انتشرت كثير من الشائعات حول لقاحات فيروس كورونا (كوفيد_19) في المواقع الإلكترونية ومنصّات مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الرقمي بشكل واسع، وتداولها الناس في مختلف بلدان العالم ومن ضمنها اليمن. كانت الشائعة التي تزعم أن لقاح كورونا يسبب “العُقم” من أبرز تلك الشائعات التي انتشرت بين اليمنيين؛ إذ قيل إن اللقاح يسبب العقم لدى النساء ويعطّل قدرتهن على الإنجاب، ويضعف الخصوبة الجنسية لدى الرجال.
تلك الشائعة أثارت مخاوف الناس بشكل كبير؛ لأن الأمر يتعلّق بحياتهم الصحية وتكوين العائلة، وذلك من الاهتمامات التي لا يمكن أن يساوم فيها الفرد ويعرضها للخطورة، ما جعلهم يعزفون عن أخذ اللقاح المضاد لكورونا وتحصين أنفسهم من التعرض للإصابة بالفيروس.
ما حقيقة الشائعة؟!
جرى تداول تلك الشائعة، وأُعطيت اهتمامًا بالغًا من دون أن تتضمن أي أدلة أو مستند علمي يفيد أن لقاح كورونا يسبب العقم، على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية أكدت بأنها لقاحات مأمونة ولا تسبب أيًا مما ذُكر، فقد ذكرت منظمة الصحة العالمية في نشراتها الصحية التي أطلقتها على موقعها الإلكتروني أن لقاحات كورونا لا يمكن أن تسبب العقم لدى النساء، ولا تؤثر على الخصوبة الجنسية لدى الرجال.
وتقول مديرة التحصين واللقاحات والأحياء البيولوجية بالمنظمة، الدكتورة كاثرين أوبراين، في تصريحٍ نُشر على موقع المنظمة مطلع فبراير 2021: “إن هذه إشاعة ارتبطت بكثير من اللقاحات المختلفة، ولا صحة لهذه الشائعة، ولا يوجد لقاح مضاد لكورونا يسبب العقم إطلاقًا”.
وتشير دراسة لباحثين في جامعة “بوسطن” الأمريكية، نَشرت نتائجها المجلة الأمريكية لعلم الأوبئة منتصف يناير من العام الماضي، إلى أن لقاحات كورونا لا تؤثر على معدلات الخصوبة لدى الرجال، بمعنى أنهم قادرون على الإنجاب بشكل طبيعي بعد تلقيهم اللقاح، وكذلك الأمر بالنسبة للنساء، فقد أكّدت الدراسة أن اللقاح لا يؤثر على خصوبة المرأة وقدرتها على الحمل، مستندةً على بيانات دقيقة لأشخاص تلقوا لقاح كورونا، قام بها باحثو الدراسة.
وتنفي كثيرٌ من الدراسات والأبحاث الطبية الشائعات التي أُثيرت حول لقاحات كورونا، خصوصًا شائعة تسبيبه “العقم”، مبرهنةً ذلك بدلائل علمية واضحة، بخلاف تلك الادعاءات التي لم تستند إلى دليل أو إثبات علمي.
الحرمان من اللقاح
حرمت تلك الشائعة اليمنيين من التطعيم ضد الفيروس ومن الوقاية من الإصابة بالعدوى؛ إذ بلغ عدد الأشخاص الذين تلقوا اللقاحات في البلاد 760 ألفا فقط من إجمالي ميلون و826 ألفا و584 جرعة لقاح حصلت عليها اليمن، وفق وزارة الصحة، وهو عدد ضئيل مقارنةً بالجرعة المتوفرة.
وفي هذا الخصوص، يقول مدير دائرة التثقيف والإعلام الصحي بمكتب الصحة في محافظة تعز اليمنية، محمود الطيار، إن الشائعات حول لقاح كورونا حرمت المواطنين من التطعيم، خصوصا تلك المتعلقة بالإنجاب، وكانت أكبر عائق أمام حملات التحصين التي أطلقتها وزارة الصحة بالمحافظة واليمن عمومًا. ويضيف في حديثه لصوت المهمشين: “الشائعة ليست لها أي سند أو دليل علمي، لا سيما أنه قد تلقى اللقاح ملايين الناس على مستوى العالم وآلاف اليمنيين، وهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي وأنجبوا أطفالاً”.
ويؤكد الطيار أنهم في إدارة التثقيف والإعلام الصحي درّبوا مجموعة من الأطباء وعاملين صحيين على توعية الناس ودحض الشائعات المنتشرة بينهم، بالإضافة إلى إطلاق حملات إعلامية وميدانية للتوعية بأهمية التطعيم بلقاح كورونا على مستوى مديريات محافظة تعز. ويشير إلى أن برنامج التثقيف والإعلام الصحي في وزارة الصحة وفروعه بعموم محافظات الجمهورية يعملون باستمرار على إطلاق حملات ومنشورات توعوية وإرشادية في سبيل مكافحة الشائعات المنتشرة حول لقاحات كورونا.
نظرية المؤامرة
يرى الصحفي المهتم في كشف التضليل ومدقق المعلومات، مازن فارس، أن نظرية المؤامرة كانت من أهم الأسباب في تفشي المعلومات المضللة والشائعات التي تحيط لقاحات فيروس كورونا بهدف خلق حالة من الاضطراب الاجتماعي وبث الخوف في نفوس الناس.
ويقول فارس لصوت المهمشين: “إن شائعة تسبيب كورونا للعقم تُعدّ الأكثر انتشارًا من بين الشائعات التي تم تداولها على نطاق واسع، وكان لها استجابة كبيرة لدى المجتمع، خصوصًا أنها تتعلق بالخصوبة والتكاثر، الأمر الذي أثار مخاوف المواطنين وامتنعوا عن الإقبال على اللقاح”. ويشير إلى أنه سبق أن استُخدمت الشائعة نفسها عند انتشار أمراض وفيروسات كثيرة سابقة، وكان لها تأثير سلبي كبير، لذلك أُعيد نشرها مرةً أخرى بالتزامن مع انتشار جائحة كورونا واللقاحات المضادة.
تثير اللقاحات، المضادة لكورونا وبقية الفيروسات والأمراض، توجّس اليمنيين لاعتقادهم بأن ما يأتي من دول الغرب قد يُلحق بهم الضرر، ويؤمنون بنظرية المؤامرة كثيرًا، نتيجة نقص الوعي والثقافة الصحية، بحسب ما ذكره فارس.
فوضى معلومات وغياب الرقابة
يذهب الصحفي فارس إلى تفسير الأسباب التي أسهمت في انتشار الشائعات المتعلقة بلقاح كورونا بأنها تعود إلى فوضى المعلومات الحاصلة وغياب الرقابة الإلكترونية للمحتوى المضلل في الفضاء الرقمي، إضافةً إلى ضعف وسائل التواصل الاجتماعي في إيجاد سبل لمكافحة انتشار المعلومات المضللة.
ويوضح في حديثه أن هذه الفوضى المعلوماتية مثلت جائحة خطيرة لا تقل خطورتها عن فيروس كورونا، إذ كان لانتشار الشائعات آثار سلبية على صحة المصابين بالفيروس فضلاً عن تزايد معدلات الإصابات، نتيجة عدم التطعيم باللقاح.
ولدحض هذه الشائعات ومكافحتها، يقول فارس إن الأمر يتطلب التزام رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالمسؤولية الاجتماعية عند نقل المعلومات قبل التحقق من صحتها، إلى جانب ضرورة تكثيف حملات توعوية صحية إلكترونية وميدانية حول فيروس كورونا واللقاحات المضادة له.
( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)