قسوة مضاعفة تعانيها مئات الأسر المهمّشة في منطقة “الحبيلين” بمديرية “رَدْفان” شمال محافظة لَحْج جنوب اليمن، في ظل أوضاع إنسانية متدهورة جراء الحرب المستمرة في البلاد، وقد زاد تأثيرها مؤخراً على تدهور سعر العملة الوطنية وارتفاع الأسعار بشكل جنوني.
“أحمد مسعد” (60 عاماً) رجل من ذوي الاحتياجات الخاصة من أبناء الحبيلين، ويعيل خمسة من أفراد أسرته. يقول أحمد: “إن الوضع المعيشي أصبح سيئا للغاية، والدخل المادي اليومي لم يعد يفي باحتياجات أسرتي في أدنى متطلبات العيش، وهو تناول وجبات طعام التي تشبع جوعنا!”، وفي حديث لصوت المهمشين، يذكر أن تكلفة الخبز لكل وجبة طعام لجميع أفراد الأسرة نحو 3,000 ريال يمني (تعادل 2,5 دولار)، ويعلّق قائلا: “وهذا لا يكفينا، وقد قلّصنا الوجبات إلى اثنتين باليوم فقط وإلى واحدة أحيانا، وما زالت التكلفة المعيشية أكبر من قدرتنا على توفيرها”.
ويضيف أحمد: “قبل الحرب، كان كل شيء رخيصا وكنا نأكل ونشرب، وإلى وقت قريب، كانت تأتينا مساعدات نقدية شهرية من برنامج الغذاء العالمي، ونعتمد عليها بالمعيشة رغم أنها لم تكن كافية لتغطية جميع الاحتياجات الأساسية لأسرتنا”، ويقول بخصوص حالته: “إعاقتي الجسدية كانت سببا آخر في مضاعفة وضعي الإنساني وعدم قدرتي على توفير المعيشة لأسرتي”.
أكثر من 500 أسرة مهمشة في الحبيلين
انعكس استمرار الحرب بين أطراف النزاع للعام السابع على التوالي، سلباً على حياة وواقع الأسر المهمشة في منطقة الحبيلين، وهو ما دفع معظمها لامتهان ظاهرة “التسول” من أجل تأمين القوت اليومي لهم، وبعضهم يعمل في صندوق النظافة براتب بقيمة 30 ألف ريال (تعادل 25 دولارا أمريكيا)، وهو مبلغ لا يوفر لهم قيمة كيس دقيق (50 كيلو).
تقطن أكثر من 500 أسرة مهمشة في منطقة الحبيلين، وفقاً لمسح قام به مندوب المهمشين بمديرية ردفان جمال مثنى مطلع 2019، (يُستثنى من هذه الإحصائية الأسر النازحة القادمة من محافظات يمنية أخرى، وقد طرأت تغيّرات على هذه الإحصائية حالياً)، يقول جمال: “إن وضع المهمشين في تجمع الحبيلين مُزرٍ للغاية، وإن ارتفاع الأسعار الجنوني ضاعف من معاناة المئات منهم، في ظل زيادة معدل البطالة وانعدام الغذاء وصعوبة توفيره في هذه الظروف القاسية”.
ويضاف جمال في تصريح لموقع صوت المهمشين أن انعدام الغذاء كارثة تهدد المجتمع بصفة عامة وشريحة المهمشين في بصفة خاصة، فقد وصل سعر كيس الدقيق (50 كيلو) إلى 34 ألف ريال (تعادل 27 دولارا)، ويتساءل قائلا: “فمن أين للأسر المهمشة هذا المال؟!” كما أشار إلى أن معظم الأسر حاليا تعيش من دون مصدر آمن لتوفير القوت اليومي الضروري، عدا قليلا منهم، وهم الذين ضُمّوا ضمن مشروع برنامج الغذاء ويبلغ عددهم (150 أسرة) من بين (500) أسرة يعيشون بدون غذاء.
شبح المجاعة
ويهدد انعدام الغذاء لدى كثير من الأسر المهمشة بمجاعة حقيقية، بالتزامن مع انهيار العملة الوطنية وتدهور الاقتصاد الوطني، وقد انعكس على الارتفاع القياسي لأسعار المواد الغذائية، وهو ما ضاعف من معاناة فئة المهمشين باعتبارهم الشريحة الأكثر هشاشة وهم بحاجة إلى مساعدات عاجلة.
وقال مندوب المهمشين جمال مثنى الرَّدْفاني: “إن غالبية الأسر المهمّشة في الحبيلين تهدد المجاعة وشبح الموت المحقق حياتهم، وهو ما يستدعي تدخلا عاجلا من المنظمات الاغاثية”، لافتا إلى أن معظم الأسر غير قادرة على شراء المستلزمات الضرورية، والمستهلكات اليومية والمواد الغذائية الأساسية، وأن أغلب الأسر المعرضة لهذا التهديد هي الأسر المحرومة من مساعدات الغذاء العالمي، ومشروع الضمان الاجتماعي والنقد الشهري الذي تقدمه بعض المنظمات الاغاثية في المديرية.
ويُعدّ مهمشو “الحبيلين” من ضمن المتضررين من تقلص المساعدات الإنسانية؛ إذ تتجاهل السلطة المحلية ومنظمات الإغاثة الدولية والمحلية غالبية المتضررين من المهمّشين، وهي الفئات الأشد فقراً التي لا تملك أي مصدر للمعيشة.
ووفق تقديرات البنك الدولي، يواجه أكثر من 80% من السكان في اليمن تحديات كبيرة في الحصول على الغذاء ومياه الشرب وخدمات الرعاية الصحية، وفق موجز عن اليمن نشر مطلع أكتوبر 2021.
وتشير التقديرات إلى وفاة حوالي 100 ألف شخص بسبب القتال، و130 ألف شخص بسبب نقص الغذاء والصحة وضعف البنية التحتية؛ من ضمنهم 3 آلاف طفل تقريبا، في حين يلقى 45% من الأطفال حتفهم بسبب سوء التغذية الحادّ، كما تمثل النساء والأطفال 50 % من ضحايا الصراع وانهيار الاقتصاد.
وقد انخفض إجمالي الناتج المحلي بنسبة 50%، بينما يعيش 58% في فقر مدقع مقارنة بـ 19% قبل اندلاع الحرب، وفي الوقت الحالي يحتاج 24 مليون شخص، أي 80% من السكان إلى مساعدات إنسانية ويواجهون تحديات كبيرة في الحصول على الغذاء والرعاية الصحية.
ووفقا لتلك التقديرات الدولية ما يزال 16.2 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي مع عودة ظهور بؤر تسودها ظروف شبيهة بالمجاعة إلى اليمن للمرة الأولى منذ عامين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة: العربي الجديد