تتوسّع دائرة انتشار الأمراض الوبائية والفيروسية بين اليمنيين كلّ عام بشكل مضاعف عما سبق، ويُصاب بها الكبير والصغير؛ إذ باتت الأمراض التي تصيب الأطفال تشكل خطورة كبيرة على حياتهم، ففي العامين الماضيين أخذ مرض التهاب الكبد الوبائي نوع A ينتشر بين الأطفال بشكل مخيف، عوضًا عن بقية أنواع المرض التي أصابت الأفراد الكبار بمختلف الأعمار في اليمن، خصوصًا نوعي التهاب الكبد B وC.
أطفال يعانون مبكرًا
يقول الأطباء إن التهاب الكبد الوبائي A الذي يُصاب به الأطفال من أقل الفيروسات الكبدية خطورةً عند الأطفال، لكن المضاعفات الصحية له تُنهك الطفل في بداية مشوار حياته، فتؤدي إصابة الطفل بذلك الفيروس إلى ارتفاع حرارة الجسم حتى الوصول إلى ذروة الحُمّى، ويشعر بالتعب والإجهاد العام وفقدان الشهية والغثيان والقيء، إضافةً إلى اصفرار الجلد والعينين أو ما يعرف بـ”اليرقان” وتغير لون البول والبراز.
وعن أسباب إصابة الأطفال بهذا النوع من الفيروس، يقول الطبيب المختص عبد الرحمن مهيوب: “إن الإصابة تكون عند تناول الأطعمة الملوثة بعدوى المرض أو شرب مياه ملوثة أيضًا، وعند عدم العناية بالنظافة الشخصية”، ويضيف: “العدوى قد تنتقل كذلك عند الاختلاط بالمصابين بالمرض أو ملامسة الدم أو البراز أو البول الخاص بهم”، ويشير إلى ضرورة العناية بالنظافة وغسل يدي الطفل قبل الأكل.
ويؤكد الطبيب مهيوب بأنه من الأفضل تطعيم الأطفال باللقاح المضاد لالتهاب الكبد A بجرعتين، وأن تكون المدّة بينهما نحو 6 أشهر، لتقي الطفل من الإصابة بالمرض الذي يتسبب في معاناة ومضاعفات صحية لا يتحملها الطفل في عمر صغير.
وفي هذا الصعيد، يقول نائب مدير مكتب الصحة والتثقيف الصحي بمدينة تعز لصوت المهمشين تيسير السامعي: “لقاح التهاب الكبد الوبائي بنوعيه A وB متوفر في المستشفيات والمرافق الصحية للمدينة، وبإمكان المواطنين المرضى وأطفالهم التحصين به للوقاية من المرض بشكل آمن وفعال”.
تفشي الفيروس
انتشر فيروس الكبد بين الأطفال في مدينة تعز في العام الماضي بشكل لافت، في ظل الحصار الذي تعيشه المدينة وشحّة مصادر المياه داخلها، إضافةً إلى انهيار القطاع الصحي والبيئي في اليمن عامة، فقد كان لتلك العوامل دور في انتشار المرض، بحسب تصريحات صحفية سابقة لمدير مختبرات الصحة العامة أحمد منصور، وهو يؤكّد أن معدل انتشار التهاب الكبد A بين الأطفال في مدينة تعز يتراوح بين 15 -20%، بينما ينتشر النوع B في أوساط الكبار بنسبة بين 9 – 12%.
وفي ظل الانقسام الحاصل في البلاد بشطريه الشمالي والجنوبي جراء أحداث الصراع الدائرة، ووجود حكومتين في البلد نفسه ووزارتي صحة، أصبح من الصعب الحصول على إحصاءات رسمية عن الأمراض المنتشرة، ليمكن تعميمها على البلاد كاملةً بجميع محافظاتها ومدنها، ففي مناطق سيطرة حكومة عدن اطلع “صوت المهمشين” على إحصائية رسمية لوزارة الصحة بينت فيها إصابة نحو 300 حالة بالتهاب الكبد، وهو الذي يصيب الأطفال غالبًا، و260 حالة لالتهاب الكبد C. أما في مناطق سيطرة الحوثيين شمال اليمن، فقد كشفت وزارة صحة صنعاء في بيانٍ لها نهاية ديسمبر الماضي عن الأمراض الوبائية في العام الفائت، وأوردت فيه أرقاما وإحصائيات، أكدت تسجيل إصابة نحو 14 ألف و39 حالة بفيروس التهاب الكبد A وC، وإصابة 20 ألف و248 بالنوع B وC.
الإهمال والاستخفاف بالمرض
يذكر صلاح أحمد أن طفله أصيب بالتهاب الكبد في السابق، وأنه كان يعاني كثيرًا من الحمى والتقيؤ وآلام في البطن واصفرار في الجلد والعينين، وكذلك تغير في لون البول والبراز، ومن عدد من أعراض التهاب الكبد الوبائي.
ويضيف صلاح لصوت المهمشين بأنه في البداية تجاهل الأمر في الأيام الأولى، وكان يعتقد بأنها إصابة بمرض الاصفرار الذي يُسمى علميًا “اليرقان”، وهو مرض قد يصاب به الأطفال عادةً في مراحلهم العمرية المختلفة، ولا يشكل خطورة كبيرة. يتابع صلاح بأنه حاول معالجة ابنه بالأعشاب الطبيعية والعسل والمهدئات وغيرها لعلّه يتعافى، واستخف بالمرض معتقدًا أنه اصفرار فقط، لكن عندما تضاعفت الأعراض وتعب كثيرًا، أسعفه إلى المستشفى، وتبيّن بأنه التهاب كبد وبائي.
وبحسب صلاح، تلقّى ابنه الأدوية بعد إجراء الفحوصات اللازمة حينها، ووُفرت له الرعاية الصحية والراحة، وبدأ يتحسّن سريعًا، واطمأن عليه بعد أن كان الأطباء قد أخبروه أن أعراض المرض ستزول في غضون شهرين.
ويتحدث صلاح بأن الإهمال والاستخفاف بالمرض وعدم الوعي بالتفرقة بين الأمراض وإهمال استشارة الطبيب كان سيعرض طفله للخطر، وقد يتضاعف المرض بشكل أكبر حتى يصل به إلى منحنى خطير.
اليرقان والتهاب الكبد
يعدّ الأطباءُ التشخيص الصحيح والتفرقة بين مرض اليرقان المعروف شعبيًا بـ”الاصفرار” أو “الصفاري” والتهاب الكبد، عاملًا مهمًا لسلامة حياة الأطفال الذين قد يصابون بأحدهما، وأيضًا لتفادي خطورة الإصابة بهما بشكل مبكر ومقاومة المرض والتخلص منه.
وفي هذا الخصوص، يقول الطبيب العام راكان العزعزي: “إن الإصابة بمرض اليرقان عند الأطفال يؤدّي إلى اصفرار العينين والجلد وكذلك البول والبراز، وهذا يحدث نتيجة في زيادة كبيرة في إفراز مادة (البيليروبين) بالدم”. ويضيف العزعزي في حديثه لصوت المهمشين: “هذه المادة تتكون بسبب تكسُّرات كبيرة في خلايا الدم الحمراء، وعندما تتكون تتحوّل إلى مادة ذائبة في الدم، يتغير لون الجلد والعينين إلى الاصفرار”.
ويوضح أن اليرقان يحدث أحيانا عند الأطفال بسبب الاضطراب المناعي الحاصل بسبب تكسرات خلايا الدم، وهذا لا يمثل خطورة كبيرة، لكن قد يكون أيضًا نتيجة التهاب الكبد وعدم قدرته على القيام بوظائفه وامتصاص المادة التي تتسبب في الاصفرار.
يُفهم من حديث الطبيب أن هناك تشابها في الأعراض بين مرض اليرقان والتهاب الكبد، ومن الشائع أن يكون اليرقان نوعًا من أعراض التهاب الكبد وفي حالات أخرى قد يكون ناتج عن تكسّرات في الدم بشكل كبير يتجاوز أمرها الكبد.
لذلك يؤكّد الطبيب بأنه لا يجب الخلط بين المرضين، وأنه يجب على الأُسر أن تتأكد من سبب الاصفرار لدى طفلها، أهو نتيجة تكسرات في الدم أو التهاب الكبد الفيروسي، وهذا يتحقق بإجراء الفحوصات الطبية اللازمة.
( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)