صوت المهمشين – لحج – وفاء سيود
يتكئ أنيس محمد أحمد، عاقل حارة العدني السفلى في منطقة الليبي بحَوْطة لَحْج، على بعض الطوب الخرساني في حديقة الحوطة. عُرفت هذه المنطقة قديما بالأندلس لجمالها وكثافة أشجارها وأزهارها أمام قصر السلطنة العَبدلية بلَحْج إبان فترة الحكم السلطاني. كان السلطان آنذاك يقيم في هذه الحديقة الحفلات ويستقبل الوفود، واليوم لم يتبق منها سوى أطلال، فقرر التركي محافظ لَحْج أن يبني حديقة للأطفال بلحج.
يتحسّر أنيس مضيفا وهو يتأمل الحديقة القديمة الغارقة في مستنقع عمره عشر سنوات: “لا نستطيع التخلص من المستنقع، لا نستطيع الذهاب للعلاج، كل ما نقوم به هو العلاج بالطب البديل مثل الحُمَر (التمر الهندي)، ننقعه في الماء ثم نصفيه من البذور ونعطيه للمريض ليشربه، أو نشتري فاكهة البابايا ونعصرها ونشربها. هذا فيما لو توفر لدينا بعض المال، أما بعضنا فينتظر المساعدات”.
بؤرة لانتشار المرض
“في منطقة مشروع الليبي بمحافظة لحج جنوب غرب اليمن، يعاني المهمشون من معاملة سيئة”، هكذا تبدأ سميرة علي حسن (40 عاما، مطلقة وأم لستة أولاد) حديثها لمراسلتنا. تقول سميرة، وهي تعمل بمحكمة الحوطة: “نحن أصحاب البشرة السمراء نشكو من التمييز في المعاملات الرسمية، وكذلك في العلاقات الاجتماعية، بسبب نظرة المجتمع الدونية لنا”.
تسكن سميرة حارة “العدني السفلى”، وتصف الوضع: “هناك تتدهور صحتنا بسبب مستنقع. نطالب الجهات المختصة بردمه؛ لأنه يمثل بؤرة لانتشار الأمراض مثل التيفوئيد والملاريا التي تلازمنا على مدار السنة، لكن جهودنا كلها تبوء بالفشل، ولا حياة لمن تنادي”.
تقول الطبيبة شيماء محمد لصوت المهمشين: “هذا المستنقع يعتبر بؤرة للأمراض المُعدية الحاصلة في تجمعات المهمشين على مدار العام، من جهة جلبه للبعوض الذي قد يسبب الحُميات بأنواعها، إضافة للبلهارسيا نتيجة لالتصاق التربة الرطبة بالمياه الراكدة الوسخة بأقدام المواطنين الحافية، وقد يسبب كارثة صحية لا تحمد عقباها إذا لم تتخذ الجهات المسؤولة الحلول الصحية لصالح المجتمعات المهمشة المحيطة بالمستنقع”.
نموذج لعائلة مهمشة
معظم أعمال المهمشين ترتبط ارتباطا وطيدا بالأوساخ ومخاطرها، وارتبطت القاذورات بهم بشكل أو بآخر، حتى إنها تطال التجمعات السكانية للمجتمعات المهمشة التي تقع على الروابي والمخيمات المحاطة بالمستنقعات القذرة التي تجمع البعوض القاتل أحيانا، والمسبب لكثير من الأمراض.
في كل صباح يستيقظ، أبناء أصحاب البشرة السوداء لممارسة أعمالهم، وهي التي تجلب لهم الأمراض، فهم عمال الصرف الصحي والنظافة وخدمة الآخرين. يروي عوض (22 عاما) الساكن في حوطة لحج فيقول: “أنا أكبر أخوتي، وبعدي أربعة أشقاء، جميعنا نستيقظ باكرا لطلب الرزق”. ويستطرد إلى قصة شقيقه الأصغر: “أصغرنا صاحب السبع سنوات يذهب لجمع القوارير البلاستيكية المستعملة لبيعها كل صباح. بداية يبحث عنها في حارات محافظة لحج من الأزقة والقمامة، ثم بعد ذلك يقوم بتنظيفها من الأوساخ، ثم يبيعها للاستفادة من ثمنها”، ويوضح: “يصرف أخي الألفي ريال يمني (قرابة دولار واحد ونصف دولار)، بجلب الدواء لوالدنا المريض المقعد في المنزل منذ سنوات، والذي نتعاون على ثمن دوائه الباهظ الثمن”.
ومن ناحية أخرى، يؤكد عوض: “أنا الأكبر، أعمل حمّالا في محل بيع مواد بناء، أحمل الإسمنت والحديد والبلوك، من المحل لشاحنات النقل، وذلك مقابل أربعة آلاف ريال يمني، وأحيانا تبلغ ستة آلاف ريال يمني. أجلب بها بعض الطعام لأسرتي وأهلي، فأنا متزوج ولدي طفلي، بالإضافة لوالدي ووالدتي وثلاثة أشقاء وشقيقتان، أكبرهن تبلغ من العمر أربعة عشر عاما”. كانت شقيقته أيضا تعمل في خدمة أسرة بالقرب من حارتهم، لكن استُغني عن خدماتها بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية.
مناشدة الاتحاد الوطني للمهمشين
يؤكد الأستاذ نعمان الحذيفي رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين والمجلس الوطني للأقليات في اليمن أن هذا وضع مؤسف ومؤلم يعيشه المهمشون في الأحياء الشعبية لمناطق العدني السفلي والعدني العليا وقيصى في محافظة لحج، رغم مرور عشرة أعوام على طفح المجاري، وقد تحول المستنقع بحيرة من المياه القذرة تتسبب في إصابة كثير من المهمشين بالأمراض المعدية والأوبئة الفتاكة التي تحصد أرواح كثير من الأطفال الأبرياء. ويضيف بأنه من المؤسف أن كل هذه المعاناة الإنسانية التي يعاني منها المهمشون الماكثون في تلك الأحياء، إلا أننا لا نرى أي جهد تبذله السلطة المحلية لمحافظة لحج. ويناشد الحذيفي محافظ المحافظة للتدخل العاجل في سبيل إنهاء هذه المعاناة الإنسانية.
ويضيف: “ونحثّ المنظمات الإنسانية على التدخل لرفع المعاناة الإنسانية التي يعاني منها المهمشون، وأشكر موقع صوت المهمشين على تناوله مثل هذه المواضيع وإبرازه معاناة المهمشين في مختلف أرجاء اليمن”.
تجاهل الجهات المختصة
يقول شيخ حارة العدني السفلى أنيس أحمد محمد، الواقعة في منطقة الليبي بحوطة لحج: “نعاني من وجود مستنقع بحارتنا يتسبب في انتشار الأمراض”. ومن ناحية أخرى يؤكد أنيس بأنه ذهب للمأمور في لحج سامي الجبلي، وهو بدوره حوّله لمدير الصرف الصحي محمد الدوكي معلقًا: “كل ذلك لمتابعتهم لإيجاد حلّ لنا والتخلص من المستنقع الذي يمثل بؤرة معاناة لأفراد حارات العدني وبلغيث وقيصى منذ عشر سنوات، وأكثرها تضرّرا حارة العدني السفلى”.
وتابع حديثه: “منذ سنة أتابع لكي أجد حلا، ولا حياة لمن تنادي. لا أحد يلتفت لنا. جميعهم ينظرون لنا بنظرة دونية، وللعلم تزداد حالات الإصابة بالتيفوئيد كل فترة وجيزة، وكل ما يقومون به تجاهنا هو التجاهل، وحين تمتلكهم الرحمة يقوم بعض الأطباء بالخصم من قيمة الدواء أو يأمر المساعد بصرف بعض الأدوية لهم دون مقابل”، ويتابع قائلا: “نحن نُعاقب على شيء لم نختره، كل ذلك لأننا مهمشون”.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور خالد جابر مدير مكتب الصحة والسكان بلحج: “هناك عربات متنقلة تدخل حارات المهمشين في الحوطة وتقدّم الأدوية، وهناك برامج التحصين والتغذية وصحة الطفل بالإضافة لبرامج خاصة بالصحة الإنجابية، والمخصص لمديرية تُبَن ثمان عربات “.
( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)
الصورة لأحد مخيمات المهمشين في مأرب – صوت المهمشين