على مدار عقود مضت، يتعرض المهمشون للتمييز الاجتماعي. هذا التمييز حرمهم من نيل حقوقهم، فالقوانين العادلة والمنصفة تعتبر مرتكزا مهما في الحدّ من التمييز؛ لأنها قواعد عامة ومجردة تُطبّق على جميع الأشخاص من دون تمييز وعلى جميع الوقائع من دون استثناء.
ليس هناك قانون في اليمن يمارس التمييز ضد فئة المهمشين، لكن التمييز الاجتماعي المُمنهج يمنعهم من الوصول إلى سبل الانتصاف من الاستغلال؛ إذ يواجهون تعصباً مُمنهجاً في النظام القضائي وداخل الحكومة المحلية والسلطات القبلية 1.
نص القانون اليمني الصريح في المادة (41) “المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة”، ويُمثل دستور الجمهورية العربية اليمنية لعام 1970 أساساً لدستور اليمن لعام 1991، وتكفل المادة رقم 24 حماية جميع اليمنيين، وتنص على أنه “تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياساً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وتصدر القوانين لتحقيق ذلك”. وتضمن المواد في الدستور من 41 إلى 61 حقوق جميع المواطنين في الدفاع القانوني، وحرية الحركة، والوصول إلى الضمان الاجتماعي، ولكن من الواضح أن النظام القضائي وكثيرا من المسؤولين في الدوائر القضائية يمارسون التمييز ضد مجتمع المهمشين، ويفشلون في حماية حقوق أفراده، وغالباً ما يشاركون في انتهاكات فظيعة بحق يمنيين من هذا المجتمع 2.
برغم وجود مثل هذه النصوص القانونية الواضحة والصريحة في القانون اليمني، تظل حقيقة أن المهمشين هم أكثر الفئات المجتمعية تعرضاً للظلم والتمييز المُمنهج؛ إذ يمارس ضدهم التمييز، الاحتقار، والعزلة عن بقية أفراد المجتمع، ويتراخى القانون عن حمايتهم والانتصاف لهم، فهم يعيشون في تجمعات سكنية تفتقر إلى أساسيات الحياة الآدمية.
يقول أ.د. عبد الله معمر الحكيمي أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء: “المشكلة الأساس ليست في القانون اليمني، المشكلة تكمن في المجتمع نفسه الذي أسهم في تأصيل الانقسام الطبقي منذُ القدم، فالمجتمع لا يتقبل هذه الفئة، المجتمع ينظر إليهم بأنهم مجرد (أخدام) وُجدوا لتنظيف الشوارع والعمل في المهن ذات الأجور المتدنية”.
ويضيف: “التمييز والعنصرية ليست مُمنهجة من الدولة، فالقوانين والتشريعات بنصوصها الواضحة تجعل الناس متساويين، فلا يوجد قانون أو تشريع مكتوب يساند أو يناصر العنصرية بشكل مباشر، لكن لا توجد قوانين صريحة وواضحة تُعاقب على ممارسة العنصرية والتمييز، وهذا يجعل كثيرا يمارسون العنصرية بوصفا ليست جُرما يعاقب عليه، وهنا تكمن المشكلة”.
الوضع القانوني للمهمشين قبل الوحدة
أتاحت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فرصاً لمجتمع المهمشين أثناء حكمها، في مجالات التعليم والعمل وكثير من الخدمات العامة، أسهمت هذه الميزات التي حصلوا عليها في إحداث بعض التغييرات على أوضاعهم، فقد تلقى كثير منهم منحا دراسية خارج البلاد لتأهيلهم، وخصوصاً في المجالات العسكرية، فأصبح هناك قادة عسكريون وأفراد من مجتمع المهمشين في أغلب مفاصل الجيش في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
وشهد قانون الإصلاح الزراعي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، القانون رقم 27 لعام 1970، إعادة توزيع الأراضي، وشملت إعادة التوزيع أعضاء على مجتمع المهمشين، غير أن العمل بهذا القانون أُبطل بمرسوم رئاسي صدر عام 1991 مع نشوء الجمهورية اليمنية 3.
قانون القبيلة
يمثل النظام القبلي أحد الأقطاب الرئيسية في معادلة التوازن السياسي في اليمن، إذ لا تزال القبيلة مكوناً رئيسياً في المجتمع اليمني ورقما صعبا لا يمكن تجاهله أو تجاوزه. نفوذ القبيلة المترسخ في اليمن قد يمنع أي إمكانية لتطبيق القانون المدني في البلاد. فالقانون المدني يتعارض غالبا مع أعراف القبيلة وتقاليدها.
فالمجتمع اليمني أو القبلي، إن صح التعبير، يتميز بتركيبة معقدة تُبنى وفق نظام طبقي، يتسبب في بروز عدد من الظواهر السلبية من ضمنها العنصرية، فالمجتمع مقسم إلى طبقات عدّة كالسادة والمشايخ والقضاة والمزاينة، ثم تأتي فئة المهمشين أو ما يطلق عليهم المجتمع “أخدام”.
ومن مخاطر النظام الطبقي في اليمن أنه يعمل على إبقاء فاصل عميق بين هذه الطبقات، إذ يحمي من اختلاطها الجيني ويحافظ على بقاء “نقاء” الأنواع، لتظل طبقة السود خارج حدود المقبول اجتماعيا مهما تعاقبت الأجيال؛ فلا يُسمح بالزواج منهم أو تزويجهم، حتى إن كان ذلك برغبة الطرفين، فإن العائلات ومن ورائها حراس الفصل العنصري يقفون بقوة، قد تصل إلى حد القتل في كثير من الأحيان، ضد هذه المحاولات 4.
التشريعات الدينية
حارب الدين الإسلامي العنصرية بجميع صورها وأنواعها، فقد ورد في القرآن الكريم أن التفاضل بين الناس لا يكون إلا بميزان التقوى فقط، وأن الاختلاف طبيعي في الجنس البشري، وتعدد أنواعه وأشكاله، فقد جعلها الله آية من آياته في هذا الكون قال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}.
يقول الشيخ خالد القروطي خطيب أحمد المساجد في صنعاء: “إن الإسلام جاء لحل مشاكل البشرية، ومن بينها العنصرية، وهو المشهد الذي نراه كل يوم في الصلاة، ألا وهو المساواة، فقد نبذ الإسلام العنصرية، فأول من أذّن في المصليين هو الصحابي الجليل بلال بن رباح الذي كان عبدا قبل مجيء الإسلام، ثم أصبح رمزاً للأمة في تحقيق المساواة بين البشر على اختلاف ألوانهم”.
ويضيف: “المعيار والمقياس الوحيد الذي يحكم به الله على الإنسان تقواه، وليس لون بشرته ولا عرقه أو جنسه ولا منزلته الاجتماعية أو الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها، بل الجميع متساوون في الحقوق والواجبات ولا ميزة لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً﴾، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “ليس منّا مَن دعا إلى عصبيّة، وليس منّا مَن قاتل على عصبيّة، وليس منّا مَن مات على عصبيّة”.