هشام المخلافي يكتب
لطالما ارتبط مصطلح “المهمشين” بصورٍ نمطيةٍ قاتمةٍ، تحصرُهم في أُطرٍ ضيّقةٍ تُعزّزُ من شعورِهم بالدونيةِ والانعزالِ، لكنْ خلفَ هذهِ الصورةِ المُظلمةِ، تختفي قصةٌ أخرى، قصةُ شبابٍ طامحٍ ومُثقّفٍ ورائدٍ يُمثّلُ الجانبَ الآخرَ من المهمشين، الجانبَ المُشرقَ الذي يُسهمُ في تغييرِ النظرةِ الدونيةِ للمجتمعِ نحوهم.
ففي زحمةِ الحياةِ، يَتوارى خلفَ ستائرِ الظلّ فئةٌ من الشبابِ، تُعرفُ بِـ”المهمّشين”، فئةٌ تُعاني من نظرةٍ دونيةٍ، تُحاصرُها في قيودِ الفقرِ والتهميشِ، وتُحرمُها من فرصِ الحياةِ الكريمة، ولكنْ من قالَ إن الظلمَ دَائمٌ؟! من قالَ إنّ النورَ لا يُمكنُهُ اختراقُ الظلامِ؟! ففي خضمِّ المعاناةِ، يبرزُ شبابٌ من هذهِ الفئةِ، يُقرّرون كسرَ قيودِ الظلمِ، وفتحَ أبوابِ النورِ بِأيديهم. شبابٌ مُتعلّمٌ ومثقّفٌ، يُؤمنُ بِقدراتهِ، ويُدركُ أنّ التغييرَ يبدأُ من داخلهِ.
لا حصرَ لِقائمةِ روّادِ هذهِ الفئةِ، فمنهم من أسّسَ منظماتٍ تُعنى بِدعمِ المهمّشين، ومنهم من قاربَ المنابرَ، ورفعَ صوتَهُ مُطالبًا بِحقوقِهم، ومنهم من نالَ شهاداتٍ علميةً رفيعةً، وأصبحَ رمزًا يُحتذى بهِ. ولا يَقتصرُ دورُ هؤلاءِ الشبابِ على كسرِ قيودِ الظلمِ فحسب، بلْ يَتعدّاهُ إلى قيادةِ التغييرِ في مجتمعاتِهم، فهم يُؤمِنون بِأنّ التغييرَ الحقيقيّ يبدأُ من القاعدةِ، من خلالِ توعيةِ المهمّشين بِحقوقِهم، ودعمِهم لِتحقيقِ طموحاتِهم.
رحلةُ التحدّي
كم من قصصٍ مُلهمةٍ نسمعُها عن شبابٍ من المهمّشين تحدّوا الصعابَ، ووصلوا إلى أرقى المناصبِ، فمنهم من أصبحَ طبيبًا مُتميّزًا، ومنهم من أصبحَ مُهندسًا مُبدعًا، ومنهم من أصبحَ أديبًا مُلهِمًا.
ويواجهُ الشبابُ المهمّشُ تحدّياتٍ جمةً في حياتهم، فمنذُ الصغرِ، يُواجهونَ نظرةً دونيةً من المجتمعِ، تُعيقُ تقدّمهمْ وتُثبطُ عزائمهمْ، كما يُعانونَ من صعوبةِ الوصولِ إلى فرصِ التعليمِ والعملِ، ممّا يُؤدّي إلى تفاقمِ مشاعرِ الإحباطِ واليأسِ لديهم.
وعلى الرغمِ من كلّ هذهِ التحدّياتِ، يُصرّ الشبابُ المهمّشُ على إثباتِ أنفسهمْ، وفرضِ وجودهمْ على الساحةِ، فمن خلالِ تعليمهمْ وثقافتهمْ، يُشاركونَ في مختلفِ مجالاتِ الحياةِ، ويُسهمونَ في بناءِ المجتمعِ وتقدّمهِ.
دورُهمْ في تغييرِ النظرةِ الدونيةِ
يُوجدُ عدد من النماذجِ المُلهمةِ من الشبابِ المهمّشِ الذينَ تحدّوا الصعابَ وحقّقوا إنجازاتٍ عظيمةً، فمنهمْ من أصبحَ طبيبًا، ومهندسًا، وفنانًا، وأديبًا، وناشطًا سياسيًا.
وللشبابُ المهمّشُ دور مهم في تغييرِ النظرةِ الدونيةِ للمجتمعِ نحوهم، فمن خلالِ إنجازاتهمْ ونجاحاتهمْ، يُثبتونَ للعالمِ أنّهمْ لا يختلفونَ عن غيرهمْ من الشبابِ، وأنّهمْ قادرونَ على تحقيقِ كلّ ما يُصبو إليهِ الإنسانُ، ويُثبتون أنّهم قادرون على النجاحِ والتميّزِ في جميعِ المجالاتِ. فقصصُهم المُلهمةُ تُشجّعُ الأجيالَ القادمةَ على التحدّي، وتُؤكّدُ على أنّ الإمكاناتِ لا تُحدّدُها الطبقةُ الاجتماعيةُ أو الانتماءُ، فرحلةُ كسرِ القيودِ وِتغييرِ النظرةِ الدونيةِ للمهمّشين هي رحلةٌ مُستمرةٌ، تتطلّبُ تضافرَ الجهودِ من جميعِ أفرادِ المجتمعِ، ودورُنا كَمجتمعٍ هو دعمُ هؤلاءِ الشبابِ، وتوفيرُ الفرصِ لهم لِإبرازِ قدراتِهم وتحقيقِ طموحاتِهم.
إنّ قصصَ النجاحِ للشبابِ المهمّشِ تُمثّلُ شعلةَ أملٍ تُنيرُ دروبَ التغييرِ. فبتعليمهمْ وثقافتهمْ، يُسهمونَ في تغييرِ النظرةِ الدونيةِ للمجتمعِ نحوهم، ويُثبتونَ للعالمِ أنّهمْ قادرونَ على تحقيقِ كلّ ما يُصبو إليهِ الإنسانُ، ولا تُقاسُ قيمةُ الإنسانِ بِطبقتِهِ الاجتماعيةِ أو انتمائهِ، بلْ بِإنسانيّتهِ وإنجازاتهِ. والشبابُ المهمّشون هم كُنزٌ ثمينٌ للمجتمعِ، وقادرون على إحداثِ تغييرٍ إيجابيٍّ يُنيرُ دروبَ المستقبلِ.