تنتشر العديد من الشائعات حول لقاحات الأطفال في اليمن بشكل متكرر وعلى نحو مختلف هذه المرة، إذ ربطت إحدى الشائعات المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي عملية التطعيم بمرض التوحد.

هذه الاشاعة ، قد يؤثرسلبا على قرارات العائلة  اليمنية  بحماية أطفالهم من امراض خطيرة وفتاكة،مما يتطلب  تكثيف الجهود الرسمية والمجتمعية للتصدي لتلك الشائعات التي تشكك بفاعلية ومأمونية لقاحات الأطفال .

والتوحد هو مرض يصيب الأطفال في سن مبكر، خلال الثلاث السنوات الأولى، ويسبب اضطرابات عقلية ونفسية للطفل ترتبط بعملية نمو الدماغ وينتج عنها مشاكل في التفاعل والتواصل الاجتماعي، لكن هل هناك علاقة بين اللقاحات والتوحد؟!

اللقاحات لا تسبب التوحد

يقول مسؤول ترصد شلل الأطفال في المستشفى اليمني السويدي للأمومة والطفولة في مدينة تعز، الدكتور خالد النهاري، “إن اللقاحات لا يمكن على الإطلاق أن تسبب مرض التوحد المعروف بطيف التوحد عند الأطفال، مؤكدا”أن لا علاقة بين التطعيم وإصابة الطفل بذلك المرض”.

ويوضح النهاري بأن التوحد عبارة عن اضطرابات نفسية وعقلية يصاب به الطفل عبر التأثير في نمو الدماغ بوقت مبكر وتعود الإسباب لعوامل غالبًا تكون وراثية أو بيئية أو تضاعفات أثناء الحمل، لكن القاحات ليست منها ولا صلة لها بظروف إصابة الأطفال بالتوحد.

ويؤكد النهاري لصوت المهمشين على أن اللقاحات مأمونة وفعالة وهي خط الدفاع الأول لحماية الأطفال من الإصابة بالأمراض، كما هي شيء أساسي بالنسبة للأطفال منذ أن يرأوا النور حتى عمر السنة والنصف وتوفر لهم الوقاية من الإصابة بأمراض خطيرة كشلل الأطفال والحصبة وغيرها.

ويشير إلى أن أي معلومات تنشر حول اللقاحات بخلاف ذلك أو تشكك في فعاليتها في حماية الأطفال فإنها غير صحيحة وغير مسؤولة وهي شائعات قد تساهم في إلحاق الضرر بالأطفال والمجتمع اليمني عامة ولا تعود لهم بفائدة صحية أو معلوماتية.

وتقول منظمة الصحة العالمية في موقعها الإلكتروني، إنه وبناءً على مراجعة الأدلة والإثباتات العلمية، تبين أنه لا توجد علاقة بين تطعيم اللقاحات بالأطفال والإصابة بمرض التوحّد.

ارتفاع حالات الإصابة

يتضح بأن اللقاحات لا تسبب مرض التوحد الذي يصاب به العديد من أطفال اليمن في مراحل عمرية مبكرة، وليس هناك احصائيات رسمية عن عدد حالات الإصابة به، لكن جرى ربطه في عملية التطعيم في ظل ارتفاع حالات الإصابة بأمراض الأطفال الأخرى التي يمكن الوقاية منها بواسطة التطعيمات.

إذ ارتفعت حالات الإصابة بأمراض شلل الأطفال والحصبة بشكل كبير في عموم اليمن خلال الأشهر الماضية مقارنة بالعام السابق، إذ وصلت عدد حالات الإصابة بمرض الحصبة إلى نحو 18 ألفًا و909 حالة إصابة منها 167 حالة وفاة للأطفال، وفق آخر تحديث للترصد الوبائي في الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة بحكومة عدن.

أما شلل الأطفال فقد وصلت عدد حالات الإصابة بين الأطفال إلى 527 حالة إصابة منها 16 حالة وفاة، وكذلك بالنسبة للدفتيريا سجلت وزارة الصحة إصابة 1,359 حالة إصابة منها 135 حالة وفاة، إضافةً إلى تسجيل 5,026 حالة إصابة بمرض السعال الديكي منها 13 حالة وفاة.

وهذه الاحصائية تنحصر على مناطق ومحافظات سيطرة حكومة عدن وسُجلت خلال الثلاثة الأعوام الأخيرة، غير أن هناك أيضًا عدد كبير من حالات الإصابة بالحصبة وشلل الأطفال في مناطق سيطرة حكومة صنعاء ولم تفصح سوى عن 827 حالة إصابة بشلل الأطفال خلال العام الماضي.

وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن “أوتشا” قد أعلن في 16 إبريل الفائت عن وفاة 77 طفلًا وطفلة بمرض الحصبة وإصابة 9 آلاف و418 آخرين خلال الأربعة الأشهر الماضية فقط من هذا العام الجاري 2023، معظمها في المناطق الشمالية أي مناطق سيطرة حكومة صنعاء.

وبحسب الأوتشا، شهدت البلاد خلاب العام الماضي 2022 160 حالة وفاة أيضًا بمرض الحصبة، فضلاً عن تسجيل 22 ألف حالة إصابة، مشيرًا إلى أن حالات الدفتيريا والسعال آخذة في الارتفاع وكذلك زيادة عدد الوفيات الناجمة عن جميع أمراض الأطفال.

إقبال على التطعيم

معظم تلك الأمراض التي سجلتها السلطات الصحية في البلاد آخذه في التفشي والانتشار، وهي أمراض يمكن الوقاية من إصابة الأطفال بها ومكافحتها والتخلص منها بشكل نهائي، كما يعتقد الطبيب في مستشفى اليمني السويدي للأمومة والطفولة، الدكتور علي سيف.

يعمل الطبيب سيف في تطيم الأطفال بذلك المستشفى الذي يقصده الكثير من أهالي مدينة تعز، برفقة العديد من زملائه، وتحدث لصوت المهمشين عن طبيعة عملية التطعيم التي يقومون بها قائلًا بأن “هناك إقبال كبير من الأهالي على تحصين أطفالهم”، لكنّ هذا الإقبال لا يمثل بقية المحافظات والمدن اليمنية.

ويضيف بأنه يعمل بمفرده على تطعيم نحو 97 طفلًا بشكل يومي باللقاحات الخاصة بالحصبة وشلل الأطفال، لافتًا إلى أن الإقبال الكبير للتطعيم معلل سببه إلى قلق الأهالي على أطفالهم من الإصابة بالأمراض في ظل تفشي مرض الحصبة وشلل الأطفال بشكل كبير.

ذلك العدد من الأطفال بحسب سيف، لم يكن يستقبلهم في اليوم الواحد في الفترة السابقة أي قبل الأشهر الأخيرة، غير أن هناك العديد من زملائه الآخرين في ذات المستشفى يعملوا على تطعيم نفس الأعداد، في مؤشر إيجابي لمدى تقبل الناس للقاحات بشكل أفضل من السابق كما يقول الطبيب.

آمنة وفعالة

يقول الطبيب سيف لصوت المهمشين بأن اللقاحات هامة وضرورية للأطفال منذ ولادتهم وتعمل على حمايتهم ووقايتهم من أمراض عديدة أبرزها، الحصبة، شلل الأطفال، السعال الديكي، الدفتيريا، السِل الخماسي، التهابات السحايا، والالتهابات الرئوية.

وعن مأمونية اللقاحات وطرق حفظها وسلامتها، يؤكد الطبيب بأنها “آمنة وفعالة ومتوفرة دائمًا”، ويتم حفظها في صنادق وثلاجات تبريد، ملوحًا بساعده نحو ثلاجة تبريد كانت بجانبه قائلاً لنا بأنه يتم حفظ اللقاحات بداخلها، وليس هناك ما يستدعي القلق والخوف بشأن ظروف تخزين اللقاحات.

وكان مدير إدارة التحصين في مدينة تعز، الدكتور فهد النمر قد أوضح في لقاء سابق مع صوت المهمشين، بأن اللقاحات تُنقل وتُحفظ بطريقة آمنة ضمن عملية تبريد تمر بسلسلة تبريد جيدة تبدأ من حين استلام اللقاحات حتى وصولها وبقائها في الثلاجات والمخازن.

ولفت النمر إلى أنهم يعملون على الاحتفاظ باللقاحات بشكل آمن، ومتابعة دقيقة لدرجة الحرارة عبر أجهزة مخصصة وأطباء متخصصون لمراقبة الحرارة، إضافةً إلى ضبط مخازن التبريد على درجة حرارة تحقق الحماية والسلامة للقاحات ولا يُسمح بتجاوز نطاقها المحدد.

شحنة لقاحات جديدة

في 3 مايو الجاري أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” عن وصول حوالي 2.7 مليون جرعة من لقاحات الأطفال التي وصفتها بأنها “منقذة للحياة” إلى مدينة عدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة.

بحسب المنظمة، فإن تلك اللقاحات التي وصلت على طائرة شحن خاصة إلى مطار عدن الدولي، من المتوقع أن تساعد على حماية 200 ألف طفلاً يمنيًا دون سن العامين وتجنبهم من الإصابة بالأمراض الخطيرة التي يمكن الوقاية منها.

بعد وصول هذه الدفعة الكبيرة من اللقاحات من المحتمل أن تعمل وزارة الصحة في حكومة عدن على إطلاق حملات تحصين ضد أمراض الأطفال أبرزها شلل الأطفال والحصبة، سميا بعد ارتفاع عدد حالات الإصابات فيها بين أوساط الأطفال.

لكن عمليات التطعيم بشكل عام تواجه بعض المعوقات مثل عزوف بعض الأهالي عن تعطيم أطفالهم وتشكيكهم بفعالية ومأمونية اللقاحات، وفق وزارة الصحة، نتيجةً لانتشار ورواج الشائعات والأفكار المغلوطة حول اللقاحات، فيما يبقى الأطفال ضحية تلك الشائعات ويُحرمون من الحماية والوقاية.