“طفلة تشرب دم الكلاب، وتأكل لحومهم”، ضجّت بهذه الشائعة مواقع التواصل الاجتماعي في منتصف ديسمبر من عام 2022م، وذلك بعد نشر فيديو لطفلة قيل إنها تنتمي إلى فئة المهمشين في اليمن، وتسكن أحد مخيمات النازحين بحي شَمْلان شمال العاصمة صنعاء. وأظهر الفيديو الذي تداوله نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الطفلة وهي على متن سيارة شرطة مكبّلة الأيدي، وبجوارها كلب ميت. وقال النشطاء إن الطفلة تقتلُ الكلاب وتمصّ دمها، في سابقة غير مألوفة لدى كل الناس. الناشطة هاجر محمد اليماني نشرت على حسابها في فيسبوك قائلة: “قُبض على فتاه في صنعاء، تمصّ دم الكلاب، وتقوم بأعمال مقززة مع كلاب الشوارع، ومدمنة إدمانا شديدا، ويبدو إنها مصابة بداء الكلب”.
منحى آخر للشائعة
بعد يوم من انتشار الفيديو للطفلة على مواقع التواصل الاجتماعي، تداول كثير من النشطاء وروّجوا أن الطفلة قد تعرضت لعضة كلب وأنها تعاني من مرض داء الكلب. فيما أكّد كثير منهم على حساباتهم أن الأعراض الظاهرة على الطفلة تؤكّد أنها تعاني من فيروس داء الكلب.
من جانبه، كتب على صفحته الناشط أسامة الموشكي: “هذه الطفلة مصابة بداء الكلب، والطبيعي، كما هو في أي مكان في العالم، أن تُعامل بوصفها مريضة، والأصل أن تُسعف وتُعالج وتُقدّم المساعدة لها، لا أن يُقبض عليها وتُعامل على أساس أنها إرهابية أو قاتلة، فتُكبّل وتعتقلها الشرطة”.
الجدير بالذكر أنّ الطفلة تعاني من حالة نفسية، وكل الشائعات التي تداولها الناس لا تمت إلى الحقيقة بصلة، بحسب إفادة عائلة الطفلة، فقد قام اليوتيوبر اليمني أحمد علاو بإجراء مقابلة مع عائلة الطفلة، ونفت كل الشائعات التي تداولها الناس، ونشر المقابلة على قناته في اليوتيوب.
من جانبها، أجرت قناة الإعلام الأمني اليمني مقابلة أخرى مع عائلة الطفلة، ومع الأطباء الذين كشفوا عليها طبّيا. وأكد الدكتور إدريس نعمان البُرَيهي استشاري جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري بالمستشفى السعودي الألماني قائلا: “وصلت الطفلة إلى طوارئ المستشفى، وأجرينا الفحوصات اللازمة، ولحظنا أن هناك علامات إعياء بسبب سوء تغذية، وليس صحيحاً ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي من قيام الطفلة بشرب دماء الكلاب، أو حتى إصابتها بداء الكلب”.
ويؤكد الدكتور البُرَيهي أن السبب في انتشار مثل هذه الشائعات يعود إلى قلة الوعي بداء الكلب وأعراضه، ودعا الجهات المختصة في وزارة الصحة إلى نشر مواد توعوية، توضّح أعراض المرض، وكيفية التعامل مع المرض وإسعافاته الأولية.
الأعراض والأسباب
داء الكلب (السُّعار) (Rabies) هو مرض فيروسي معدٍ ينتقل من الحيوانات المسعورة أو المصابة بداء الكلب إلى البشر والحيوانات الأليفة الأخرى بالخدش أو العض. وأوضح الدكتور أحمد الورد، مدير البرنامج الوطني لمكافحة داء الكلب بوزارة الصحة بصنعاء في تصريح سابق له لموقع المشاهد أن داء الكلب “التهاب فيروسي يصيب الجهاز العصبي المركزي، ثم يؤدّي إلى الوفاة؛ إذ إن الإماتة فيه 100% إذا لم تُتخذ الإسعافات الأولية في الوقت المناسب، ويُعد من الأمراض القاتلة”.
ويضيف: “قد تكون الأعراض غير محددة في البداية، ولكنها تشمل الخمول والحمى والقيء وفقدان الشهية. وفي غضون أيام، يمكن أن تتطوّر العلامات إلى ضعف دماغي، ترنح، ضعف، شلل، صعوبات في التنفس والبلع، إفراط في إفراز اللعاب، سلوك غير طبيعي، عدوانية أو إيذاء الذات، ويفيد أن فترة حضانة المرض قد تتفاوت من أسبوعين إلى أربعة أسابيع، وقد تكون من نصف شهر إلى شهرين في العادة، بينما قد يكون أقل من أسبوع إلى أكثر من سنة، وهذا يعتمد على عدة أمور، منها: مناعة الجسم، قُرب العضة وبعدها من الدماغ، كمية الفيروسات الداخلة إلى الجسم ووسائل الحماية، فالحالة تختلف عندما تكون العضّة مباشرة على الجسم أو فوق الملابس.”
تزايدُ أعداد الكلاب الضالة يضاعف الإصابات
انتشرت الكلاب بصورة مخيفة في عدد من محافظات البلاد بما فيها مدينة صنعاء، خصوصًا منذ فترة اندلاع الصراع، فقد باتت مداخل الحارات في صنعاء تعجّ بعشرات الكلاب، خصوصا في الأوقات المتأخرة من الليل، الأمر الذي شكّل خوفا وقلقا شديدين لدى السكان، فما يكاد يمر يوم إلا ونسمع بحادثة كلب أرعب مواطنا وجرى بعده، ويبقى الخطر الأكبر على الأطفال، خصوصا أنهم يخرجون في أوقات مبكرة للذهاب إلى المدارس.
يقدر مختار عبد النور، نائب مدير إدارة مكافحة الكلاب الضالة بمشروع النظافة التابع لأمانة العاصمة، أعداد الكلاب الضالة بنحو 70 ألف كلب، بحسب إحصاءات عام 2017، ويقول إن العدد في تزايد. ويضيف: “الإدارة كانت تنفذ من ثلاث إلى أربع حملات مكافحة مكثفة سنويا، وكان آخرها في عام 2014، وبعدها توقفت عن العمل بسبب توقف الميزانية وارتفاع أسعار المستلزمات المستخدمة”.
وفقاً لإحصاءات من وحدة مكافحة داء الكلب في صنعاء، يبلغ عدد المصابين في 9 سنوات أكثر من 96 ألف مصاب في اليمن، بمتوسط 11 ألف حالة سنويًا، منذ عام 2011 حتى 2019. فيما سجل عام 2021، 15 ألف إصابة بالمرض، منهم أطفال دون 15 عامًا بنسبة 41%، وذكور 32%، إضافة إلى 27% من الإناث، و46 حالة وفاة.
وشهدت محافظة ذمار أكبر نسبة في عدد الحالات المصابة بنسبة 33%، تليها محافظة إب بنسبة 25.8%، ثم أمانة العاصمة بنسبة 25.6%، حيث تستقبل وحدة مكافحة داء الكلب بالمستشفى الجمهوري بصنعاء من 50 إلى 70 حالة يوميًا من مختلف المناطق. وبحسب إحصائية جديدة للمركز الوطني لمعالجة داء الكلب أجراها في عام 2022 تعرض أكثر من 15 ألف شخص لعضات الكلاب، فيما بلغ عدد الوفيات 60 شخصا.
عدم توفر اللقاح وارتفاع سعره يفاقم المشكلة
“إن تزايد أعداد الحالات المصابة بداء الكلب يقابله شبه انعدام للقاح، ويعود ذلك إلى الحصار المفروض على اليمن، فقد حدّ من دخول الأدوية، وانعدمت أحياناً”، وفقاً للدكتور عبده غراب المسؤول عن وحدة داء الكلب بالمستشفى الجمهوري بصنعاء، وأضاف: “قدّمنا نداء استغاثة للمنظمات الصحية العاملة في اليمن، ولم نتلقَ استجابة باستثناء منظمة الصحة العالمية التي وفرت 3900 جرعة فقط من اللقاحات، أي 13% من الاحتياجات، فالاحتياج 30 ألف جرعة من اللقاحات سنوياَ”. فيما يشكو المواطنون من عدم توفر مصل داء الكلب في المستشفيات الحكومية، ويتوفر أحياناً في المستشفيات الخاصة بسعر باهظ.
وأظهر مسح ميداني شمل 53 صيدلية في العاصمة صنعاء وجود مصل داء الكلب في 3 صيدليات كبرى فقط في وسط العاصمة، وبأسعار تصل إلى 25 ألف ريال (نحو 50 دولارا). ويتوفر اللقاح بأسعار تتراوح بين 8 آلاف و13 ألف ريال، بينما يُفترض أن تُصرف هذه الأدوية للمرضى مجاناً، بحسب البرنامج الوطني لمكافحة داء الكلب.
ونشر الهلال الأحمر اليمني على صفحته بالفيس بوك في 6 من فبراير الجاري “بناءً على طلب وزارة الصحة العامة والسكان بتوفير مصل ولقاح داء الكلب، قام الهلال الأحمر اليمني بدعم من الصليب الأحمر النرويجي بالتبرع بـ 2.500 مصل ولقاح داء الكلب لوزارة الصحة العامة والسكان.” مضيفاً: “نحن نحاول تقديم المساعدة للتخفيف من المعاناة الإنسانية ضمن ما يقدمه الهلال الأحمر اليمني وشركاؤه من دعم على مدار سنوات لعدد من المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، واستمراراً للتعاون بين الهلال الأحمر اليمني ووزارة الصحة العامة والسكان”.
وتداول ناشطون في منتصف شهر نوفمبر من عام 2022 صوراً لرجل يحمل بين ذراعيه طفله الذي قالوا إنه تعرّض لعضة كلب مسعور، وهو يدور به في المستشفيات في محاولة لإنقاذه. يقول الناشط حامد العباسي في منشور على صفحته بفيسبوك معلقاً على تلك الصورة: “أبٌ يحاول إنقاذ طفلة بعد أن عضّه كلب مسعور في محافظة إب. يحمل ابنه بين ذراعيه ويجري به من مستشفى إلى مستشفى. يقابلونه بالطرد، وأحياناً يتعذرون له بأن الدواء غير موجود وغير متوفر إلا في مستشفى واحد، وهو مستشفى الثورة”، ويضيف: “تخيّلوا معي محافظة يعيش فيها الآلاف من الكلاب المشردة، وليس في مستشفياتها لقاح لداء الكلب، وإن توفرت، فقيمة الجرعة الواحدة تصل إلى 12 ألف ريال”.
( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)