“أعيش أنا وأطفالي في الظلام، وأحيانًا على ضوء كشّاف فردي صغير”، بهذه الكلمات يجسّد حسين محمد حسن (45 عاما) وضع حياته في المنزل الذي يعيش فيه مع أطفاله الثمانية وزوجته، وهو منزلٌ مبنيٌّ من الصفيح وصفائح البلاستيك في أحد تجمعات المهمشين في منطقة بير باشا غربي مدينة تعز.
يعمل حسين حمّالا، يقوم بحمل البضائع في بعض المحال التجارية وينقلها من مركبات وشاحنات النقل أو يفرغها منها أيضًا، ويتقاضى من ذلك أجرًا يوميًا زهيدًا للغاية، وهو نحو 3 آلاف ريالٍ يمني إلى 5 آلاف حدًّا أقصى في بعض الأيام، أي ما يعادل 2-4 دولارات أمريكية، وأحيانًا لا يحصل على ذلك العمل خصوصًا في الوقت الحالي خلال أيام شهر رمضان، كما يقول.
العيش في الظلام
الأحوال المعيشية التي يمرّ بها حسين لم تمكّنه من شراء منظومة طاقة شمسية، لكي تنير له منزله ويتمكن مع أطفاله من العيش بشكلٍ طبيعي مثل سائر البشر في هذا العالم، بل يستعين بكشّافٍ فردي صغير يسلط ضوءًا خافتًا على بقعة محدودة من أرض منزله، “نعتمد على الكشاف، يضيء لنا قليلا لمدة ساعتين، ثم ينطفئ، فنظلّ في الظلام أو نخرج من البيت”، يضيف حسين لصوت المهمشين.
ويذكر حسين أن لديه بطارية صغيرة تخزن حوالي 12 وات، وهي خاصة بالدراجات النارية، قام بشرائها قبل سنين بمبلغ 6 آلاف ريال يمني، وكان يعمل على شحنها في منازل الجيران في تجمّع المهمشين الذي يعيش فيه أو عند من يمتلكون تيارًا كهربائيًا، وكانت تضيء له بحدود لمبة واحدةً، لكن تلك البطارية أصبحت الآن متهالكة ولا تعمل.
يشرح حسين: “كان معي بطارية صغيرة وتولّع لنا “لمبة” صغيرة، وكنت أشحنها عند الجيران والناس اللي عندهم كهرباء، لكن الآن قدها تفضي وماعد تشتغل (معطلة)، وما بقدر أشتري بدالها، الآن سعرها بمبلغ 12 ألف ريال، وما عندي قدرة أوفر هذا المبلغ، وكمان بعض الناس يضيقوا وما عد يرضوا يشحنوها زي السابق”.
لم يستطع حسين شراء بطارية صغيرة جديدةً جراء ارتفاع سعرها للضعف بعد أن كانت بـ 6 آلاف وقتما اشتراها سابقًا، فكيف له أن يفكر في شراء منظومة طاقة شمسية مثل بقية أفراد المجتمع اليمني الذين لجؤوا إلى استخدامها مصدرا للإضاءة بعدما توقفت طاقة الكهرباء الحكومية عقب اندلاع الحرب، وفي ظل ارتفاع المشتقات النفطية بشكل مهول للغاية، وصعوبة تشغيل المولدات الكهربائية الصغيرة المنزلية.
معاناة وشتات
الكشاف الذي يعتمد عليه حسين في إضاءة منزله لا يستمر أكثر من ساعتين، ثم يأتي وقت حلول الظلام في ساعات الليل الأولى، ريثما يأكل هو وأطفاله ما توفر من طعام العشاء، ثم يخلدون للنوم مبكرًا أو يسهرون في الظلام حتى يباغتهم النوم، أما في أيام رمضان في الوقت الحالي فإن الأمر أصبح معقدًا للغاية وأكثر صعوبة بالنسبة لحسين وأطفاله.
ويقول حسين إنه يذهب للإفطار في المسجد القريب من التجمّع الذي يعيش فيه، فيما يبقى أولاده في المنزل مع والدتهم يتناولون طعام الإفطار على ضوء الكشاف الخافت، إلى أن يُستهلك بغضون ساعتين كل مخزون شحن البطاريات التي يعمل على شرائها كل يوم، وبعد عشاء الإفطار يعود حسين إلى منزله ليسهر مع زوجته في الظلام أو أمام المنزل على ضوء القمر، فيما يذهب أولاده عند بيوت الجيران لمشاهدة التلفاز.
“مع انعدام العمل في أيام رمضان حاليًا، لا أستطيع توفير الطعام والمصاريف، لذلك أنا أذهب للإفطار وتناول الطعام في المسجد من المائدة التي تقدم هناك، وأطفالي ينتظرون الطعام الذي يأتي به فاعلو الخير إلى التجمّع ليوزعوه لأسر المهمشين، ويأخذون منه لوالدتهم ليتناولوا الطعام سويًّا”، يضيف حسين.
ويستطرد قائلاً: “أعود أنا للمنزل للبقاء مع زوجتي، وأولادي يذهبون عند منزل أحد جيراننا من المهمشين، وهو الوحيد الذي يمتلك تلفازا ويمتلك منظومة طاقة شمسية أيضًا، يشاهدون التلفاز حتى ساعات الليل المتأخرة ويعودون إلينا ليناموا في الظلام، وأنا أتألم كثيرًا لعدم قدرتي على شراء مصدر ضوء لهم وتلفاز ليعيشوا طفولتهم كبقية الأطفال، بل أصبحنا نعيش في شتات كما ترى!”.
كهرباء مُنعدمة
تسبّبت الحرب الدائرة في البلاد للعام السابع، في توقّف وتعطل الكهرباء الحكومية العمومية في مدينة تعز، جراء تعطل المولدات الكهربائية وانهيار الشبكة العامة بسبب المواجهات التي دارت في معظم الأحياء السكنية في المدينة، وهذا الوضع أثر كثيرًا على جميع السكان منهم المهمشون الذين نالوا الجزء الأكبر والمعاناة الأكثر عمقًا.
وعلى هذا الصعيد يُشير، محمد سالم، عاقل تجمع المهمشين الذي يعيش فيه حسين إلى أنه قبل الحرب كانت الكهرباء الحكومية متوفرة، وكانت تصل إلى بعض مساكن المهمشين من خلال تركيب عدادات مشتركة توصل التيار الكهربائي لعدد من المنازل في مجمع المهمشين ويدفعون مقابلها مبالغ بسيطة للغاية، وغير مكلفة.
ويقارن سالم ذلك الوضع السابق، بالوضع الحالي بعد الحرب، قائلاً لصوت المهمشين: “إنّ معظم الأسر المهمشة الآن أصبحت تعتمد على الكشافات الفردية في إنارة منازلها ولفترة قصيرة، فيما هناك أعداد بسيطة من الأسر، المهمشة المتيسِّر حالتها المادية، تعتمد على بطاريات الدراجات النارية أو منظومة طاقة شمسية يكون تخزينها بسيطًا للغاية يصل بحوالي أقل من 50 وات للبطارية و50 فولت للوح شمسي.
وبحسب دراسة لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، يواجه المهمشون منذ عام 2015 عقب اندلاع الحرب في البلاد، تحدياتٍ كبيرة في الحصول على الخدمات الأساسية، ومن أبرزها الكهرباء ومصادر الإضاءة؛ إذ أصبح الحصول على الكهرباء يمثل إشكالية للجميع أيضًا، وفي مناطق الشمال تمكن السكان من الحصول على بدائل إما بالشبكات التي يديرها القطاع الخاص وإما بالطاقة الشمسية، ولكن بسبب الفقر، لم يحصل عليها من المهمشين، إلا عدد منخفض للغاية ومحدود.
وأما في المناطق الجنوبية، توفر الدولة الكهرباء بصورة غير ثابتة، لكن مجتمعات المهمشين لا يستفيدون كثيرًا منها، رغم الحرارة الشديدة في الصيف في عدة مناطق، إذ تفيد التقارير بعدم وصول الكهرباء إلى أي من مخيمات المهمشين في محافظة الضالع، وفق الدراسة.
بديلٌ مُحال
خلال سنوات الحرب الأخيرة ظهرت كثير من المولدات الكهربائية التجارية التي يمتلكها تجار في القطاع الخاص، لتصبح بديلةً نسبيًا للكهرباء الحكومية بعد أن دام انقطاعها وعدم قيام الحكومة والسلطات في المدينة بإصلاحها وإعادة تشغيلها، الأمر الذي دفع عددا من المواطنين إلى اللجوء إلى الاشتراك في الكهرباء التجارية ممن لا يستطيعون شراء منظومة الطاقة الشمسية أو صعوبة الاعتماد الكلي عليها، لكن هذا الحل والبديل يعد صعبًا ومحالًا لأشد الفئات فقرًا في هذا المجتمع المهمشين.
وفي هذا الخصوص، يوضح الأمين العام للاتحاد الوطني بتعز لصوت المهمشين، صالح المضي، أن المهمشين لا يستطيعون الاشتراك بالكهرباء التجارية التي وصل سعر الكيلو الواحد منها إلى 1200 حاليًا، مشيرًا إلى أن هذا المبلغ يستحيل أن يدفعه أي من الأسر المهمشة؛ ولذلك يعتمدون على الكشافات الفردية في الإضاءة.
ويلفت المضي في حديثه لصوت المهمشين، إلى أنه أيضًا لا يستطيع المهمشون شراء منظومات الطاقة الشمسية التي أصبحت مكلفة جدًا وباهظة الثمن، إذ تصل أسعارها ما بين 50 ألف ريال يمني إلى 100 ألف ريال للمنظومة ذات سعة شحن وتخزين بسيط للغاية.