- وفاء سيود – لحج
تشكو سميرة وزوجها من المعاملة السيئة من قبل المجتمع الذي لا يزال يتعامل مع فئة المهمشين بدونية، وتقول: “لا يحترمنا أحد. نحن مهمشون، وحياتنا هذه لم نخترها نحن. وجدنا أنفسنا هكذا، وليس هذا من اختيارنا، وعلى الناس أن يعاملونا كما وجدنا، لا أن نتعرض لهذه المعاملة الدونية تجاه فئة من الشعب”.
ابنتي والملاريا
نهتم بالنظافة حفاظاً على سلامة المجتمع، في ظل معاناتنا في الحصول على العلاج، ويضيف زوج سميرة “محمد”: حتى أثناء تعرّضنا لوعكة صحية، نعاني كثيراً من أجل الحصول على العلاج. يتوقف محمد لثوان والحسرة تكاد تخنقه، ثم يقول: “قبل عدة أيام أصيبت ابنتي سارة ابنة العشرينيات بمرض الملاريا، وكاد يغمى عليها من شدة التعب، ولم نستطع أخذها للمستشفى لعلاجها، وذلك بسبب ضعف الراتب الذي أتقاضاه أنا وأمها، حتى جلبتُ بعض الأطعمة أو العصائر لتساعدها على التحمل، واستعملنا العلاج البديل، مثل تنقيع الحُمَر (التمر الهندي) وشرب مائه بعد نقعه 24 ساعة بالإضافة لتناول فاكهة الكيوي والبابايا. نحن نعاني من المجتمع والظروف القاسية، حتى أبسط الحقوق لا نحصل عليها، مثل حقنا في العلاج أو العيش بحياة كريمة، نذهب لتلقي العلاج فيستقبلوننا بمعاملة أقل من بقية المرضى لأننا من أصحاب البشرة السوداء”.
استمرار الكفاح
مع إشراقة كل صباح في محافظة لحج شمال العاصمة عدن، تخرج سميرة وزوجها إلى العمل في أحد شوارع الحوطة لإزالة القمامة. يقضيان نهارهما في العمل الذي يُعد المصدر الرئيسي لكثير من الأسر التي توصف بـ”الأسرة المهمشة” في لحج، وهم من ذوي البشرة السمراء. تسكن سميرة وزوجها في منزل من “اللبن” في حي العدني، لديها تسعة من الأبناء، تعيلهم من العمل في إزالة القمامة من الشوارع بمقابل مبلغ مالي زهيد، يصل إلى ثلاثين ألف يمني، تقول سميرة: “راتبي شهريا من صندوق النظافة والتحسين يصل إلى 30 ألف ريال يمني (أقل من 30 دولارا أمريكيا)، وهو مبلغ لا يكفي لوجبة واحدة لأسرة من عشرة أفراد”.
الإمداد الدوائي ضئيل
ويوضح مدير مكتب الصحة بالحوطة، قائلا: الدعم الحكومي يكاد يكون معدوما، والميزانية التشغيلية ضعيفة جدا مقارنة بارتفاع الأسعار، وأيضا الإمداد الدوائي ضئيل، ولا يتناسب مع الأمراض المنتشرة، وفي هذا الشأن تشير البيانات الرسمية التي حصلت عليها مراسلة صوت المهمشين إلى أن عدد إحصائيات مرض الملاريا وصل إلى خمسة وخمسين مصابا في عام 2020م، ومن زاوية أخرى يؤكد السقاف: “في الوقت الحالي نعمل بإمكانات محدودة لعدة أسباب، أولها نقص في الكادر الصحي، وذلك بسبب استمرار الحرب وعدم التوظيف لكوادر صحية جديدة، وقلة بالميزانية التشغيلية للمرافق الصحية، وكثرة الانطفاءات بالتيار الكهربائي، وهذا يؤثر سلبا على استمرار الخدمة، كما يؤدي إلى عدم قدرتنا على تشغيل المولد للارتفاع بالمشتقات النفطية وكذا الأسعار”.
انهيار العملة يضاعف المعاناة
وتقول الصحفية وفاء صالح: “على الرغم من أن الانهيار في العملة المحلية المتداولة في البلاد مستمر، تقف الحكومة عاجزة أمام وضع أي حلول، وهو ما انعكس كثيرا على كل فئات المجتمع، غير أن فئة المهمشين الأكثر تأثّرا من هذه الأزمات الاقتصادية”.
ويضيف الباحث في الشؤون الاجتماعية د. صبري عفيف: “قضية المهمشين في البلاد، تمثل أهم قضية إنسانية، هؤلاء يفترض أن يُؤخذ بأيديهم وأن يدمجوا في المجتمع بشكل يجعلهم لا يشعرون بالدونية”، وأضاف عفيف -وهو المدير التنفيذي لمؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات–: “قضية عمال النظافة بحاجة إلى صحوة حكومية، ليس منطقيا أن صناديق النظافة والتحسين تدرّ أموالا طائلة، لكن من يعملون في النظافة لا يحصلون على حقوقهم كاملة، ويتعرضون للظلم. ناهيك عن أن المجتمع لم يستوعب بعد أهمية وجود هذه الفئة في حياتنا اليومية. يجب أن يصل المجتمع إلى مرحلة تجعله يؤمن بأن هؤلاء هم جزء من الشعب، ويجب أن تتوقف النظرة الدونية تجاههم”.
وشدد عفيف على أهمية أن تكون هناك صحوة مجتمعية وحكومية لإنقاذ فئة كبيرة من المجتمع، حتى لا تكون هناك أي ردة فعل سلبية منهم، وأن هؤلاء يجب أن يُمنحوا حقهم في الحياة الكريمة لكي يستطيعوا تعليم أطفالهم وعلاجهم.