التشكيك في فعالية اللقاحات يعرض أطفال اليمن لخطر الموت

انتشرت الشائعات والأفكار الخاطئة بشكل كبير مؤخرًا بين اليمنيين على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام والمجتمعات أيضًا، ومن ذلك شائعة تقول إن لقاحات الأطفال غير مجدية وغير مفيدة ولن تقي الأطفال الإصابة من الأمراض.

تتناقض تلك الشائعة مع الواقع الحاصل، ففي العام الماضي 2022 والعام الجاري 2023 شهدت اليمن توسعا كبيرا وانتشارا مخيفا لأمراض الحصبة وشلل الأطفال، خصوصًا الرخو الحاد بين الأطفال، ويعود ذلك إلى الأفكار الخاطئة والشائعات المتداولة حولها، مما أدى إلى عدم تطعيم المواطنين لأطفالهم.

هل اللقاحات مفيدة؟

تقول شائعة إن اللقاحات لا تفيد الأطفال بشيء، وإن هناك أطفالا لم يتلقوها وهم حاليا في صحة جيدة، وتُشكّك تلك الشائعة بفعالية اللقاحات وأمانها، لكن السلطات الصحية في الحكومة المعترف بها دوليًا تؤكد أن حالات الإصابة بأمراض الحصبة والشلل حدثت للأطفال الذين لم يُطعّموا باللقاحات اللازمة.

يقول مسؤول الترصد الوبائي في مكتب الصحة بمدينة تعز الدكتور ياسين عبد الملك لصوت المهمشين: “إن الحالات التي رُصدت في المدينة لمرض الحصبة وشلل الأطفال الرخو الحاد في العام الجاري والماضي لم تحدث إلا للأطفال الذين لم يتلقّوا اللقاحات”.

وبحسب عبد الملك، رصد مكتب الصحة 405 حالات من الإصابة بمرض الحصبة و10 حالات وفاة للأطفال دون سن العاشرة منذ بداية العام الجاري 2023 حتى الآن، أي في غضون شهرين فقط.

ووفق حديثه أيضا، بلغت عدد حالات الإصابة بشلل الأطفال الحاد الرخو “المتحوّر” نحو 48 حالة إصابة لدى الأطفال، سجّلها مكتب الصحة خلال العام الماضي 2022 حتى الآن في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وذلك في إطار محافظة تعز فقط.

منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” تؤكد أيضا في تقاريرها على أمان اللقاحات وفعالتيها في وقاية الأطفال من الإصابة بأمراض الحصبة وشلل الأطفال والدفتيريا، مشيرةً إلى أن اللقاحات في كل عام تُنقذ نحو 2 إلى 3 مليون طفل بالعالم، وهو الأمر الذي يبرهن على فعاليتها في تحصين الأطفال.

تفنيد الشائعة

مسؤول الترصد الوبائي الدكتور عبد الملك يقول لصوت المهمشين إن جميع حالات الأطفال المصابين التي رصدوها وتقصّوا بشأنها تأكدوا أنها لم تتلقَ اللقاحات المضادة، مشيرًا إلى أن عائلات تلك الأطفال رفضت تطعيمهم باللقاح، وهذا يدحض الشائعة التي ترى أن اللقاحات غير مفيدة ولا تقي الأطفال من الأمراض.

وبخصوص الشائعة أيضًا، يوضح عبد الملك أنه لو كان الأطفال أخذوا الجرع اللقاح المحددة ضد شلل الأطفال والحصبة، لما كانوا أصيبوا بالأمراض؛ لأن اللقاحات تعطيهم وقاية وحماية وتعزز الجهاز المناعي لديهم لمقاومة الأمراض الخطيرة.

وبخصوص الشائعة التي مفادها أن هناك أطفالا تجاوزوا سن العاشرة ولم يصابوا بأمراض الحصبة وشلل الأطفال رغم عدم تحصينهم، يرد مسؤول الترصد أن ذلك يأتي نتيجة لعدم اختلاطهم بأطفال آخرين مصابين، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، يلفت إلى أن هناك احتمالية أيضًا لانتقال اللقاح بواسطة “الرذاذ” نتيجة اختلاطهم مع أطفال أخذوا اللقاح، وبالتالي انتقل إليهم اللقاح بشكل غير مباشر، وعمل ذلك على تعزيز المناعة لديهم، مؤكدًا على أهمية تحصين الأطفال باللقاحات وضرورة مكافحة الشائعات والأفكار التي تشكك فيها.

أرقام مخيفة

اطلع صوت المهمشين على إحصائية في موقع وزارة الصحة التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها، وهي تذكر أنه بلغ إجمالي حالات الإصابة بشلل الأطفال الرخو الذي يصفه الأطباء “بالمتحور” نحو 468 حالة إصابة، و16 حالة وفاة سُجلت بين عام 2021 وعام 2023 الجاري.

وبخصوص حالات الإصابة بمرض الحصبة العادية والحصبة الألمانية لدى الأطفال، سجلت وزارة الصحة نحو 13882 حالة إصابة و100 حالة وفاة لأطفال منذ 2020 حتى العام الجاري، في مناطق سيطرتها فقط.

أما في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله الحوثيين في المحافظات الشمالية، فقد أعلنت وزارة الصحة بصنعاء (غير معترف بها) في بيان لها مطلع سبتمبر الماضي، عن تسجيل 827 حالة إصابة بشلل الأطفال الرخو في المناطق الخاضعة لسيطرتها في العام الماضي 2022.

وذكرت الوزارة في بيانها أن حالات فيروس شلل الأطفال “المتحوّر” من النوع الثاني (cVDPV2) بلغت 183 حالة إصابة، منها 56 طفلاً مخالطًا و115 حالة إصابة في العام نفسه، مشيرةً إلى أن الحالات تتصاعد بشكل كبير وتنذر بحدوث جائحة.

تطرح تلك الأرقام المخيفة لحالات الإصابة بأمراض الأطفال في عموم اليمن، مؤشرات خطيرة من عودة تلك الأمراض بوتيرة عالية في البلاد، خصوصًا “شلل الأطفال” الذي كانت اليمن قد نجحت في مكافحته، وخلت منه طوال 15 عامًا ماضيًا.

جهود للمكافحة

بعد ارتفاع حالات إصابة الأطفال بالحصبة والشلل الرخو في الآونة الأخيرة، أطلقت الحكومة المعترف بها حملة تحصين واسعة ضد شلل الأطفال يوم 5 مارس الجاري في 12 محافظة خاضعة لسيطرتها، وتستهدف مليونا و290 ألف طفل دون سن الخامسة.

وكانت محافظة تعز من ضمن تلك المحافظات التي شملتها الحملة الوطنية للتحصين، وانطلقت الفرق الطبية من منزل إلى منزل في اليوم نفسه، أي يوم الأحد 5 مارس، وفق بيان لمكتب الصحة الذي يذكر أنه ينفذ الحملة في 17 مديرية من مديريات المحافظة من الجزء الذي تسيطر عليه الحكومة.

وذكر مكتب الصحة في بيانه أن الحملة تستهدف تطعيم 325 ألف طفل للوقاية من شلل الأطفال، ويشارك فيها 4 آلاف عامل صحي ومشرف، داعيًا المواطنين للاستجابة إلى الحملة وتطعيم أطفالهم لحمايتهم من الإصابة بالأمراض الخطيرة.

كما وجّه المكتب دعوة للصحفيين ووسائل الإعلام والناشطين في مدينة تعز إلى مكافحة الشائعات المنتشرة بشأن اللقاحات، وحضّهم على رفع مستوى الوعي عند المواطنين، لتجنّب إلحاق الضرر بالأطفال نتيجة امتناع أهاليهم عن تطعيمهم تصديقا لتلك الشائعات.

وبالنسبة للمحافظات والمناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين، لم تعلن سلطة الأمر الواقع عن أي حملات تحصين، غير أن مسؤولين حوثيين نظموا ندوة علمية في 8 فبراير الماضي، حذروا فيها من مخاطر اللقاحات واعتبروها “فكرة يهودية” هدفها الاستثمار والتجارة واستهداف الشعوب.

المقالة التالية
وسطاء التسامح المجتمعي يقيمون (اليوم المفتوح) وتكريم الطلاب في تعز
المقالة السابقة
“المهمشون في الأرض”… تتعدد الوجوه والمأساة واحدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━