يعيش المهمشون على هامش الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في اليمن، وهو الأمر الذي دفعهم إلى الانزواء والعيش في تجمعات بشرية شبه منعزلة، نتيجة ما يتعرضون له من انتهاكات بصور متعددة. ويعيش أغلبهم في تجمعات عشوائية تُبنى من الأكواخ المبنية من القش أو الصفيح أو غيرها من المواد الرخيصة. وقد يمتلكون بيوت من البلوك، ولكن بتصاميم ومقتنيات رخيصة. يبني أغلبهم ما يشبه العُشاشٌ التي لا تنقذهم من برد ولا تحميهم من حر، في هذا التقرير نُسلط الوضع الحقوقي لما يتعرض له المهمشون من أصناف من الانتهاكات من قبل السلطات والنافذين في محافظة عدن جنوب اليمن.
“براءةٌ مُهدّدة: طفولةٌ تُسلبٌ في قبضة الظلم
في يونيو الماضي، تعرض الطفلان الشقيقان (وائل ومحمد) – أسماء مستعارة – للاعتداء بالضرب من قبل ضابط في قسم شرطة الشيخ عثمان بعد اتهامهما بسرقة منزلة واحتجازهم مع والداهم لمدة شهرين في سجن القسم، دون اتخاذ أي إجراءات قانونية ضدهما. مدعيًا أن الطفلان الذين لم يتجاوزا العشر سنوات، قاما بسرقة منزلة ومن ثم بيع المسروق. ولم تنتهي القصة بعد، بل تم المقايضة على الإفراج عنهم مقابل دفع مبلغ مالي، بعدما تم إجبار الأطفال على الاعتراف بالسرقة كرهاً.
أما جميلة – اسم مستعار – هي الأخرى أحدى ضحايا الانتهاكات التي يتعرضون لها ذوي البشرة السمراء, في شهر مارس, تعرضت لعملية اغتصاب من شاب من غير المهمشين, وبحسب مصدر حقوقي, أفاد بأن الطفلة كانت تعاني من حالة نفسية وتم معالجتها من قبل أسرتها منذ الصغر, ولكن لم تنجو هي الأخرى من الانتهاك الجسدي الذي بدأ بخداعها تحت مسمى الحب ومن ثم أخفاها عن أنظار أسرتها لينتهي بها الحال تحت مسمى ” الاغتصاب”
وتروي والدتها لصوت المهمشين تفاصيل قصة أبنتها البالغة من العمر 16 عاما: خرجت من منزلنا الكائن في مديرية الشيخ عثمان – بمحافظة عدن لرمي القمامة في البرميل القريب من مكان سكنها، ولكنها لم تعد إلى المنزل حينها قمنا بمساعدة الجيران بالبحث عنها والابلاغ عن فقدانها.
وتكمل “أم الضحية” قصتها: حينها تذكرت الشاب الذي كان يحوم بجانب ابنتي وهو شاب ثلاثيني، اتضح فيما بعد أنه هو من قام بإخفائها. وبعد البحث والتحري، تم التوصل إلى أن الفتاة متواجدة في مديرية خور مكسر وأن المدعو “ع، ص” هو من قام بإخفائها مستغلًا بذلك الحالة العقلية للفتاة لكونها تعاني من أثر حادثة سابقة في الرأس أثرت على عقلها. حينها ذهب الأب برفقة أفراد من قسم شرطة البساتين لإحضارها والقبض عليه ومن ثم تم التحفظ على الطفلة واحتجازها في قسم الشرطة. وحينما علمت الأم بذلك، ذهبت مسرعة إلى ابنتها. وقد طلب ضابط البحث من أم الضحية مبلغًا من المال لفحص ماريا عقليًا وجسديًا. بعد ذلك، تم اصطحابها إلى مستشفى الصداقة من قبل الضابط برفقة والدتها لإجراء فحص عذرية لها، ولكن رفض الضابط مرافقة الأم لابنتها عند إجراء الفحص.
وطلبوا حضور ابنتي للتوقيع على التنازل، ومن ثم قاموا بإطلاق سراح والدها واحتجازها وإحالتها إلى سجن البحث الجنائي ورفع ملف جنائي لها إلى نيابة دار سعد بتهمة الزنا، حيث قام أفراد شرطة البساتين طيلة هذه الفترة بالتلاعب بالقضية وبالتواطؤ مع الجاني، وقامت نيابة دار سعد بالتحقيق معها وإجبارها على الاعتراف على نفسها بارتكاب واقعة الزنا تحت الضغط النفسي عليها.
وتؤكد أنهم عرضوا علينا التنازل عن القضية مقابل تزويجها الجنان والذي أثبت القضاء عليه سوابق جنائية باستغلال ثلاث فتيات ، من ثم تم الحكم على ابنتي من قبل المحكمة بارتكاب واقعة الزنا بموجب ذلك الاعتراف ودون التأكد من عمرها حيث أنها تبلغ من العمر 16 عامًا ودون التأكد من حالتها النفسية والعقلية.
ظلمٌ مُؤسسٌ يُزهقُ أرواحَ المهمشين
في شهر سبتمبر الماضي ، أقدم الجندي “ج، ح” على قتل المواطن “ي، ر” رمياً بالرصاص، بحي كود العثماني مديرية الشيخ عثمان – بمحافظة عدن، والذي يعمل في شرطة القاهرة مديرية الشيخ عثمان مدعيا وجود خلافات مع المجني عليه انتهت بقتله دون العودة للقضاء، فقد أعطى لنفسه الحق بإصدار الحكم الذي كان قتله متعمداً.
يقول – نعمان الحذيفي – رئيس المجلس الوطني للأقليات في اليمن ” لا شك أن المواطنون المهمشين يمثلون الحلقة الأضعف في المجتمع اليمني الي جانب ما يتعرضون له من تنمر ونظرة عنصرية وحرمان لأبسط مقومات الحياة الكريمة بل أنهم يتعرضون لشتى أصناف الانتهاكات من الاغتصاب والتهجير القسري من مساكنهم والاعتداء الجسدي حتى ينتهي بهم الحال لاستباحة دمائهم, ناهيك عن تدهور أوضاعهم بسبب الحرب والتي دفعت بالكثير منهم للنزوح والعيش في المخيمات بعدد من المناطق الريفية بعموم المحافظات, مضيفاً و يعيش معظمهم أوضاع إنسانية بالغة الخطورة والتعقيد في ظل قصور واضح للسلطات الحكومية والمنظمات الدولية العاملة في مجال العمل الإنساني والإغاثي في اليمن”.
اعتقالاتٌ تعسفيةٌ بلا رادع
في يوليو لعام 2023م تعرض المواطن المُهمش عبدالله – اسم مستعار – للاعتقال من قبل أفراد قسم شرطة دار سعد على خلفية اتهامه من قبل رب العمل الذي يعمل لديه غير المهمش بسرقة مسدسة، دون تقديم أي أدلة تثبت ادعاءه، وقبض عليه بعدما طلب منه المُدعي الذهاب معه لأخذ شهادته أمام رئيس القسم، ولكنه تفاجأ بالقبض عليه واحتجازه بعد التحقيق معه.
يقول عبدالله: “تعرضت للتعذيب والضغط للاعتراف بواقعة السرقة ومن ثم تم مداهمة منزلي مرتين من قبل الشرطة للبحث عن المسدس المسروق إلا أنهم لم يجدوا شيئًا، وبعدما ذهبت آثار التعذيب من جسدي بشهرين تم عرضي على النيابة العامة ثم إلى المحكمة.”
ويرى الأمين العام للاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقراً صلاح دبوان، أن المهمشين في عدن يتم التعامل معهم بكافة أشكال التمييز العنصري. فمن ناحية التعامل مع الجهات الحكومية والأمنية والقضائية تسودها التمييز السلبي، ومن جانب التعامل والعمل الإنساني وكذلك الإغاثي من المنظمات الإنسانية والعاملين فيها لا يراعون حق الكرامة.
كما تقول الناشطة وفاء صالح “من المؤسف حقا أن نرى تلك المعاملة الغير إنسانية يتم التعامل بها مع فئة أصحاب البشرة السوداء في هذا العمر ودون تدخل واضح وصارم من قبل الحكومة لتحمي الفئة الأشد فقرا, أصبحنا نرى الانتهاكات في تزايد وبشكل علني”
كرامةٌ مُهانةٌ وأعراض مُستباحة وروحٌ مُكسورة
في يوليو 2022، تم مداهمة منزلنا بمحافظة عدن، بمنتصف الليل ونحن نائمون وفي ملابس نومنا، أعراضنا لم تسلم منهم. هكذا بدأت حديثها أم صالح، أثناء سردها لنا قصتها، لتقول “كنا نائمين في منزلنا البسيط وتفاجئنا باقتحام المنزل من قوة أمنية وأخذ زوجي البالغ من العمر خمسون عامًا وبرفقته أبنائي إحداهما 25 والأخر 15 عامًا، وبعد رحلة بحث استمرت أيام، تمكنت من معرفة مكان تواجدهم، ذهبت مسرعة لرؤيتهم ولكنني وجدت أبنائي دون أباهم، حيث قاموا بضرب أبنائي وأخذ زوجي لمعسكر اللواء الخامس بمحافظة لحج، والسبب هو اشتباههم بالسيارة التي يمتلكها زوجي ليعمل بها.” في يوليو 2022، تم مداهمة منزلنا بمحافظة عدن، بمنتصف الليل ونحن نائمون وفي ملابس نومنا، أعراضنا لم تسلم منهم. هكذا بدأت حديثها أم صالح، أثناء سردها لنا قصتها، لتقول “كنا نائمين في منزلنا البسيط وتفاجئنا باقتحام المنزل من قوة أمنية وأخذ زوجي البالغ من العمر خمسون عامًا وبرفقته أبنائي إحداهما 25 والأخر 15 عامًا، وبعد رحلة بحث استمرت أيام، تمكنت من معرفة مكان تواجدهم، ذهبت مسرعة لرؤيتهم، ولكنني وجدت أبنائي دون أباهم، حيث قاموا بضرب أبنائي وأخذ زوجي لمعسكر اللواء الخامس بمحافظة لحج، والسبب هو اشتباههم بالسيارة التي يمتلكها زوجي ليعمل بها.”
لا تزال معاناة المهمشين في عدن تُلقي بظلالها على واقعهم المُعاش، وتُشكل وصمة عارٍ على جبين المجتمع والسلطات. فبينما يعيشون على هامش الحياة، يواجهون انتهاكاتٍ تُهدد كرامتهم الإنسانية وتُقوض حقوقهم الأساسية.
إنّ تواطؤ السلطات مع هذه الانتهاكات يُضاعف من وطأة الظلم على هذه الفئة المهمشة، ويُغذي شعورهم باليأس والإقصاء، ولن تُجدي أيّ حلولٍ جزئيةٍ أو مؤقتةٍ في معالجة هذه المشكلة المُزمنة، بل يتطلب الأمر نهجاً شاملاً يرتكز على دور السلطات في حمايتهم وأن تُسارع إلى إنصافهم ودمجهم في المجتمع كأعضاء فاعلين.