“نخرُج أني وأطفالي للشوارع القريبة كل يوم، نجمع الكراتين والأوراق وعُلب البلاستيك ونحرقها، لنطبخ الطعام”، تطهو الأربعينية مريم حميد سعيد الطعام بهذه الطريقة مُنذ خمس سنوات، في منزلها المبني من الصفيح بإحدى مجمعات المهمشين (ذوي البشرة السمراء)، وسط مدينة تعز، جنوب غرب اليمن.
عند زيارتنا للمجمع الذي تعيش فيه مريم، وجدناها تضع قطع الكراتين والأوراق والمواد البلاستيكية من عُلب وأكياس على موقدٍ مبني من الأحجار وتشعل النار فيها، ثم تضع أواني الأكل على الموقد، ليستمر في الاشتعال بتلك الطريقة ريثما تعمل سريعًا على طهي الطعام لأطفالها السبعة وزوجها، ووالدتها التي تعيش معهم.
الاستسلام للواقع
تحكي مريم أنها مجبرةٌ على طبخ الطعام بتلك الطريقة، نظرًا لعدم قدرتها على شراء أسطوانة غاز منزلي وطبّاخة لطهي الطعام بالطريقة المعتادة والآمنة، وتضيف: “زوجي لا يستطيع العمل لأنه مريض في العمود الفقري، ومعي والدتي المُسنة وهي عمياء أيضًا، تخرج كل يومٍ إلى الرصيف في شارع جمال لتتسوّل، وترجع لنا بمبلغ نستفيد منه وأشتري الطعام لأسرتي، ولا نملك المال لشراء أسطوانة غاز وطبّاخة”.
وتتابع مريم في حديثها لصوت المهمشين: “قبل الحرب كان معي دبة غاز وطباخة لكن بدأت الحرب، ونزحنا من العُشّة حقنا دون أن نأخذ أغراضنا، وعدنا قبل خمس سنين، حينما انتهت الحرب بجوار المجمع، لكن لم نجد أغراضنا وثيابنا ولا الدبة الغاز حقنا أيضًا”.
بعد عودة مريم وأسرتها إلى منزلهم في المجمع، لم تجد أسطوانة الغاز التي اشترتها قبل الحرب وقتما كانت الأوضاع المعيشية والاقتصادية جيدة مقارنة بالوضع الآن؛ إذ وصل سعر أسطوانة الغاز العادية في السوق إلى مبلغ يتجاوز 50 ألف ريالاً (تعادل حاليًا 60 دولارًا أمريكيًا)، وهذا مبلغ كبير لا تستطيع مريم الحصول عليه.
المصدر الوحيد
يُصنف المهمشون في اليمن ضمن الفئات الأشد فقرًا والأقل حصولاً على الخدمات الأساسية المعيشية، ويمرون بظروف إنسانية بالغة الصعوبة، نظرًا للإهمال الذي يمارس عليهم من المجتمع والدولة على حدٍ سواء، واستخدامهم لطرق غير آمنة للطبخ يعدّ خيارًا وحيدًا أُجبروا على القبول به.
يذكر عاقل المهمشين، عمر قائد، في مجمع “الحُمرة” الذي تعيش فيه مريم، أن عدد الأسر في المجمع تصل إلى نحو 120 أسرة وأنه مكتظ للغاية، وهناك كثير منهم ليس لديهم إمكانية أخرى لطبخ الطعام، سِوى الكراتين والأوراق والبلاستيك، ولا يقدرون على شراء أسطوانات الغاز المنزلي وأي نوع من أنواع الطبّاخات.
ويضيف لصوت المهمشين أن تلك الأسر تعتبر من الأسر المُعوزة للغاية، على الرغم من أن جميع أبناء الفئة يعيشون أوضاعا معيشية صعبة وفقرا شديدا، ولكن هناك أسر تعمل في صندوق النظافة وغيرها من الأعمال ذات الدخل البسيط، ولديهم أسطوانات غاز.