هبة التبعي
خسر معمر الشميري، ناشط مدني، وممثّل فئة المهمشين في حكومة الشباب، عدةَ فرص عمل، وتعثرت معاملاته في أكثر من مصلحة عامة وأهلية؛ لعدم امتلاكه بطاقة شخصية، ليبدأ رحلة مضنية للحصول عليها، سرعان ما اصطدم بطلبات لا يقدر عليها، كانت مصلحة الأحوال المدنية بمحافظة تعز التي تقدّم إليها، قد طلبتها منه.
تبدو هذه (المتطلبات)، التي هي جزءٌ من إجراءات استخراج الهوية الشخصية، بالنسبة إليه مرتبطةً أكثر بكونه من فئة (المهمشين)، وممثلهم في حكومة الشباب.
وتصف مسك المقرمي، التي تعمل وسيطة مجتمعية للمهمشين، ذلك بأنّه عبارة عن تمييز وممارسات عنصرية، مشيرةً في حديث لـ”خيوط”، إلى أنّ البطاقة الانتخابية هي الوحيدة التي مُنحت لهم بسهولة لتوظيف أصواتهم لمصلحة الأحزاب السياسية المتنافسة خلال دورات الانتخابات السابقة.
ممارسات ممنهجة
ويتعرّض المهمشون في اليمن، للتهميش والتمييز المجتمعي بسبب اللون والعِرق، على الرغم من أنّ الدستور اليمني والكثير من القوانين، تتعامل معهم كمواطنين يمنيين لهم كامل الحقوق والامتيازات التي لغيرهم.
ومع أنّه ليس هناك معلومات رسمية عن أعدادهم، فإنّ دراسة صادرة عن “مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية”، قدّرت أعدادهم بين 427 و800 ألف نسمة؛ أي بما بين 1.4% إلى 2.6% من إجمالي عدد سكان اليمن.
يتحدث الشميري لـ”خيوط”، عن رحلته لمصلحة الأحوال المدنية، قائلًا: “طلبوا مني معرِّفَين يؤكدان صحة بياناتي، في حين أني أعيش في المدينة بمفردي للدراسة والعمل، وليس لديَّ أيّ معرفة معمقة مع من لهم القرار في هذا الجانب”.
ومع خيبة الأمل هذه، انصرف الشميري إلى العمل التطوعي، ذلك أنّ “المهمشين لا يمتلكون الوقت للبحث عن حقوقهم المسلوبة، فهم منشغلون بالركض خلف لقمة العيش، بالإضافة إلى عامل الشعور بالنقص الذي ترسب من المجتمع إلى عقولهم، ومَن خرج من دائرة استرخاص الذات منهم، واجهه المجتمع بالقمع”.
ويمثّل الشميري عينة لـ(50-70)% من المهمشين، لا يحوزون هويات شخصية، وفقًا لمسح ميدانيّ أجرته منظمة البحث عن أرضية مشتركة SCG.
في السياق، تُرجع الأخصائية الاجتماعية، صباح عثمان، في حديث لـ”خيوط”، التمييزَ القائم بحق فئة المهمشين، إلى اعتماد الأصل الاجتماعي أساسًا للشخصية والهُوية التي تتكوّن فيها مكانة الفرد في المجتمع بناءً على أصله وعرقه ونسبه، إذ يعتبر ذلك من العادات المتوارثة التي لا يزال يتمسك بها البعض، وهو ما يجب التصدّي لها وخلق رأي عام مجتمعي ضدّها.
لا أساس قانونيّ
لا يستند التمييز ضدّ المهمشين في مسألة الحصول على الهويات الشخصية، إلى سند قانوني؛ فالدستور اليمني يكفل لجميع المواطنين، التمتع بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ومن هذا المبدأ ينبثق تساوي الناس في حقّ “التمتع بكافة الحقوق والحريات دون تمييز عنصري بسبب اللون والجنس، أو الرأي السياسي أو الاجتماعي”، وفقًا للمحامي علي الصراري.
ويرفع الصراري -في حديث لـ”خيوط”- امتلاك الهوية الشخصية من الخيار الشخصي إلى مرتبة الواجب جراء التبعات المترتبة على عدم امتلاك المواطنين لها، ومن ضمن هذه التبعات، ما يتعلق بالجريمة ومعرفة مرتكبها، فالدولة تتعرف بسهولة على المخالفين والمنتهكين لأحكام القوانين بالرجوع إلى قاعدة البيانات المتعلقة بالقوانين.
ويضيف الصراري: “تمنح بطاقة الهوية الشخصية، الفردَ عدة امتيازات؛ من ضمنها حرية التنقل وحرية السكن والتعليم، والحصول على الوظيفة العامة وجواز السفر، والشعور بالطمأنينة”.
تمييز اجتماعي
أسباب كثيرة تقف خلف عدم امتلاك المهمشين أوراقًا ثبوتية؛ منها ما هو قائم في طبيعة النظام الاجتماعي السائد في المجتمع اليمني الذي يستعبد ويزيح الفئات الاجتماعية الضعيفة ويدفعها إلى الهامش، ومنها شريحة “المهمشين”.
ويؤكّد الباحث في علم الاجتماع، عيبان السامعي، في حديث لـ”خيوط”، أنّ المهمشين في اليمن يتعرّضون لتمييز اجتماعيّ راسخ في العلاقات والبناء الاجتماعي بأشكال وأبعاد وصور مختلفة، تتخلّل كلّ بنى المجتمع، حيث يُهمش أصحاب البشرة السمراء -تحديدًا- على مستوى العلاقات والتفاعلات المختلفة، إلى جانب استبعادهم من خيارات تكافؤ فرص العمل، وحشرهم في مهن محتقرة مجتمعيًّا، بالإضافة إلى حرمانهم حقّ الملكية والتعليم بسبب عدم إدماجهم في التعليم بشكل حقيقيّ.
مضيفًا أنّ كل ممارسات التمييز الاجتماعي التي تتعامل مع فئة المهمشين كفئة دنيا، تصب في تعزيز شعور أفرادها بأنه لا حاجة لهم لامتلاك أوراق ثبوتية أو هويات شخصية، إذ يشعر الفرد منهم -في قرارة نفسه -بأن المجتمع ينبذه ويرفض التعامل معه كمواطن.
ويرى السامعي، أنّ مغزى امتلاك الفرد لبطاقة الهُوية الشخصية هو “شعور مالكها أنّه مواطنٌ ينتمي إلى المجتمع ويتمتّع بحقوقه الإنسانية، كما تعتبر هذه الوثيقة بمثابة الوثيقة الرسمية والقانونية التي ترمز لقيمة الانتماء النابع من تقدير المجتمع للفرد، وحينما يغيب هذا التقدير، تنتفي الحاجة لوجود بطاقة شخصية أو هوية أو أوراق ثبوتية”.
ويخلص إلى تحميل المجتمع والدولة، المسؤوليةَ الرئيسية في التمييز ضدّ فئة المهمش، فهما -وفق تعبيره- “لم يتقبّلا هذا الإنسان، ومارسا عليه استعبادًا وتمييزًا متعدد الصور والأشكال والأساليب”.
“نقلا عن منصة خيوط”