ما يزال أغلب اليمنيين يمتنعون عن تحصين أنفسهم بلقاحات كورونا رغم ظهور الفيروس وانتشاره في العالم، ومع وجود اللقاحات وتوفّرها في أكثر الدول حول العالم، أخذت اليمن حصتها من لقاحات فيروس كورونا، ولمعرفة أسباب مخاوف اليمنيين، أجرينا استطلاعا في بعض المحافظات اليمنية.
مواطنون يتحدثون
استطلع صوت المهمشين الإخباري آراء مواطنين في عدد من محافظات اليمن، ولا سيما لحج وعدن والضالع وتعز وإب. وتسرد المواطنة عديلة العوش من محافظة لحج في الجنوب الغربي من اليمن مخاوف المواطنين، فتقول: “الناس لا تأمن اللقاحات الآتية من الغرب ظنا منها أنها قد تكون فيها أمراض أخرى، وهنا تظهر مشكلة نظرية المؤامرة. الجهل مشكلة كبيرة تحول بين المواطن وأخذ اللقاحات، وفي مرحلة اللقاحات الثانية للفيروس، كانت اللقاحات بقيمة مالية غالية صعب على كثير دفعها، وحينها تعامل الناس مع المرض على أنه من درجات الإنفلونزا القوية، وأنه بالإمكان تجاوزه بالعلاجات المتعارف عليها”.
وتضيف أنسام الفقيه: “تشكّلت المخاوف لدى المواطنين بسبب الأخبار التي يسمعون عنها في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد انتشرت كثير من هذه الأخبار بين الناس، ولهذا رفضوا أخذها. قيل إن اللقاحات تحدث تغييرات في الجسم تضعف مناعته مع الأيام”.
قناعات خاطئة
يرى مدير مكتب ساوث 24 للأخبار والدراسات يعقوب السفياني أن امتناع كثير من اليمنيين عن أخذ لقاحات فيروس كوفيد 19 له أسباب عدّة، على رأسها غياب الوعي والإدراك لأهمية القيام بهذه الخطوة، هذه الحالة العميقة من غياب ثقافة الوقاية والوعي الصحي موجودة في اليمن قبل كورونا أيضا، وأشار إلى أن أغلب الدراسات والمسوح الميدانية أثبتت إهمال السكان في مناطق مختلفة، وخصوصا الأرياف، لتطعيم أطفالهم رغم مجانية اللقاحات وحملات التلقيح التي تصل إلى المنازل.
وأضاف السفياني: “في حالة فيروس كورونا، يحضر السبب المذكور بالإضافة إلى سبب رئيسي آخر يتمثل في القناعات الخاطئة لدى كثير من السكان البسطاء بعدم وجود هذه الجائحة رغم أنها قتلت وأصابت الملايين، ويعتقدون أنهم ليسوا في حاجة إلى أخذ اللقاح، وإلى جانب كل هذا، هناك من يعتقد أن لقاحات كورونا غير آمنة ولها مضاعفات كبيرة، وهذا للأسف من نتائج الشائعات التي رافقت هذا الوباء”، وطالب السفياني بضرورة العمل على توعية السكان ونشر ثقافة الوقاية وأهمية أخذ اللقاحات بشتى أشكالها، ومن بينها لقاحات فيروس كورونا، وخصوصا في مناطق الأرياف البعيدة والمتأثرة بالإشاعات.
ضعف الرقابة والإمكانيات
وحول هذا الأمر، ترى مديرة أكاديمية “صحوة فكر الثقافية” ابتهال عدنان محمد أن عدم اتباع شروط السلامة عامل أساسي في خوف اليمنيين من تلقي اللقاح، وكذلك عدم إدراكهم مدى خطورة الفيروس بشكل جدي، وذلك لقلة الإرشاد التوعوي، فتجد التجمعات السكانية والاكتظاظ من دون الحفاظ على مسافة أمان كافية لتجنب العدوى، وكذلك عدم اهتمام السلطات بتشجيع المواطن على أهمية أخذ اللقاح وإعلام المواطنين بأنواع اللقاحات وعدد جرعاتها ومقدار احتياج الفرد بحسب مراحله العمرية، وتؤكد ابتهال: “حفظ اللقاحات في ظل انعدام الكهرباء بالبلاد يُدخل الشكّ لدى المواطن في صلاحية اللقاح، مما يؤدي إلى الرفض القطعي لتلقيه”.
ويشير الباحث والناشط الحقوقي محمد أمين الوتيري إلى أن ضعف إمكانيات القطاع الصحي في مواجهة الأزمة فاقم من هذه المعاناة، ويقول: “الأخبار المضللة التي رافقت توزيع اللقاحات والتي تتحدث عن الآثار السلبية والمميتة لها والتي انتشرت بشكل واسع جداً ونشرت الخوف بين أوساط المواطنين -حالت دون حصولهم على هذه اللقاحات، وقد سبب ذلك في زيادة أعداد الضحايا والمصابين وفقدان السيطرة على المرض، في ظل غياب حملة توعية فعالة بأهمية اللقاحات”.
تأثيرات كثيرة
وحول دور الإعلام في نشر أو التصدي للشائعات، قال مدير تحرير صحيفة 4 مايو الصحفي علاء عادل حنش: “بخصوص الحديث عن أسباب تخوف كثير من المواطنين، سواء في الجنوب أم الشمال، من تلقي لقاحات كورونا، أعتقد أن أحد أهم تلك الأسباب طريقة التناول السلبية لوسائل الإعلام المختلفة لتلقي المواطنين للقاحات كورونا، وكذا انتشار الشائعات في وسائل التواصل الاجتماعي”.
ويوضح حنش أنه من أهم أسباب تجنب المواطنين لتلقي لقاح كورونا عدم وجود دراسات علمية حقيقية تؤكد مدى فاعلية اللقاح، وما صاحبها من انتشار إشاعات عن اللقاح، كما أن الدور الرسمي الضعيف لوسائل الإعلام الرسمية، والمنظمات الدولية الفاعلة حال دون تصديق المواطن لمدى فاعلية لقاح كورونا، ويختم حنش: “لكنني أجزم أن السبب الرئيس كان الفضاء الإلكتروني الذي كان مسرحًا للشائعات والأكاذيب، إلى جانب نقص الوعي لدى المواطنين”.
ومن ناحية أخرى، تقول الدكتورة أشجان الفضلي أستاذ علم الاجتماع المساعد في جامعة عدن: “تؤدي مواقع التواصل الاجتماعي دورا فاعلا في حياة الناس، فالبشر متفاعلون وبينهم علاقات، وهناك مخرجات لهذه العلاقات، وأثناء جائحة كورونا فُرض التباعد الاجتماعي، مما أثر نفسيا وجسديا على حياة كثير من الناس، ومن جهة أخرى أدّت وسائل التواصل الاجتماعي دورا في تدهور الحالة النفسية لمعظم الناس”.
وتضيف الفضلي: “المعلومات المتداولة في هذه مواقع التواصل الاجتماعي قد تكون مضللة وغير صحيحة، لذلك على الإنسان الاعتماد على المصادر الصحيحة، وبالإضافة إلى ما سبق، يمكن الاستعانة بالاسترخاء والتأمل للتخفيف من حدة القلق والتوتر وشرب كميات كافية من الماء والتغذية الجيدة والالتزام بالضوابط الطبية الصحيحة التي نشرتها المؤسسات الصحية المعتمدة لمواجهة المرض”.
الإنغلاق الفكري
يقول الدكتور سام محمد عويدين مدير مركز العزل سابقا بالساحل الغربي: “الجهل سبب رئيسي لاستمرار مخاوف اليمنيين من أخذ لقاحات كورونا في اليمن، بالإضافة إلى الانغلاق الفكري لدى غالبية المواطنين الذي صعّب عملية تغيير مفاهيمهم الخاطئة عن لقاحات كوفيد 19، وهي قناعات سببها مصادر غير مسؤولة، إضافة لانخفاض الوعي الصحي في المجتمع والذي قد يكون أهم سبب، فلا توجد ندوات وفعاليات ترفع من الوعي الصحي في المجتمع بأهمية أخذ اللقاح واعتباره واجبا وطنيا للحد من انتشار وتفشي هذا الفيروس القاتل”.
وتنوه الطبيبة سعدية البز (طب عام) قائلة: “ينكر بعض المواطنين وجود فيروس كورونا أصلا، وهذه الفئة متعبة في عملية إقناعهم بوجود فيروس كورونا وبضرورة أخذهم للقاحات لحماية أنفسهم ومن حولهم، فهو مرض وليس لديهم توعية كافية”.