صوت المهمشين،مأرب
يعيش النازحون من المهمشين في مأرب أوضاعًا قاسية للغاية بسبب تأخر نزول خطة الاستجابة من المنظمات للعام 2024. يعتمد هؤلاء بشكل كبير على المساعدات الإغاثية، مما يجعل تأخيرها بمثابة كارثة عليهم، وبين ثنايا مخيمات مأرب، تُنسج حكاياتٌ من الألم والصبر، حكايات المهمشين الذين قسا عليهم الزمن، وخذلتهم المنظمات، صيفٌ قادمٌ، ووعودٌ لم تتحقق، وصرخةٌ تصرخ من أعماقهم: “إلى متى سنبقى وحيدين؟” من مخيماتهم، ينطلق صوتُ النازحين و أسرهم ، تُصارعُ شبحَ الجوعِ كلّ يومٍ.
تُشيرُ إحصائيةٌ صادرةٌ عن اتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقراً (المهمشين) في مأرب إلى أنّ عددَ المهمشين النازحين في المدينةِ يبلغُ 25 ألف شخصٍ موزّعين على 250 تجمعًا سكانيًا في الجفينة ومخيم الحامي الذي يضمّ 50 تجمعًا سكانيًا.
يُعَدّ هذا التوزيعُ مؤشرًا هامًا على حجمِ التحدّياتِ التي تواجهُ هذه الفئةَ من المجتمعِ، خاصةً في ظلّ الظروفِ الإنسانيةِ الصعبةِ التي تشهدها اليمنُ.
حكاية شوعيه: صرخةٌ من مخيم الحامي
تحت خيمةٍ رثةٍ في مخيم الحامي، تعيشُ شوعيه، أرملةٌ وأمٌ لستةِ أطفالٍ، حكايةً من الألمِ والمعاناةِ، تُصارعُ شوعيه شبحَ الجوعِ كلّ يومٍ، فهي تعتمدُ على المساعداتِ الغذائيةِ التي تقدّمها المنظماتُ ،ولكنّ هذهِ المساعداتُ لا تكفي، كما تقولُ شوعيه بِحُرقةٍ:
“ما توزعهُ المنظماتُ من مساعداتٍ غذائيةٍ لا يُغطّي سوى جزءٍ بسيطٍ من احتياجاتنا، حتّى بعد تقليصِ حجمها وتأخيرِها المعتاد.”
وتُضيفُ شوعيةُ بِصوتٍ مُتهدّجٍ: “أحتاجُ إلى زيادةٍ في المساعداتِ الغذائيةِ لكي أتمكنَ من توفيرِ حياةٍ كريمةٍ لأطفالي دونَ اضطرارهم للتسولِ في الأسواقِ.”
ولكنّ صرخةَ شوعيةِ لم تجدْ آذانًا صاغيةً، فالمسؤولونَ صامتونَ عن تقصيرِ المنظماتِ وتركِهم للمهمشينَ دونَ حسيبٍ أو رقيبٍ.
تُنهي شوعيةُ حديثها بِألمٍ: “كلّ ما يحصلُ لنا بسببِ تأخيرِ صرفِ المساعداتِ والمعوناتِ، فإلى متى سنبقى وحيدينَ في مواجهةِ هذهِ المعاناةِ؟”
حكايةُ شوعيةِ هي حكايةُ آلافِ المهمشينَ في مأرب، حكايةٌ تُطالبُ بِالعيشِ الكريمِ، حكايةٌ تُناشدُ الضمائرَ الحيّةَ لإنقاذِهم من الجحيمِ.
شبحٌ يُحاصرُ المهمشينَ
على هامشِ مُخيمات النازحين في مأربَ، يُنسجُ خيطُ مأساةٍ جديدةٍ، مأساةُ المهمشينَ الذين يُواجهونَ مصيرًا مُظلمًا بفعلِ تأخرِ نزولِ خطةِ الاستجابةِ الطارئةِ وانعدامِ الرعايةِ الصحيةِ في مخيماتِهم.
محمدُ نصرُ، نازحٌ في مخيمِ الحامي، يُجسّدُ فصولَ هذهِ المأساةِ بلسانِهِ المُتعبِ: “نزحتُ من الحديدةِ باحثًا عن الأمانِ، لكنّ شبحَ الموتِ يلاحقُني في كلّ مكانٍ، فإبني ماتَ بسببِ سوءِ التغذيةِ، وعدمِ توفرِ الرعايةِ الصحيةِ في المخيمِ.”
يُضيفُ محمدُ بنبرةٍ مُفعمةٍ بالألمِ: “وجودُ مراكزَ صحيةٍ قريبةٍ لا يُغني عن نقصِ الأجهزةِ والأقسامِ المُتخصصةِ، فلو كان هناك مركزٌ متطورٌ في المخيمِ، لكان ابني حيًّا اليوم.”
إنّ تأخرَ نزولِ خطةِ الاستجابةِ الطارئةِ وانعدامَ الرعايةِ الصحيةِ يُشكلانِ تهديدًا حقيقيًا لحياةِ المهمشينَ في مأربَ، ويُضاعفانِ من معاناتِهم.
تواجه محافظةُ مأربُ اليمنيةُ أزمةً إنسانيةً متفاقمةً بسببِ تأخرِ نزولِ خطةِ الاستجابةِ للعامِ 2024، وذلكَ على خلفيةِ نقصِ التمويلِ على المستوى العالميّ.
هاجسٌ الصيف يُخيّمُ على مخيمِ الجفينة: نقصُ الدعمِ يُهدّدُ استقرارَ المهمّشين
مع إقبالِ فصلِ الصيف ومواسم الامطار، تزدادُ مخاوفُ قاطني مخيمِ الجفينة من نقصِ الدعمِ في مجالِ الإيواءِ، خاصةً مع ازديادِ صعوبةِ الظروفِ المعيشيةِ جرّاءِ الحربِ التي تسبّبتْ في انهيارِ الاقتصادِ.
يُعبّرُ عمرُ أحمد، أحدُ نازحي مخيمِ الجفينة، عن مخاوفِهِ قائلاً: “تُقدّمُ المنظماتُ الدعمَ للمخيمِ بشكلٍ أساسيٍّ من خلالِ الموادِ المنظّفةِ، بينما نحتاجُ بشكلٍ مُلحٍّ إلى خزّاناتٍ للمياهِ تُغنينا عن عناءِ نقلِها بالجالوناتِ من أماكنَ بعيدةٍ”.
ويُضيفُ عمرُ: “يُقدّمُ بعضُ الجهاتِ برامجَ توعويةً، بينما نحتاجُ بشكلٍ أساسيٍّ إلى الخيامِ والغذاءِ لتأمينِ احتياجاتِنا الأساسيةِ للعيشِ” ويُقدّرُ عمرُ الدعمَ الذي تقدّمهُ المنظماتُ الإنسانيةُ بِأنهِ ضئيلٌ للغايةِ، ولا يُلبي احتياجاتِهمْ بشكلٍ فعّالٍ، ويُؤكّدُ على ضرورةِ تقديمِ مساعدةٍ حقيقيةٍ تبدأُ من استبدالِ الخيامِ المهترئةِ بمنازلَ أكثرَ مقاومةً لتقلباتِ الطقسِ.
وتُفاقمُ غيابُ الوحدةِ الصحيةِ في المخيمِ من صعوبةِ الظروفِ، حيثُ يُضطرّ الأهاليُ إلى ملازمةِ المخيمِ في حالِ مرضِ أحدِ أطفالِهمْ، لعدمِ وجودِ إمكانياتٍ لِعلاجِهمْ أو نقلِهمْ إلى مستشفياتٍ بعيدةٍ.
ويُناشدُ عمرُ، باسمِ قاطني مخيمِ الجفينة، جميعَ الجهاتِ المعنيةِ بتقديمِ الدعمِ اللازمِ لهمْ، لِتخفيفِ معاناتِهمْ وتحسينِ ظروفِهمْ المعيشيةِ، خاصةً مع اقترابِ فصلِ الشتاءِ الذي يُهدّدُ استقرارَهمْ وسلامتَهمْ.
يُؤكّدُ محمدُ السعيدي، مديرُ إدارةِ المخيماتِ بالوحدةِ التنفيذيةِ، أنّ مدينةَ مأربَ تُعاني من أكبرِ موجةِ نزوحٍ في اليمنِ، حيثُ تُؤوي أكثرَ من 3 ملايين نازحٍ يفتقرونَ إلى المعوناتِ الغذائيةِ الأساسيةِ.
يُشيرُ السعيدي إلى أنّ المحافظةَ تتعرضُ بشكلٍ متكرّرٍ لكوارثِ السيولِ والأمطارِ، ممّا يُفاقمُ من أوضاعِ النازحينَ في المخيماتِ، ويُعرّضُ حياتهمْ للخطرِ.
يُؤكّدُ السعيدي على أنّ جميعَ النازحينَ في مأربَ يتلقّونَ المعاملةَ نفسها دونَ تمييزٍ، وأنّ جميعَ المشاريعِ والخدماتِ تُقدّمُ لهمْ على قدمِ المساواةِ.
يُشيرُ السعيدي إلى أنّ مخيمَ الجفينةِ يُؤوي أكثرَ من 15 ألفَ أسرةٍ، وأنّ أعدادَ النازحينَ في تزايدٍ مستمرٍّ بسببِ ارتفاعِ الإيجاراتِ في المناطقِ الحضريةِ.
يُؤكّدُ السعيدي على أنّ تأخرَ نزولِ خطةِ الاستجابةِ للعامِ 2024 لهُ تداعياتٌ إنسانيةٌ كارثيةٌ على حياةِ النازحينَ في مأربَ، وأنّهُ من المُلحٍّ الإسراعُ في توفيرِ التمويلِ اللازمِ لإنقاذِ حياتهمْ.
يُختتمُ السعيدي بِدعوةٍ مُلحّةٍ للمجتمعِ الدوليّ وللمنظماتِ الإنسانيةِ إلى التدخّلِ العاجلِ لإنقاذِ أرواحِ النازحينَ في مأربَ، وتخفيفِ معاناتهمْ.
محمد البليلي، رئيس فرع الاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقراً (المهمشين) في مأرب، أكدَ على أن تأخر نزول خطة الاستجابة للعام 2024 يُشكل عبئًا إضافيًا على الفئات المهمشة، كونهم يفتقرون إلى الوظائف أو المناصب الرسمية، ويعتمدون بشكلٍ أساسي على المساعدات الإغاثية.
وأشار البليلي إلى أن استهداف هذه الفئات بشكلٍ حقيقي وصادق من خلال تخصيص مشاريع خاصة بهم في خطة الاستجابة القادمة، سيساهم بشكلٍ كبير في التخفيف من معاناتهم وتحسين أوضاعهم المعيشية.
وتُعدّ هذه التأكيدات إضاءةً هامة على التأثير المُضاعف لتأخر خطة الاستجابة على الفئات المهمشة، مما يُوجب ضرورة اتخاذ إجراءاتٍ عاجلة لتلبية احتياجاتهم الأساسية وضمان حصولهم على المساعدات الإنسانية اللازمة.
وتُشير الدراسات والأبحاث إلى أن الفئات المهمشة تُعدّ أكثر عرضةً للتأثر بالأزمات الإنسانية، حيث تُعاني من نقصٍ في الموارد والخدمات الأساسية، مما يُفاقم من أوضاعهم المعيشية ويُعرضهم لخطر الجوع والمرض.
لذلك، فإن استهداف هذه الفئات بشكلٍ خاص في خطط الاستجابة الإنسانية أمرٌ ضروريّ لضمان عدم تفاقم أوضاعهم المعيشية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
“اغتيالُ أحلامِ المهمشينَ في مهدها أمرٌ معتادٌ، والتهميشُ الذي يتعرضُ لهُ هؤلاءِ يُعدّ ظلمًا فادحًا.”
حنانُ النوبي، رئيسةٍ مؤسسةِ رنينِ المستقبلِ، تُطلقُ صرخةً مدويةً من قلبِ المعاناةِ: تقول “اغتيالُ أحلامِ المهمشينَ في مهدها أمرٌ معتادٌ، والتهميشُ الذي يتعرضُ لهُ هؤلاءِ يُعدّ ظلمًا فادحًا.”
تُضيفُ النوبي، وهي أولُ امرأةٍ من المهمشينَ تديرُ منظمةً إنسانيةً في مأربَ: “فئةُ المهمشينَ تعاني من نقصٍ كبيرٍ في الدعمِ والتمويلِ من الجهاتِ والمنظماتِ، سواءً كانَ ذلكَ بالمساعداتِ الغذائيةِ أو المنحِ.”
وتُؤكّدُ النوبي على أنّ مؤسسةَ رنينِ المستقبلِ، التي تختصّ بدعمِ المهمشينَ، لم تُمنحْ أيّ صلاحيةٍ رسميةٍ، وأنّ كلّ ما تقدمهُ للمهمشينَ في المخيماتِ هو بجهودٍ شخصيةٍ.
وتُناشدُ النوبي المنظماتِ الدوليةَ بالإسراعِ في إنزالِ خطةِ الاستجابةِ للعامِ 2024، ودعمِ المهمشينَ بكافةِ الجوانبِ، وتمكينِ المؤسساتِ التي تُدعمُهمْ، وتختتمُ النوبي حديثَها بِقولِها: “نحنُ بحاجةٍ إلى دعمٍ حقيقيٍّ يُنقذُنا من هذا الجحيمِ.”
وتُمثّلُ صرخةُ حنانِ النوبي صرخةَ المهمشينَ في مأربَ، صرخةً تُطالبُ بِالعدالةِ والإنصافِ، صرخةً تُناشدُ العالمَ بِأنْ يُنقذَهمْ من براثنِ الموتِ والتهميشِ.
لى الرغم من صرخاتهم المتكررة، لم تصل معاناة المهمشين في مخيمات مأرب إلى مسامع المعنيين ، فبين ضنك العيش وعجزهم عن توفير لقمة العيش وشراء علاج لأمراضهم المزمنة، يرزح المهمشون تحت وطأة واقعٍ صعبٍ لا يرحم.
يُعاني سعيد فتيني، نازحٌ في مخيمِ الحامي، من عشوائيةِ الخدماتِ الصحيةِ وغلاءِ أسعارِ الأدويةِ، مما يجعله عاجزًا عن توفيرِ العلاجِ اللازمِ لمرضِهِ المزمنِ.
يُشاركُ سعيدُ صرختهُ معَ “صوتِ المهمشينَ”، مُحذّرًا منَ مخاطرِ التهميشِ الذي يُهدّدُ حياتَهُ وحياةَ الكثيرينَ منْ أمثالِهِ، يُؤكّدُ سعيدُ على الحاجةِ الماسةِ إلى مشاريعَ تُخفّفُ منْ معاناةِ المهمشينَ وتُوفّرُ لهمْ حياةً كريمةً.
إنّ صرخةَ سعيدٍ هي صرخةُ آلافِ المهمشينَ في مخيماتِ مأرب، الذينَ يُناشدونَ المنظماتِ والمسؤولينَ لمدّ يدِ العونِ لهمْ قبلَ فواتِ الأوانِ.
لا يمكنُ تجاهلَ معاناةِ المهمشينَ، فواجبُنا الإنسانيّ يقتضي تقديمَ الدعمِ والمساعدةِ لهمْ، لكيْ يتمكنوا منْ العيشِ بكرامةٍ وسلامٍ.
أرقامٌ تُنذرُ بكارثةٍ إنسانيةٍ
في شهر فبراير الماضي، صرّح بيتر هوكينز، المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية بالإنابة، في بيان صحفي، أنّ خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2024 في اليمن تتطلب مبلغ 2.7 مليار دولار أمريكي لتوفير المساعدات المنقذة للأرواح وخدمات الحماية. كما أشار إلى أنّ صندوق الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بحاجةٍ إلى 1.3 مليار دولار أمريكي لتقديم الدعم للملايين من اليمنيين من خلال برامج التنمية المستدامة.
بعد أكثر من تسع سنوات من الصراع، لا يزال 18.2 مليون شخص في اليمن بحاجةٍ إلى الدعم. وتشير التقديرات إلى أنّ 17.6 مليون شخص سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2024، هذه الأرقام تُنذرُ بكارثةٍ إنسانيةٍ مُحتملةٍ في اليمن. فمع تزايد الاحتياجات الإنسانية، ونقص التمويل، يزداد خطر تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.
يُؤكّدُ السيد هوكينز على أهميةِ تضافر الجهودِ الدوليةِ لتقديمِ الدعمِ اللازمِ لليمن. فالمساعداتُ الإنسانيةُ ضروريةٌ لإنقاذِ الأرواحِ، وتخفيفِ المعاناةِ، ومنعِ تفاقمِ الأزمةِ الإنسانيةِ.
هذا النداءُ العاجلُ يُلقي الضوءَ على خطورةِ الوضعِ في مارب. فالمجتمعُ الدوليُ مسؤولٌ عن حشدِ الدعمِ اللازمِ لإنقاذِ الشعبِ اليمنيّ من هذهِ الكارثةِ الإنسانيةِ.
إنّ إنقاذ حياة المهمشين مسؤوليةٌ إنسانيةٌ مشتركةٌ، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تضافر الجهود وتعاون جميع الأطراف المعنية، والعمل السريع لإنقاذ المهمشين من براثن الفقر والجوع والمرض، قبل أن تُصبح معاناتهم كارثة إنسانية لا يمكن تداركها.