لون البشرة عندما يتحوّل إلى شتيمة

عُرف المجتمع اليمني بالتمايز الطبقي والعِرقي وتصنيف المجتمع إلى طبقات عدة، وقد أخذ ذوو البشرة السمراء (المهمشين) الدرجة الأدنى، وجُردوا من أبسط حقوقهم الإنسانية بفعل التنشئة والتربية على نبذ أصحاب البشرة السمراء والتي عانى منها عدد كبير من الناس.

هبة أحمد إحدى الفتيات التي عانين من لعنة السواد. ولدت هبة في عائلة تتميز بلون البشرة الحنطية. لم تنعم هبة بطفولة جميلة مثل غيرها من الأطفال، وعانت من التمييز والعنصرية القائمة على اللون.

تقول هبة: “أحملُ تلك الصفة المسماة بمجتمعنا الرجعي (خادمة)، واختير لهم لقب المهمشين، وأتذكر كل كلمة كانت توجّه لي، وأذكر ذلك اليوم الذي خرجتُ فيه مع أختي ذات البشرة البيضاء، وحينها قارنت صديقة أمي بيننا بسؤالها المستفز: أنتم أخوات؟ وكيف أخوات واحدة بيضاء وواحدة خادمة سوداء؟ حينها تملّكني شعور الوجع والكره لكل شخص يميز ويقارن بيني وبين أختي”.

وتتابع القول: “ذهبتُ إلى المرآة وخاطبت نفسي: لماذا التمييز؟ هل لأن بشرتي سمراء؟ وما بها البشرة السمراء؟ لطالما تغنى بها كثير وذُكرت في قصائد الشعراء، وحينها فقط أدركتُ أن العيب ليس ببشرتي، وإنما بأفكار واعتقادات مجتمعي الذي ليس لديه أي درجة من الوعي، مجتمع يُمارس فيه التمييز والعنصرية، وتُفضّل فيه الأنثى البيضاء على السمراء، فهي بنظرهم المفعمة بالجمال والأحاسيس، أما السمراء فهي متفحمة وخالية من المشاعر.

كلمات مسمومة ظلّت هبة تتلقاها في كل مكان تذهب إليه حتى في مدرستها. لم تسلم من هذه الكلمات، والتصرفات التي كانت تتعرض لها وتقول: لا أخفيكم القول إني كرهت لون بشرتي بعدما رأيت زميلتي في المدرسة تبعد عن الشمس، فسألتها لماذا؟ ردّت عليّ بقولها: “لا أريد أن أصبح مثل لونك، ألا ترين نفسك، كيف أنت محروقة؟!”. شعرتُ حينها بأني غير مرغوبة في هذا المجتمع لمجرد أن بشرتي سمراء، وحاولت أن أداوي جروحي بعدم الاكتراث لما يقولون إلى أن أُصبت بجروح أخرى، ولكن مع اختلاف الشخصيات، وهذه المرة كانت من أقاربي إذ بادرت فتاة من العائلة تنصحني باستخدام كريم للتبيض، فسألتها لماذا؟ ماذا يُعيبني؟ لترد: “حتى تكوني جميلة كأختك”. أختي نفسها تأثرت بكلامهم، وانعكس ذلك على تصرفاتها لتقول لي حين تشاجرنا: “روحي شوفي نفسك بالمراية سوداء، وعادك تزنطي”.

حينها فقط أدركت أن كثيرا من الأشخاص في مجتمعنا اليمني تربوا على كُره أصحاب البشرة السوداء، وتربوا على احتقارهم والتلفظ عليهم بألفاظ نابية ونبذهم في المجتمع من دون مراعاة أنهم بشر ولهم حقوق.

وتقول هبة: “إن القوانين المشرعة تتحدث عن أن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، ولكن الحقيقة تحمل عكس ذلك، وعلى مرّ الزمان أصبح النظر إلى أصحاب البشرة السوداء منذ عشرات السنين والعقود بنظرة دونية، وأصبحت قضيتهم قضية معقدة، ولم تقتصر هذه القضية فقط على المنتمين لهذه الفئة، وإنما تجاوزتها لكل من يمتلك بشرة سمراء”.

لم تستسلم هبة لهذه التصرفات والمواقف، واقتنعت بلون بشرتها التي في يوم من الأيام كرهته، وأصبحت الآن أكثر احتراما واعتزازا بكل شخص يمتلك بشرة سمراء، واستطاعت أن تواصل دراستها وحياتها. وأكدت على أن هناك عددا كبيرا ممن ينتمون لفئة المهمشين ثابروا واستطاعوا الحصول على حقهم في التعليم، واستطاعوا أن يكونوا أشخاصا مؤثرين في أفراد مجتمعهم.

وتضيف: “هذه الفئة تحتاج إلى الدعم والاهتمام، ولو نُشر الوعي وكفل الحقوق والتبني من المجتمع نفسه والدولة لهذه الفئة سنراهم في مناصب عُليا، وستتغير الثقافة المجتمعية تجاه هذه الفئة وتجاه أصحاب البشرة السمراء ككل”.

يقول قائد هزاع أحد ناشطي فئة المهمشين: “يعاني أصحاب البشرة السمراء وفئة المهمشين في اليمن على مدار التاريخ منذ ما يقارب ألف وأربعمائة عام من التمييز، ويُمارس عليهم وبشكل متعمد أبشع أنواع الظلم والتهميش والإقصاء بسبب لون البشرة، وكل ذلك بسبب مجتمع لا يرحم تحكمه العادات والتقاليد المجتمعية والتي تُتوارث جيلا بعد جيل”.

ويضيف: “هناك أشخاص في المجتمع لا يؤمنون بمبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية بسبب عدم نشر الوعي بأهميته في المجتمع وأهمية أن تحصل جميع فئات المجتمع على الحقوق والمساواة وتكافؤ الفرص”.

المقالة التالية
أم محمد.. مواطنة يمنية تصارع مشقة الحياة بالكفاح والإصرار
المقالة السابقة
من أين جاءت فكرة التمييز العنصري ضد المهمشين؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━