عشقَ الفنَّ والغناء والنشيد منذُ الثامنة من عمره، وأتخذه كسلاح يواجه به أساليب العُنصرية والتنمر بحقه والكثيرمن المُهمشين من أبناء جلدته، كانت أول أغنية للفنان حسين جسمي “والله ما يسوى أعيش الدنيا دونك، لا ولا يسوى حياتي بها الوجود”، وأغنية أخرى للفنان يوسف العماني “أنت بحري وأنا اليم، يقولون الي يقولون، أنا في حبك متيم، خلي الحساد يموتون”. هكذا بدأ حديثه معنا، متذكراً أيام الطفولة من خلال الأغنيتين اللتين اكشف من خلالها موهبته في الغناء.
الشاب الأسمر علوي أحمد حساني (19 عاما) يعيشُ وسط أسرة فقيرة مهمشة اجتماعياً في حي الضربة بمحافظة تعز جنوب اليمن. موهبة متميزة في الغناء والفن بكل أنواعه. يقول علوي: “التحقت بالمدرسة وأنا في سن الثامنة، وفي الصف الثالث الابتدائي اشتركت في فرقة الإنشاد في المدرسة، وكان صوتي متميزا، فشجعتني الأستاذة (ف. س. م)، وذات يوم جمعت المدرسين والمدرسات لسماع صوتي المتميز عن بقية زملائي. ظللتُ في فرقة الإنشاد حتى الصف الخامس، وعندما انفجرت الحرب في عام 2015، توقفت عن التعليم، وذهبتُ للعمل في شركة النفط في مجال البيئة لمساعدة والدي ودعم أسرتي المكونة من أربعة أخوان وأبي الغالي وأمي الفاضلة، وذلك بعد أن أمطرت القذائفُ مدرستي من كل حدب وصوب، وعمّت روائح الباروت المدينة. أتذكر زميلي “محمود” في العمل كان يستمع لي كثيرا ويشجعني، فرأيت أن أستمر في الغناء حتى النهاية”.
بداية المشوار الفني ودور والداي
يقول علوي “استدعتني مؤسسة “فن” التي يديرها مجموعة من رواد الفن والإنشاد في تعز، وتدرّبت في مجال المقامات الصوتية وشاركت في المسابقة التي نظمتها المؤسسة في عام 2018 في مديريات مدينة تعز الثلاث (صالة، المظفر، القاهرة) لعدد 12 شابا وشابة بالتساوي من المهمشين لمدة أسبوعين، وحصلتُ على المركز الأول، وكانت هذه المسابقة باكورة انطلاقي لعالم الفن”.
ويضيف”شجعني والدي منذُ البداية على صقل موهبتي، ودعمني بما أحتاجه، وكذلك أمي الغالية، فقد كانت تختار لي أفضل الأغاني المرغوبة عند الجماهير لكي أتمرس بالغناء وأصبح فنانا”.
أحلم أن أكون فنانا كبيرا
أخذ نفسا عميقا ونظر إلى عيني نظرة المتطلع إلى مستقبل مشرق قائلا: “أحلم أن أكون فنانا كبيرا لكي أغني للوطن وكل فئاته الاجتماعية من دون تمييز حتى نعلّمَ المجتمع كيف يتعاملون معنا، ويعرفوا أن هناك شبابا وشابات مبدعين رغم الظروف التي نعيشها. نحن فئة نعاني الحرمان والتهميش في الحقوق والحريات والمواهب أيضاً”، ويضيف: “بالإمكان تشكيل فريق فني متنوّع من الجنسين شبابا وشابات في حالة توفرت الأدوات الفنية اللازمة من أورج وصوتيات وجيتار”.
مشاركاتي
وعن مشاركاته يسترسل بالحديث قائلا: شعرتُ بالفخر والاعتزاز لمشاركتي في حفل تخرج دفعة عام 2019 في جامعة تعز لطلاب وطالبات المهمشين. وقدمت أداء جميلا مع مجموعة من الشباب والشابات المبدعين. يجب أن يدعم بعضنا بعضا ماديا ومعنويا لنعتمد على أنفسنا ونوصل رسالتنا للعالم أجمع بمختلف الوسائل؛ فالغناء والمسرح من أهم الوسائل للتعبير عن المعاناة”.
يتحدث الشاب الأسمر بحرقة عن قضايا هامة مرتبطة بأهمية الاندماج في المجتمع وتحدي كل الصعاب والمعوقات التي يواجهونها، وينهي حكايته بقوله: “كن أنيقا في صوتك وهندامك، يحترمك من يحيط بك؛ لأنه لا يستطيع أن يصطاد نقاط ضعفك، وأنا أحلم أن أكون فنانا كبيرا ومعلما للفن”.
شاب متعدد المواهب
يقول والد علوي “لدى الولد علوي موهبة في الغناء والأناشيد، وقد شارك في مناسبات عديدة، اكتشفت موهبته وهو في سن التاسعة. كنت أسمعه يغني بروح فنان أصيل، وهو ما دفعني لتشجيعه لصقل موهبته. للأسف أبناؤنا لا يحصلون على أي دعم، وبسبب النظرة الدونية والتمييز يبقون يغنون وسط أحيائهم، ولكن لو كان من غير السمر سيتم دعمهم حتى يوصلوهم إلى المشاركة في (أرب أيدل). لم نمتلك الواسطة لكي نصل إلى مكاتب الثقافة ووزارة الثقافة للحصول على الدعم”.
يمارس علوي رياضة الجودو، وقد التحق بها في 2014، وتأهل للعب ضمن منتخب تعز، وأبدع فيها بشكل متميز. بالإضافة إلى أنه صاحب يد ذهبية في الرسم والخط، رغم أنه لم يتمكن من إكمال تعليمه بسبب الظروف المعيشية ودخول البلد في حرب دفنت كل المواهب، وأظهرت أصوات البنادق ونشرت روائح الباروت في كل أزقة المدينة.
إبداع وتميز فريد وطموح لمستقبل واعد ليكون واحدا ممن يحملون رسالة فنية يعبرون من خلالها على قضية المهمشين في اليمن.