدًا وكذا يحمسوني ويعطوني أمل كبير بالاستمرار ومواصلة الدراسة وتطوير حياتي العلمية والمهنية”.
تصف غدير تلك المواقف حينما يتحدث إليها أشخاص لا تتذكر سوى اسمائهم في قائمة الأصدقاء بالفيسبوك، بأنها لحظة مليئة بالبهجة والسرور، خاصة وأن حديثهم معها يمدها بالقوة والإصرار والإرادة في الاستمرار بالتعليم، تتقلص معها النظرة العنصرية وتزيل فيها الحواجز.
تستطرد، “كثير ناس ما أعرفهم ويكلموني لمن نتصادف بأي مكان ويتأكدوا بأنني غدير اللي بالفيس ويجيبوا لي كلام إيجابي كثير، وكذا تلاقيهم يزرعوا الحماس بقلبك، ولمن يشفوا حد يتعلم ويشتغل على نفسه يدعموه ويوقفوا جنبه والنظرة تكون مختلفة عن الناس المحيطين بك حقيقةً”.
وسيلة للتعايش
مع وجود مختلف أشكال التمييز والعنصرية التي تواجهها أقلية ذوي البشرة السوداء في المجتمع لأسباب عرقية في ظل حالة البؤس التي يعيشها أفراد الفئة مع انتشار الفقر وحرمانهم من معظم الحقوق الأساسية، شكلت مواقع التواصل وسيلة جيدة بالنسبة للأشخاص الذين يتواجدون فيها، لتبادل العلاقات والتواصل مع فئات المجتمع والعالم.
وفي هذا الخصوص، يرى رئيس جمعية تنمية من أجل الدمج والناطق باسم الاتحاد الوطني للمهمشين بتعز، عبدالغني عقلان، بأن مواقع التواصل الاجتماعي ذابت فيها كل الحواجز والامتيازات بين الطبقات والتمييز العنصري الممارس ضد ذوي البشرة السوداء، لافتًا إلى أن الناس يتعاملون برقي ويتواصلون بشكل طبيعي.
ويضيف، أنه في عالم الفضاء الرقمي أصبح هناك انسجام رائع وهناك تبادل للمعلومات والأفكار والاستشارات، وذلك يدل على أن مواقع التواصل الاجتماعي عززت من عملية الانصهار والاندماج الاجتماعي بين مختلف الفئات، وأصبحت الناس تتقبل بعضها البعض بما يعزز من مبدأ التعايش والتماسك.
المناصرة والتأييد
مع التقدم التكنولوجي المعاصر وتدفق الأجهزة والهواتف النقالة والذكية التي أصبحت في متناول الجميع، صاحب ذلك تطور كبير في التقنية الرقمية، أضحى الوصول إلى فئة كبيرة من المجتمع خارج الحدود الجغرافية أمر سهل يتحقق بكبسة زر لأي مستخدم بمواقع التواصل، للحد الذي يستطيع ببساطة مناصرة قضيته وكسب التأييد لها.
وهنا يقول عقلان بأن الفضاء الرقمي ساهم كثيرًا في إيصال أصواتهم للعالم والناس وتعريفهم وتذكيرهم بالمعاناة والمشاكل التي يعيشها أبناء الفئة، كما جلب لهم الكثير من المناصرين لقضيتهم التي وصفها بالإنسانية والتاريخية، مشيرًا إلى أنهم استطاعوا الحصول على الكثير من لمشجعين والمؤيدين والداعمين لهم.
وينظر عقلان إلى مواقع التواصل بأنها وسيلة رائعة لخلق علاقات مع المجتمع والسلطات والمنظمات وتوصيل أصواتهم، في حاجة أصبحت سهلة كما يقول، بينما بالماضي كان ذلك صعبًا، في ظل التمييز الحاصل ووجود فوارق بين فئات المجتمع، “يعني تكون البيت جنب البيت لكن ينعدم الاتصال والحديث والحوار لأنه مازال هناك فوارق ومازالت النظرة التمييزية قائمة”، يتابع.
أمية رقمية
يذهب عقلان للحديث عن الجانب الآخر من الأمية الرقمية التي يواجهها عدد كبير من أفراد هذه الفئة، معتبرًا ذلك قصورًا في التعامل واستخدام مواقع التواصل، ورغبتهم في نقل معاناتهم بشكل أوسع للعالم ومناصرة قضيتهم لمواجهة التمييز والعنصرية والفقر والتهميش العالق جميعها في حياتهم على الوجه العام والخاص.
يتابع، “هناك العديد من الشباب والأفراد المهمشين يمتلكون هواتف ذكية لكن يواجهون عوائق في الاستخدام الجيد والفعال للتقنية للوصول إلى مختلف مواقع التواصل الاجتماعي حتى نتمكن من فرض وجودنا والظهور إلى العالم بحيث نعزز من عملية الاندماج مع المجتمعات”.
يقول عقلان بأن من يستخدمون الإنترنت، قلة قليلة من ذوي البشرة السوداء، مقارنة بعددهم البالغ نحو 3 ملايين ونصف، ما يتحتم عليهم حضورًا يفوق الحال الآن؛ لكي تصبح أصواتهم مسموعة أكثر، مفترضًا بأنه لو وجد 100 ألف فرد في مواقع التواصل بشكل نشط، لحصلوا على المزيد من الأصوات وحققوا تقدم في عملية الدمج ونشروا أنشطتهم بشكل واسع.
أنتجت هذه المادة ضمن مشروع “تقاطعات” الذي تنفذه مؤسسة نسيج للإعلام الاجتماعي بدعم من مركز الحوار العالمي (كايسيد).