يتردّد “جميل م. ن.” على عيادات النساء والتوليد والمستشفيات لعلاج العقم منذ ست سنوات، باحثا عن علاج ناجع لزوجته التي تعاني من حالات إجهاض جنينها لثلاث مرات متتالية. وبعد تشخيص دقيق لحالة زوجة جميل، اكتشف الأطباء سبب إجهاضها المتكرر، مما دفع الأطباء بتوجيه النصح والإرشاد لها بالتوقف عن تناول القات بشكل مفرط، وحفاظا أيضا على صحتها الجسدية والنفسية أيضا، بحسب قول جميل لصوت المهمشين. بجانب خسارتها لجنينها، شخّص الأطباء إصابة الزوجة بنقص الوزن، وأنها تعاني من فقر الدم، وكل هذه الأمراض سببها الرئيسي القات.
تُشير دراسة أجرتها منظمة “يمن بلا قات” إلى تزايد أعداد النساء اللاتي يتعاطين القات في الآونة الأخيرة؛ إذ انتشرت الظاهرة بين اليافعات والشابات بشكل كبير، بينما كانت مقتصرة في السابق على النساء من كبار السن.
مبررات واهية لتناول القات
تذكر سوسن علي (اسم مستعار) ذات الثلاثين عاما أن ما دفعها لتناول القات هو شعورها بالوحدة، وتقول: “حاولتُ عدة مرات أن أتجنب جلسات القات، ولكنني لحظت أني أصبحت أتغيّب عن كثير من اللقاءات مع صديقاتي؛ لأن أغلب صديقاتي مخزّنات. أحسستُ بالعزلة، وكنت أقضي معظم أوقاتي وحيدة في البيت”.
فيما ترى ربة البيت عبير (33 عاما) أن حضور جلسات القات يعدّ تسلية ومتعة في الوقت نفسه، “أين يمكن أن يذهب الإنسان في هذه البلاد، لا منتزهات ولا حدائق مثل البلدان الأخرى، وأين يقضي الواحد وقته فيها؟! وحتى لو وجدت هذه المنتزهات، فإن العادات والتقاليد الاجتماعية تتعارض مع خروج البنت للتنزه، بالإضافة إلى مضايقات الشباب، وعدم وجود رقابة لتنظيم هذه الأماكن”.
أما تيسير، فلديها مبرر آخر، تقول: “أنا أعاني من السمنة، والقات أحدث لي مفعولا كبيرا في إنقاص وزني، وكان أثره أكثر من الأدوية التي استخدمتها بدون فائدة، فقد نقص وزني أكثر من عشرين كيلوغراما في سنة واحدة”.
ورفضت الاختصاصية الاجتماعية بدور المأخذي ما ذهبت إليه النساء من مبررات تدفعهن إلى تناول القات قائلة: “إن من يخلق مبررات لتعاطي القات هم الذين لديهم رغبة في تعاطيه، إما الذي لديه قناعة، فيستطيع أن يشغل وقته بكثير من الأشياء المفيدة، كالقراءة وممارسة الرياضة ومشاهدة التلفاز وغيرها من الأعمال المفيدة”.
ووصفت مبرراتهم بالواهية قائلة: “أنا على ثقة أن كل الحجج التي ذُكرت سابقاً واهية للغاية، والدليل أن هناك شابات جامعيات يتعاطين القات لكي يذاكرن حسب قولهن، يعني هن مشغولات ولديهن جامعة، فيتعاطين بحجة التركيز والنشاط للمذاكرة، فيما نجد شابات لا يتعاطين القات ومستواهن العلمي وتحصيلهن أفضل بكثير من اللاتي يتعاطين القات”.
أضرار صحية جمة
رغم المعرفة بالأضرار الصحية والنفسية التي يسببها القات، تستمر كثير من الشابات في تناول القات، وتقول الدكتورة عليّة شعيب طبيبة نساء وولادة: “إن تناول القات له أضرار عدّة على النساء، وخصوصا الحوامل منهن، فالقات يقوم بشكل مباشر بتنبيه الجهاز العصبي المركزي، ويؤثر على وزن الأم وفقدان الشهية”، وتضيف: “يؤثر القات على المشيمة، فيؤدّي إلى إضعافها ويتسبب في الأرق وسوء التغذية للأم، خصوصاً في الأشهر الثلاثة الأولى للحمل”، مشيرة إلى أن هناك مواد امفيتامينية تحتوي عليها أوراق شجرة القات، وتؤدّي هذه المواد إلى حدوث عيوب خُلقية، كتضييق المجاري الكبدية والصفراوية عند المواليد.
من جانبها، تقول الدكتورة ابتهال المخلافي اختصاصية أمراض النساء والتوليد ولديها عيادة في شارع المقالح بالعاصمة صنعاء: “تُصاب بعض النساء اللاتي يتعاطين القات بالتسمم الحملي أثناء فترة الحمل، أو في الأسابيع الأخيرة من الحمل، فيحدث ارتفاع في ضغط الدم لدى الأم الحامل”. وتضيف: “تزداد نسبة الإمساك أثناء الحمل بسبب فقدان الشهية، وسببها الرئيسي يكون تناول القات”، وتضيف لأضرار القات قائلة: “يتأثر الأجنّة بسبب تناول القات أثناء الحمل، فيُصاب البعض بتشوهات خلقية كالشفة الأرنبية، والحنق المفلوق، وغالباً ما يحدث هذا بسبب المبيدات التي تستخدم في رش شجرة القات”.
الدكتورة سلوى مبارز مديرة الصحة الإنجابية بمركز السبعين الصحي أكّدت أن تناول القات هو السبب الرئيسي في الأضرار الصحية على الأم والطفل، والدليل حدوث هذه الأمراض والإصابات في الأرياف والأماكن التي يوجد فيها القات بكثرة. تقول مبارز: “إن تناول القات لدى كثير من النساء يُصيبهن بالخمول والارتخاء الجنسي، ونقص وعدم رغبة في العلاقة الجنسية، كما يؤدي إلى انخفاض القدرة على الإخصاب بسبب الضعف في عملية تلقيح البويضات”.
أضرار نفسية
نحو 80 % من النساء اللاتي يعانين من حالات نفسية هنّ مِن متعاطيات القات، هذا ما يخصّ النساء اللاتي يأتين للعلاج، أما اللاتي في البيوت، فحدّث ولا حرج، بحسب الدكتورة أمل احمد الرياشي اختصاصية الطب النفسي ومعالجة الإدمان.
وتضيف الرياشي: “يسبب القات كثيرا من الاضطرابات النفسية، فهو أحد الأسباب الرئيسية لمرض الذُّهان بسبب عنصر أمفيتامين الموجود فيه، كما يسبب القلق والاكتئاب، ويؤدي إلى الأرق والسهر وتقطع فترات النوم، ويصيب البعض بالهلوسة، ويسبب القات أيضاً بعض الحركات اللاإرادية خاصة في الفكّ، ويسبب ضعف القدرة على التركيز واتخاذ القرارات”، وتنصح الرياشي النساء بترك القات؛ إذ يُعد محفزا رئيسيا لظهور الأعراض حتى تحت العلاج، وبالتالي يتعارض مع استخدام الأدوية النفسية، سواء مع مضادات الذهان أو الاكتئاب أو القلق.
مشاكل وتفكك أسري
أوضحت الرياشي أن لتعاطي القات أضرارا عدّة تتمثل في نشوء استعدادات على الانحراف والإجرام، وذلك نتيجة الانعكاسات النفسية المترتبة على التعاطي، وتطرقت الرياشي إلى الأعباء الاقتصادية التي تتحملها الأسرة وإرهاق ميزانيتهم الشهرية؛ إذ ينفق المتعاطي جزءاً كبيراً من دخله، مما يؤثر على الحالة المعيشية من الناحية السكنية والغذائية والصحية والتعليمية، فيحدث التوتر والمشاكل والخلافات الأسرية.
تقول بدور المأخذي وهي اختصاصية اجتماعية تعمل في مدارس عمر بن عبد العزيز بالعاصمة صنعاء: “إن الآباء المتعاطين للقات يقدمون نموذجاً سيئاً من السلوك للأبناء، بسبب انشغالهم بتعاطي القات وإهدار المال، فيحسّ الأبناء بالنقص تجاه أقرانهم الذين يجدون الملبس الجديد ويتنزهون مع أسرهم، فيفقد الأبناء الثقة في أنفسهم، بسبب الحرمان الذي يعيشونه، مما يدفع الأبناء إلى سلوكيات غير سوية كالسرقة على سبيل المثال”.
جهود متواصلة لمحاربة القات
هناك كثير من المبادرات المجتمعية والمنظمات المحلية التي تسعى إلى نشر التوعية بمخاطر القات في أوساط المجتمع اليمني، وقد أقامت منظمة “يمن بلا قات” كثيرا من الندوات التوعوية والمبادرات المجتمعة، وأصدرت كتيبات توعوية بمخاطر القات على صحة الفرد وعلى المجتمع كله، وكان لدعواتها ومشاريعها صدى لا بأس به في السنوات الماضية. ومنها منظمة “أجيال بلا قات” ومؤسسة “النجاة للتوعية بأضرار القات” وغيرها من المنظمات والمبادرات المجتمعية التي تحاول توعية الشباب في الجامعات والمدارس وغيرها.
وقد دفع وعي بعض الشباب إلى إقامة حفلات زفافهم في قاعات كبيرة وبحضور ناس كثيرين وبدون قات، وآخرها كان حفل زفاف منذ عشرة أيام تقريباً، وكان له صدى واسع على مواقع التواصل الاجتماعي وحصل على إعجاب وإشادة بين أوساط الشباب.