أوجعته الحصبة، ولم يجد لصراخاته آذانًا واعية، فتوفي بالمرض نفسه بعد قرابة شهرٍ من المعاناة. أمجد عبد الرقيب أحمد من مواليد مدينة تعز وطفل في ربيعه الثامن، فقدته والدته نهاية عام 2022م؛ لأنه لم يحصل على اللقاحات اللازمة لمواجهة المرض الذي ألمّ به.
أمجد طفل من فئة المهمشين، وتُعدّ هذه الفئة أكثر عُرضة لتصديق الشائعات المنتشرة وسط المجتمع وفي مختلف وسائل التواصل الاجتماعي ضد اللقاحات، لذا توفي أمجد بعد معاناة شديدة مع الألم وعدم قدرة أسرته على شراء العلاجات اللازمة نظرا لارتفاع أسعارها.
والدة أمجد الثلاثينة رانيا تقول: “أُصيب ابني بمرض الحصبة لمدة عام، ولم أستطع معالجته، فظلّ ابني يعاني المرض حتى توفي في نهاية 2022م بمدينة تعز. وتضيف: “أسمع الناس يقولون إن اللقاحات تضرّ الأطفال، وأنا خفت على ابني، ولم أذهب به إلى المركز الصحي لأخذ اللقاح، فازدادت حالته سوءًا حتى توفي”.
وتقول أم أمجد متألّمة: “الوضع الصحي في اليمن متدهور عند كل المواطنين، وعلى وجه الخصوص عندنا نحن الفئة المهمشة. لم نجد الاهتمام من الدولة، ولم نحصل على توعية بأهمية اللقاحات، وكثير منّا غير متعلمين ونصدق الشائعات بسرعة”.
عن المرض
تؤكد منظمة الصحة العالمية في موقعها الرسمي في تقريرها الخبر المنشور بتاريخ 20 مارس 2023 أن “الحصبة مرض خطير وشديد العدوى يسبّبه فيروس”. وفي عام 1980، أي قبل انتشار التطعيم على نطاق واسع، كان المرض يودي بحياة نحو 2.6 مليون نسمة كل عام.
ولا تزال الحصبة من الأسباب الرئيسية لوفاة صغار الأطفال في جميع أنحاء العالم، ويحصل ذلك على الرغم من توافر لقاح آمن وناجع لمكافحتها.
وتنتهي نحو 10% من حالات الحصبة بالوفاة لدى الفئات السكانية التي ترتفع فيها معدلات سوء التغذية، والتي تنقص فيها فرص الحصول على الرعاية الصحية، كما يكتسب الذين يتعافون من الحصبة مناعة ضد المرض مدى الحياة، حسب منظمة الصحة العالمية.
أهمية التحصين
يقول نائب مدير التثقيف الصحي والإعلام بمكتب الصحة في محافظة تعز تيسير السامعي إن مكتب الصحة يبذل جهودا كبيرة لمواجهة الإشاعات ومنع تأثيرها بإقامة حملات تثقيفية للمواطنين حول “فاعلية وأمان اللقاحات”، وإنها مثل غيرها من العلاجات والأدوية الموجودة في الصيدليات، وهو ما يجب أن يقوم به جميع مكاتب الصحة بمختلف المحافظات؛ لأنّ المسؤولية اجتماعية بالدرجة الأولى.
ويضيف السامعي: “يتطلب منا الوضع الحالي إعادة وتكثيف حملات التحصين والتوعية حول أهمية اللقاحات، ليعود الحال كما كان في الماضي، والحملات التي تنفذها وزارة الصحة ليست بديلة عن التلقيح الروتيني الذي يكون في المراكز الصحية، لكنها عوامل مساعدة لأخذ التلقيح”.
من جانبه، يقول رئيس جمعية حياة أفضل للتنمية بتعز الناشط الحقوقي فوزي مهيوب: “تعاني تجمّعات المهمشين من عدم وصول اللقاحات إليها في كثير من المديريات والمحافظات بسبب إهمال الجهات الصحية وغياب الرعاية الصحية للمواطنين بتساوٍ”.
ويناشد مهيوب المنظمات العالمية المهتمة بالصحة الالتفات إلى الوضع الصحي للفئات الأكثر ضعفا (المهمشين) وتأهيل كوادر شبابية للقيام بعملية إعطاء اللقاح في تجمعاتهم ومخيمات النازحين. ويضيف مهيوب أن الشائعات المنتشرة حول اللقاحات أثرت تأثيرا كبيرا على مجتمعات المهمشين. ويشير إلى أن حالات الإصابة بمرض الحصبة وغيرها من الأمراض مرتفعة جدا، وتصل بعضها إلى الوفاة.
تدهور الوضع الصحي
مدير التحصين بمحافظة تعز الواقعة تحت سلطة حكومة عدن، الدكتور فهد النمر، يذكر أن هناك دعاية مغرضة وشائعات من قبل بعض وسائل الاتصال ورواد وسائل التواصل الاجتماعي لغرض التشويش على المواطنين وعدم قبولهم للقاحات، ويدعو جميع المواطنين إلى أخذ اللقاحات وعدم الاستماع للمشوشين ومروجي الشائعات.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، تشير التقديرات إلى وفاة طفل كل 10 دقائق في اليمن بسبب الأمراض التي يمكن الوقاية منها عن طريق التطعيم.
ووفق تقرير منظمة اليونيسف الذي نشر عبر موقعها الرسمي، بلغ إجمالي اللقاحات أكثر من 19 ألف لقاح خلال عامي 2020 و2021م ضد الأمراض التي يمكن الوقاية منها عن طريق التطعيم.
والدة أمجد تبث رسالة بعد أن فقدت فلذة كبدها بأن “اللقاحات تنقذ أطفالنا وتمنحهم مستقبلا أجمل؛ ليلعبوا ويتعلموا ويكبروا وهم حولنا، لا ليكون مصيرهم تحت التراب فنرويهم بدموعنا”.