“كثير من الناس وأصيبوا بكورونا بداية انتشاره وأنا من ضمنهم، وظهرت علينا حينها نفس الأعراض، البعض أثر عليه الخوف الزائد وهناك من تجاوز المرض بتماسكه وهدوءه كما حدث معي”، هكذا استطاع المواطن “علي الخليدي” تجاوز أزمة كورونا حينما عصفت به منتصف عام 2021.
يعيش الثلاثيني الخليدي في حي الموشكي شرقي مدينة تعز، ويحكي لنا تجربته أثناء إصابته بفيروس كورونا بموجة انتشاره الأولى في اليمن، ويقول: “في البداية ظهرت عليا بعض الآلام في الحلق ومن ثم تطورت على سعال جافة وحُمى شديدة وإرهاق جسدي، حتى فقدت حاستي الشم والطعم لأيام”.
مقاومة المرض
حينما أخذ فيروس كورونا في التفشي بسرعة فائقة بين الناس وبدأت السلطات الصحية في تطبيق الاجراءات الاحترازية لمواجهة انتشاره، كانت حينها قد ظهرت أعراض الفيروس على الخليدي وسارع بعزل نفسه في المنزل بعيدًا عن المجتمع المحيط وأسرته.
اعتكف الخليدي في المنزل لأيام في صراع عنيف مع الفيروس وأعراضه التي نالت منه، غير أن عزيمته وإرادته حالت دون سقوطه بين ثنايا المرض، وقاوم تلك الأعراض بالرعاية الصحية والغذائية في منزله كما يقول، “لم استلسم ولم أخاف رغم أن الفيروس كان ينتشر بشكل كبير وسقط بعض الناس مصابين ووفيات، لكن كنت أؤمن بأنني سأتجاوزه”، يضيف الخليدي.
ويحكي لصوت المهمشين: ” خلال فترة إصابتي بفيروس كورونا حاولت أن أطمئن نفسي وأنشغل بأي شيء في منزلي ولم اكترث للقلق والتزمت بالإجراءات الاحترازية والنصائح الطبية وهذا ساعدني على التعافي ومقاومة المرض”.
يذكر الخليدي أيضًا بأنه لم يهتم بأخبار كورونا وانتشاره السريع، وانعزل عن مواقع التواصل الاجتماعي وكل من يتحدث عن الفيروس، بغية الحفاظ على وضعه النفسي وتجنب الشعور بالقلق والخوف كي لا ينهار ويستسلم للمرض.
ويقول في حديثه لصوت المهمشين، “كنت اعتقد بأن فيروس كورونا كأي فيروس أو مرض، ويمكن تجاوزه بالرعاية الصحية والذاتية، وأعراضه يمكن القضاء عليها بالأدوية إلى جانب توفر الراحة الجسدية والنفسية”.
يصيب الجهاز التنفسي
تقول منظمة الصحة العالمية بأن كورونا هو فيروس مستجد من عائلة سارس 2، يصيب الجهاز التنفسي لدى الفرد المصاب، واكتشفته المنظمة لأول مرة بتاريخ 31 ديسمبر من العام 2019 في الصين، حينما تم الإبلاغ عن مجموعة من حالات الإصابة بالالتهاب الرئوي الفيروسي.
أعراض الفيروس هي ذات الأعراض الذي ظهرت على الخليدي وتتفاوت شدتها من شخص لآخر بفارق الوضع الصحي والعمر لدى المصاب، حيث بحسب المنظمة تزاد خطورة الإصابة بالمرض عند كبار السن، أي عمر 60 سنة، وكذلك الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة كالسكر والقلب وارتفاع ضغط الدم وغيره.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الفيروس قد يصيب أي شخص حتى الأطفال لكن خطورة إصابته تكون لتلك الحالات المذكورة والاستثنائية، وفي بداية انتشاره كان يتوقع أن 15% من المصابين يحتاجون إلى دخول المستشفيات لكن تضاءلت تلك النسبة إلى 3% مؤخرًا، وفق المنظمة، إذ من الممكن أن يتعافى المصاب في المنازل مالم تحصل له مضاعفات صحية وضيق شديد في التنفس.
وتنتشر عدوى الفيروس عن طريق الرذاذ التنفسي الذي يخرج من الشخص المصاب حينما يسعل أو يعطس أو يتكلم أو يتنفس، عبر جسميات سائلة صغيرة تنتشر في الهواء وتنتقل إلى الشخص السليم أثناء اختلاطه بالمصابين أو ملامسة الأسطح الملوثة بالعدوى، أو ملامسة العينين والأنف والفم دون تنظيف الأيدي، وفق المنظمة.
فحوصات مخبرية
تتشابه أعراض كورونا بين المصابين، لكن حدتها ودرجة مستوياتها تختلف من شخص لآخر، ويبقى الكشف عبر الفحوصات المخبرية هو الأمر الفاصل بشأن الإصابة، ويؤكد ما إن كانت إصابة الفرد بالفيروس سلبية أم إيجابية.
وفي هذا الخصوص، يقول مدير المختبر المركزي التابع لوزارة الصحة في مدينة تعز، الدكتور أحمد منصور، بأنهم خلال فترة انتشار كورونا في موجته الأولى والثانية كانوا يجرون الفحوصات المعروفة باسم (PCR) للمشتبه إصابتهم بالفيروس ويعانون من أعراض كورونا.
وبحسب ما أضافه لصوت المهمشين، فإنه تم إجرى الفحوصات للكثير من المصابين والمشتبه إصابتهم بالفيروس على الرغم من أن المختبر كان يفتقر لأجهزة إضافية خاصة بهذا النوع من الفحوصات لأنها الوحيدة التي تبين نتائجها ما إن كان المريض مصاب بكورونا أم لا.
وسجلت اليمن أول حالة إصابة بفيروس كورونا بمحافظة حضرموت في 10 إبريل من عام 2020، وشهدت البلاد موجة أولى حينها في تفشي الفيروس وموجة أخرى نهاية فبراير من العام اللاحق 2021، تسببت في إصابة ووفاة الآلاف في ظل عجز النظام الصحي عن مواجهة الوباء.
ووفق آخر إحصائية للترصد الوبائي منشورة في موقع وزارة الصحة العامة والسكان، بلغ إجمالي عدد حالات الإصابة المؤكدة التي سجلت ما بين عامي 2020 و2023 في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًا نحو 36 ألفا و178 حالة إصابة، منها 4 آلاف و227 حالة وفاة.
أثار نفسية واجتماعية
من الواضح بأن كورونا مرض يصيب الجهاز التنفسي بجسم الإنسان ويسبب له أعراض تشمل التعب وأعراض تنفسية وعصبية وأزمة صحية عنيفة إن صح القول، وينتج عنها أثار نفسية واجتماعية تضر بالصحة النفسية للفرد المصاب، تنعكس على سلوكياته وتصرفاته مع ذاته ومحيطه.
وفي هذا الصعيد، تقول أستاذة الإرشاد والعلاج النفسي المساعدة بجامعة إب، الدكتورة سميرة الشهاري، أثناء حديثها في ندوة خاصة بالحالة النفسية والجسدية لمصابي كورونا، نظمها موقع “صوت المهمشين” عبر الإنترنت نهاية أبريل، إن الناس تخاف من أي شيء مجهول وبالتالي كورونا سبب لهم الخوف، خاصة وأنه فيروس مستجد لا يعرفون عنه شيئًا.
وتضيف، بأن هذا الخوف يجعل بعض المصابين يشعرون بطاقة سلبية تنعكس على تصرفاتهم وسلوكياتهم، مثل، الاضرابات الجسدية والنفسية وكذلك التسبب بحالة من الهلع والقلق وقلة في النوم، وهي أمور تأثر على صحتهم النفسية بشكل كبير بلا شك.
وتذكر الشهاري بأن المصاب يتعرض أيضًا لاضطرابات عاطفية وهي تكون غالبًا ناجمة من عوامل نفسية تطرأ على المريض بسبب الخوف سوى أثناء الإصابة بالمرض أو بعدها، مشيرةً إلى أن ابتعاد الناس من المصاب والحذر منه يؤثر أيضًا على نفسيته ويتعرض لوصم اجتماعي.
وبحسب الشهاري فإنه يمكن معالجة تلك الآثار السلبية من خلال تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمصابين بكورونا ومساعدتهم لتجاوز هذه الأزمة النفسية وعدم التوقف عند تجاوزهم للازمة الصحية لكورونا وأعراضه ومضاعفاته فقط.
مواجهة كورونا بالوعي
في تلك الندوة الصحية، لفتت هي الأخرى الدكتورة أشجان الفضلي، أستاذة علم الاجتماع المساعدة بجامعة عدن، خلال حديثها، إلى أن هناك وعي وقائي يكون بتجنب الشخص من الإصابة بكورونا بإتباع التعليمات والإرشادات التي تساعده على الوقاية من الإصابة.
وذكرت الفضلي بأن هناك أيضًا الوعي الذاتي بالنسبة للأشخاص المصابين بفيروس كورونا، ويتحقق ذلك من خلال سيطرة المصاب على حالة القلق التي قد تبدو عليه بداية الإصابة بالمرض وقدرته على تجاوز مشاعر الخوف.
وتعتقد الفضلي بأنه من الممكن أن تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دور إيجابي بتعزيز الوعي لدى الإنسان بخطورة المرض وتجاوزه، موضحةً أنه في المقابل قد تحدث دور سلبي أيضًا بنشر الشائعات والأفكار غير الصحيحة حول المرض.