الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع إحدى مقومات وركائز النسيج الاجتماعي، والسعي لتقويتها أصل من أصول ديننا الإسلامي، ومن المؤسف أن يشكّل المجتمع نظرة قاصرة تجاه أفراد طبقة معينة ليتوسّع الشرخ بين أفراد طبقات المجتمع الواحد، ولأهمية الروابط الاجتماعية نسلّط الضوء في هذا التقرير حول العلاقة الاجتماعية التي تربط المعلم بالطالب من مجتمع المهمشين، وكيف أسهمت تلك العلاقة الإيجابية في زرع الأمل في مجتمع يعيش العزلة، ففي صرح المدرسة وحرم الجامعة في محافظة الضالع نجد صورة إيجابية للإدماج الحقيقي في المجتمع. هذه البيئة تُشعِرك بأنك في عالم غير العالم الذي ارتسمت صورته البشعة في مخيلتك منذ الصغر لتجد نفسك أمام مظاهر التعايش الاجتماعي بكل بساطة.
“أساتذتي يفضلونني على بقية طلاب الفصل ويشجعونني أكثر من غيري”
حول هذا الموضوع التقينا بالطالب “أيهم عبده” البالغ من العمر 12عاماً، وهو طالب يدرس في الصف السادس الابتدائي ويحتلّ عادة المركز الأول في كل صفوفه. يقول أيهم: “أنا أحبّ كل أساتذتي، وهم أيضا يحبونني، وتشجيعهم لي ودعمهم المعنوي الخاص لي جعلني أحتل المركز الأول في كل مراحلي الدراسية، ويعود الفضل في ذلك لأساتذتي الكرام”، وحول نظرة المعلمين وعلاقتهم به يقول: “المعلمون كلّهم يعاملونني بأفضل معاملة، ولا يفضّلون أحدا بالصف غيري، ويضربون بي المثل ويذكرون أنى ذكي وأفضل طالب بالمدرسة”.
علاقة المعلم بالطالب المهمش ترجمة فعلية للاندماج الحقيقي في المجتمع
إن لهذه العلاقة أثرا بالغا في نفسية الأطفال المهمشين الذين يعيشون العزلة المجتمعية، وتدفع بهم إلى واجهة الإدماج الحقيقي. محمد هادي طالب جامعي بكلية الضالع سنة رابعة لغة إنجليزية يقول: “حين كنتُ في الجامعة لم أجد التمييز العنصري الذي وجدته بالشارع أو في المجالس، ولولا دعم المعلمين لي طوال دراستي، لما وجدتني اليوم في السنة الرابعة. يعاملني المعلمون مثل غيري، ولو اجتهدتُ في أداء واجباتي أشعر بنفسي أني الأفضل على أقراني، وينظر المعلم للطالب المهمش نظرة التفاؤل والأمل، فوجودنا في المدارس والجامعات لبنة أساسية نحو الاندماج، وهو ترجمة العلاقة التي تربط المعلم بالطالب المهمش في الصرح العلمي”.
“تربطني علاقة بكثير من الطلاب المهمشين وأعطيهم اهتماما خاصا”
الأستاذ “عبده محمد أحمد” عنوان بارز ومنطلق جاد لصنع التحول الاجتماعي في حياة وواقع المهمشين في المجتمع. يقول الأستاذ عبده: “حينما أتحدّث عن علاقتي بالطالب المهمش، أذكر أنها علاقة ذات أهمية بالغة بلا شك؛ لما لهذا الموضوع من أهمية خاصة، فالطالب من مجتمع المهمشين بحاجة ماسة لإعادة الثقة في نفسه أولاً”، ويضيف: “أنا أتعامل مع كثير من الطلاب في مختلف الفصول، وعلاقتي بالطالب من مجتمع المهمشين علاقة خاصة، ليست بصفتي معلما أو مدرسا، بل هي علاقتي به كأب، وأنا حريص كل الحرص على إعطائه جرعات لرفع المعنوية وإعادة برمجة حياته وإخراجه من واقع العزلة المفروضة عليه في البيئة. أعطيه الأولوية في الاهتمام والعناية في هذا الجانب”.
إن التحاق طلاب شريحة المهمّشين في المدارس والجامعات والاندماج مع بقية طلاب المجتمع كفيل بتغيير نظرة المجتمع تجاههم، ويكسر حاجز العزلة المفروضة عليهم بفعل الجهل بواقعهم. إنه رسم للاتجاه الصحيح للصرح العلمي مرتكز الإدماج الحقيقي في المجتمع. إن نظرة المعلم وعلاقته بالطالب المهمّش تشكل نمطاً اجتماعياً إيجابيا، فقد وجدنا كثيرا من الطلاب تغيّرت نظرتهم لأنفسهم، وتعززت فيهم الثقة بأنفسهم. هذا شكّل مساراً إيجابياً صوب الإدماج الحقيقي في المجتمع، وهو ما لمسناه في الضالع ولمسنا تلاشي النظرة الدونية والقاصرة تجاه المهمشين الذين يقطنون الضالع.