تعليم الكبار… حلم لم تبلغه المهمشات في مأرب

صوت المهمشين – اياد البريهي

تتحسر أمل وليد، على عدم إكمال تعليمها بسبب أوضاع أسرتها الفقيرة والمنتمية لفئة “المهمشين” بمحاقظة مأرب (وسط اليمن).

أمل، التي لم تُنهِ بعد عقدها الثالث، أمٌ لسبعة أطفال، تتذكر حين كانت صغيرة، وهي تذهب مع والدتها التي كانت تدرس في فصول “محو الأمية” بمحافظة صعدة (شمال البلاد).

تقول أمل: “كنتُ حينها متحمسةً لحفظ الحروف الهجائية، وكان حُلُمي أن أكون معلمة، لكنّ والدي عجز عن توفير الأدوات المدرسية؛ مما اضطرني إلى ترك الدراسة”.

مات حُلُم أمل في مهده؛ بسبب الفقر، فهي من فئة المهمشات، الذي يكابدون في اليمن حرمانًا من الخدمات، وأوضاعًا معيشية غاية في السوء.

تعمل أمل جاهدةً على تعليم أطفالها؛ ليعوضوها عن حلمها الذي فقدته في صغرها، تقول: أريد لهم مستقبلًا أفضل، وأن يحصلوا على التعليم الذي حُرمتُ منه.

وكشفتْ أنها متمسكة بحُلُمها وتسعى لتجسيده في أطفالها، رغم ما تواجهه يوميًا من مضايقات وانتقادات من الناس؛ بسبب كونها مهمشة، وأنها لا تستحق التعليم.

يوجد مركز محو أمية قريب من سكن أمل في مدينة مأرب، غير أن ظروف عملها أجبرتها على بيع المناديل والمياه في شوارع المدينة؛ لتساعد زوجها على تأمين لقمة العيش لها ولأطفالها.

ودعت أمل المهمشات إلى أن التمسك بالتعليم مهما قست ظروفهنّ، فهو المفتاح لمستقبل أفضل، كما يجب أن يعملنّ على تعليم أطفالهنّ والتغلي على كل التحديات.

الحرمان من التعليم

في خضم الحرب المستمرة منذ سنوات وتدهور الخدمات العامة في اليمن؛ بات التعليم بعيدًا عن متناول ملايين اليمنيين.

وإذا كان المواطنون محرومون من التعليم النظامي في مراحله الأساسية، أو على الأقل محرومون من تعليم جيد؛ فإن تعليم الكبار في اليمن أضحى مستحيلًا.

لكن هذه الاستحالة تتجسد بشكل واضح وجلي بالنسبة لفئة المهمشات، اللاتي حُرمنّ من فرصة التعلم حتى وهنّ كبارًا.

وضع إنساني

 

يكشف رئيس اتحاد المهمشين في مأرب، محمد البليلي، أن أكثر من 5 آلاف مهمشة بحاجة إلى محو أميتهنّ، من بين 25 ألف مهمش ومهمشة يعيشون في 50 تجمعًا بمدينة مأرب.

وبيّن البليلي أن المرأة المهمشة تعيش وضعًا إنسانيًا صعبًا، وتفاقم هذا الوضع إلى الأسوأ خلال سنوات الحرب.

البليلي نفى وجود أي نشاط للاتحاد بخصوص المرأة المهمشة، موضحًا عجزه عن تنفيذ أي مشروع نتيجة سيطرة المنظمات الكبيرة على المشاريع، وترفض الشراكة معهم.

وجدد البليلي دعوته للمهمشات بضرورة الالتحاق بمراكز محو الأمية لرفع مستواهنّ التعليمي وتمكينهنّ اقتصاديًا؛ حتى يساهمنّ في تربية أولادهنّ وسهولة دمجهنّ بالمجتمع.

تزايد الأمية

من جانبه، يشير مدير جهاز محو الأمية في مأرب، منير مقارض، إلى أن ثمة صعوبات كبيرة في عملية محو أمية النساء المهمشات، حيث يشكل المهمشون غير المتعلمين ما نسبته 10 % من المجتمع.

وأضاف: حاولنا إدراجهم في برامج تعليم محو الأمية، لكن العدد الملتحق منهم لم يتجاوز 40 %؛ بسبب نقص المدارس في أماكن تجمعاتهم.

وكشف مقارض أن توقف برنامج محو الأمية منذ عام 2014 وحتى عام 2019 ساهم في تزايد وانتشار الأمية.

لكن بعد ذلك تم استئناف نشاط محو أمية الكبار في أوساط المهمشات بجهود شخصية، وما زالت هذه الجهود متواصلة بهدف تحسين الوضع.

لافتًا إلى أنه يوجد أكثر من 85 مركز لمحو الأمية في مأرب، وقد بلغ عدد الطلاب المسجلين هذا العام 3450 دارسًا.

خطط واستراتيجيات

يواصل مقارض حديثه بالإشارة إلى أن الأمية تزايدت خلال عشر سنوات من الحرب؛ مما يتطلب دعمًا أكبر من الجهات والمنظمات المانحة.

كاشفًا عن استراتيجيات وخططٍ قدمها جهاز محو الأمية لعدة جهات بهدف بناء مراكز مستقلة، وتوفير عقود للمتطوعين، وكتبٍ تعليمية وبناء فصول إضافية للتغلب على الازدحام.

بالإضافة إلى تدريب المتطوعين، وتقديم حوافز تشجيعية للمهمشين الدارسين ليتمكنوا من التعليم بسهولة.

 

 

التعليم حق قانوني

ينص الدستور اليمني في المادة 54 على أن التعليم حق لكل مواطن، ويهدف إلى تنمية الشخصية وضمان المساواة، وتعليم النساء والفتيات حق تدعمه القوانين الدولية التي صادق عليها اليمن، ومن بينها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW).

وتقول المحامية ألفت الرفاعي، إن تطبيق هذه القوانين يحتاج إلى توفير موازنات خاصة لدعم برامج تعليم النساء المهمشات، إضافة إلى إطلاق مبادرات وطنية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، وتشجيع الشراكات بين القطاع العام والخاص لتمويل مشاريع تعليمية.

الرفاعي أشارت إلى أن القانون يوفر إطارًا لحماية وتعزيز حقوق التعليم وفرضه، ومكافحة الأمية وإقرار عقوبات على من يُعيقون وصول النساء إلى التعليم.

وترى الرفاعي أن تعليم الكبار يُمكّن الفئات المهمشة من الإنخراط في سوق العمل ورفع الوعي الحقوقي، وتمكين النساء من حقوقهنّ في التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية.

منوهةً بدور المحاميين الكبير في تقديم الدعم القانوني للنساء اللاتي يُحرمنّ من التعليم وتوعية المجتمع بالقوانين التي تضمن حق التعليم.

ولزيادة الوعي القانوني؛ أشارت الرفاعي إلى أهمية تنظيم ورش عمل وحملات توعية تستهدف رفع وعي الفئات المهمشة، وإدراج مواد تعليمية حول الحقوق القانونية في برامج تعليم الكبار واستخدام وسائل الإعلام لتعزيز الوعي المجتمعي.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي   الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي

 

المقالة التالية
تغير المناخ يُفاقم معاناة المشردين في شوارع اليمن
المقالة السابقة
السفير الامريكي يلتقي رئيس المجلس الوطني للأقليات في اليمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━