اللقاح ينقذ الطفلة مودة من السعال الديكي

في إحدى الليالي المقمرة سمعت أم مودة سعالا شديدا لابنتها الرضيعة ذات الشهر الثامن مودة فادي مجيب. ذهبت الأم بها في الصباح الباكر إلى المستشفى القريب لمنزلها في مدينة التربة جنوب مدينة تعز لتلقي العلاج، وشُفيت من المرض بعد عناء شديد من أسرتها بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة.

تروي أروى أحمد علي (أم الطفلة) تجربتها لمراسلنا بقولها: “في إحدى الليالي غطست في نوم عميق، سمعتُ طفلتي الرضيعة تسعل بشدة حتى استيقظت، ولم أنم تلك الليلة حتى الصباح الباكر”. مباشرة ذهبت الأم إلى مستشفى خليفة، القريب لمسكنها في مدينة التربة التابعة لمديرية الشمّايتين جنوب مدينة تعز، وبعد ثلاث جرعات من اللقاح تحسّنت صحة الطفلة، بحسب حديث الأم.

وأضافت: “لم أعرف هذا المرض من قبل، وعندما سمعت باسم المرض، اشتد خوفي على طفلتي، لكن سرعة إسعافها، بحسب حديث الطبيبة، كان مهمًا لإنقاذها”. كانت الأم متخوفة لأنها من ذوات الدخل “المعدوم”، وتسكن في منزل غير لائق، ومن فئة مهمشة تفتقر للرعاية الصحية مثل بقية المجتمع. عبرت عن فرحتها عندما شاهدت ابتسامة طفلتها قائلة: “لم يكلفني مالًا؛ لأن اللقاح والرعاية قُدما لطفلتي مجانًا”.

السعال الديكي مرض بكتيري

تعرّف منظمة الصحة العالمية في صفحتها الرسمية مرض السعال الديكي أو (الشاهوق) بأنه “من الأمراض البكتيرية، التي تصيب الأطفال دون سن الخامسة عشر، كما تعتبر جرثومة اليرودتييلا الشاهوقية المسبب الرئيسي للشاهوق، وهناك مرض مشابه يرتبط بالتلوث هو نظير الشاهوق”.

يقول الطبيب الصيدلي ماجد عبد الغني لصوت المهمشين: “بعد الإصابة بالعدوى التي تمتد من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع، تظهر الأعراض على المريض الذي انتقلت إليه العدوى عن طريق الرذاذ أو بطرق غير مباشرة، ومنها استخدام أدوات المريض الملوثة”. ويضيف: “للإصابة بالمرض ثلاث مراحل، الأولى تبدأ بالزكام وبتصبب العرق الشديد وارتفاع الحرارة، وقد يصاحبها سعال ليلي قد يؤدي إلى الاختناق أو الوفاة. أما المرحلة الثانية لأعراض المرض، فتظهر على صورة نوبات مفاجئة ليلا، ويزداد السعال ونوبات الزفير، مع تغير لون المريض إلى اللون الأزرق وخروج اللسان، وفي آخر النوبة، يُصاب الطفل بالإرهاق لمدة تصل من 4 إلى 6 أسابيع. وفي المرحلة الثالثة تقل نوبات السعال وتنتهي خلال شهر إذا تلقى العلاج بشكل منتظم، ولم تحدث له مضاعفات”.

وتقول رهام الأغبري، طبيبة عامة، من تعز: “من أهم طرق الوقاية من مرض السعال الديكي أو الشاهوق تلقيح الأطفال الأقل من سبع سنوات الذين لم يتم تطعيمهم من قبل، وكذلك ضرورة إعطاء الأطفال الرضع اللقاح الثلاثي ومضادات حيوية، وفي حالة ظهور أطفال مصابين، يجب عزل الأطفال المصابين الأقل من سبع سنوات على الأقل 14 يوما، بالإضافة إلى سرعة إبلاغ الجهات الصحية مع تطهير وتعقيم أدوات المريض”.

غياب التلقيح والشائعات المضادة

تشارك ريمان حميد، إدارية في جمعية حياتنا للتعايش والتنمية، وعضو في قيادة الاتحاد الوطني للفئات الأشد فقراً، صوت المهمشين بقولها: “إن الفئات المهمشة تعاني من مشكلة صحية مزدوجة، غياب التلقيح في معظم التجمعات السكنية، والإشاعات المنتشرة في أوساط المجتمع وفي مختلف وسائل التواصل الاجتماعي ضد اللقاحات التي تؤدي إلى تخويف الناس بأنها مضرة للأطفال”.

 إن معظم التجمعات ومخيمات النازحين لم تصل إليها حملات التلقيح الوطنية لسببين: الأول بُعد تجمعات المهمشين وخاصة في الريف، والثاني التمييز على أساس اللون ضد هذه الفئات من قبل القائمين بعملية التلقيح وغياب المتابعة من قبل الجهات الصحية، حسبما أوضحت ريمان.

وتضيف أن الشائعات تسببت في عزوف كثير من المجتمع عن اللقاحات، وخصوصا مجتمع المهمشين؛ لأنهم أكثر أمية وأكثر فقرا، فلا يستطيع البعض منهم الحصول على إيجار مواصلات للوصول إلى المراكز الصحية البعيدة عن مساكنهم وتخوف بعضهم من الأعراض التي تظهر بعد اللقاح نظرا لتدني الوعي الصحي، وتؤكد أن هناك حالات إصابة لأطفال مهمشين بالسعال الديكي.

استطعنا رصد بعض الحالات

تؤكد ريمان حميد أن الجمعية قامت برصد بعض الحالات التي وصلت إليها بقولها: “بعض الحالات استطعنا رصدها وبعضها لم نستطع رصده، ويعود ذلك لعدم التلقيح والوضع السكني غير الملائم وانتشار الأوبئة في بعض التجمعات”، وأضافت أن الجمعية أدركت أن انتشار الشائعات لها اليد الطولى في انتشار الأمراض بين الفئة المهمشة، مما يتطلب نشر الوعي الصحي في التجمعات والمخيمات من قبل الجهات الصحية والمنظمات الدولية المهتمة بالجوانب الصحية والجمعيات العاملة وسط المهمشين من دون إغفال دور الإعلام وأهميته في التصدي للشائعات.

وأكدت لـصوت المهمشين أن للجمعية أنشطة سابقة أقامتها في التوعية الصحية، وتعزيز فهم المجتمعات المهمشة لأهمية اللقاحات المبكرة للأطفال في مواعيدها، وطمأنتها بمجانية اللقاحات لإزالة الأعذار المالية للآباء والأمهات كأبرز تخوفاتها.

الوضع السكني وأعمال النظافة

رئيس جمعية حياتنا للتعايش والتنمية، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني للفئات الأشد فقرا (المهمشين)، فرع تعز، ياسين الذبحاني يقول: “التجمعات التي يسكن فيها المهمشون في اليمن غير ملائم، ويقع على مجاري السيول وأطراف القرى أو بجانب تكدّس القمامة، فيكون الوضع البيئي غير مناسب وأماكن خصبة لانتشار البكتيريا التي تصيب الأطفال أثناء خروجهم للعب بين الأتربة الملوثة، فيؤدي إلى إصابتهم بالسعال الديكي وبعض الأمراض المعدية الأخرى، بالإضافة إلى تدني الوعي لدى الأسر والأمهات بالجانب الصحي، وذلك يجعلهم أكثر خطرا وعرضة للأمراض.

ويري الذبحاني أن تحسين الوضع السكني والتعليمي للمهمشين سوف يُسهم مساهمة فاعلة في تجنيب الأطفال مرض السعال الديكي ومختلف الأمراض المعدية، وكذلك إقامة شبكة صرف صحي وبناء حمامات للأسر في التجمعات السكنية.

ويضيف أن رفع مستوى التعليم يجعلهم أكثر وعيا بالجوانب الصحية وطرق وقاية الأطفال من الأمراض والتصدي للشائعات الخاطئة ضد اللقاحات، وأن للجمعية أنشطة عدّة في مجال التوعية الصحية، لا سيما فيما يتعلق بسبل التعامل مع المعلومات المضللة والشائعات التي تؤثر على وعي المجتمع صحيًا.

تعتبر منظمة الصحة العالمية أن التحصين قصة نجاح عملية حققتها الصحة في مختلف دول العالم؛ إذ تقي اللقاحات 12 مرضاً بينها السعال الديكي، وهناك أنواع للقاحات تختلف باختلاف وظائفها لكل وباء، ولها مراحل متعددة منذ الولادة؛ إذ تسمى الجرعة التطعيمية الأولى “الجرعة الصفرية” خلال 24 ساعة. وجرعة السنة في عمر اثني عشر شهرا، ثم اللقاحات الروتينية في عمر السنة والنصف للطفل تسمى “الجرعة التنشيطية”، وفيها يُطعّم ضد السعال الديكي وأمراض أخرى.

المقالة التالية
تعز: الاعتداء على مواطنة مهمشة بالضرب من قبل نافذين
المقالة السابقة
تعز.. وفاة طفل لم يتلقح ضد الحصبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━