الإسهالات المائية مع المهمشين.. رفقة قسرية مدى الحياة

مريم يحيى امرأة مسنة تسكن أحد التجمعات الخاصة بالمهمشين في تعز، لديها ثلاثة أحفاد يعانون من الإسهالات المتكررة. تقول لمراسلنا: “لدي ثلاثة أطفال بنت وابنان يعانون من الإسهالات، وقد خسرتُ 48 ألف ريال في علاجهم، وأبوهم عاطل عن العمل”. وتوضح مريم: “نحن فئات مهمشة فقراء لا نملك شيئا. أطالب أهل الخير والحكومة بالالتفات لوضعنا الصحي والمعيشي، فنحن نسكن في مخيم لا يحمي أطفالنا من البرد والرياح وبدون بطانيات أو ملابس صوفية”.

    “لا تكاد تلحظ أسرة من فئة المهمشين في اليمن لم يتعرض أطفالها لمرض الإسهالات المائية في تجمعاتهم السكنية.”

“سكنُ المهمشين مخيمات أو عشش مفتوحة من كل الجوانب”، هكذا يصف إياد العامري (36 سنة)، وهو رب أسرة يسكن أحد تجمعات المهمشين بمدينة تعز، ويروي حكايته قائلا: “تعرّض ابني مهران لإسهال مائي حاد وهو في السنة الأولى من عمره، فأسعفته إلى المركز الصحي لتلقي العلاج ولم يتعافَ، وعاودتُ الذهاب به إلى عيادة خارجية ودكتور متخصص”، ويضيف: “خوفا على حياة ابني خسرتُ أموالا كثيرة حتى يتعافى، وكان كلّ مركز يشخّص المرض بطرق مختلفة، حتى ضاق بي الحال وشعرت بالقلق شديد”.

إياد العامري ناشط من فئة المهمشين، ويذكر أن الوضع السكني للمهمشين غير لائق وغير صحي، مما يجعل الإصابة بالإسهالات بمختلف أنواعها سهلة جدا؛ لأن الأطفال يلعبون بين الأتربة والمياه غير الصحية والملوثة أحيانا، ولا يحصلون على الاهتمام الأسري أو الاجتماعي أو الحكومي بشأن وضعهم الصحي، وهذا يؤدي إلى إصابة العشرات بل المئات منهم بالإسهالات في فترات متقطعة من السنة.

ويضيف أن سكن المهمشين مخيمات أو عشش مفتوحة من كل الجوانب، فتصبح عرضة لانتشار الفيروسات التي تسبب الإسهالات ومختلف الأمراض المُعدية. ويرى إياد ضرورة توفير العيادات المتنقلة وإقامة برامج توعية للمخيمات وتجمعات المهمشين لتجنيب الأطفال الإصابة بالإسهالات المائية وغيرها من الإصابات المعدية، وضرورة توفير البطاقة الصحية المجانية للمهمشين في مختلف المحافظات.

تدني الوعي الصحي

يقول إياد أسعفتُ ابني مهران مباشرة؛ لأني شخص متعلم واعٍ بمخاطر مرض الإسهال وأعرف أن عدم إسعاف الطفل مباشرة والاهتمام به قد يؤدي إلى مضاعفات أخرى، بينما يوجد المئات بل الآلاف من الفئات المهمشة، وهم أميون لا يعون مخاطر الإسهالات ولا يجدون من يقدم لهم التوعية والنصح في كيفية التعامل مع مرض الإسهالات المنتشرة في أوساطهم. أسر كثيرة من دون وعي بمخاطر المرض وأساليب التعامل معه والحد من انتشاره وسط التجمعات السكنية ومخيماتهم العشوائية.

وفي السياق نفسه تذكر المسؤولة المالية لجمعية “حياتنا للتعايش والتنمية” ريمان حميد أن الوعي الصحي متدنٍ في أوساط الفئات المهمشة، مما يؤدي إلى انتشار الإسهالات بين الأطفال وإهمالهم من قبل أسرهم؛ إذ يتركونهم يلعبون في الأتربة المتسخة والمياه الملوثة، ولا يدفعونهم إلى غسل اليدين قبل الأكل.

وتضيف أن ظاهرة التسول تُعدّ عاملا مساعدا لنقل الإسهالات بسبب تناول الأطعمة المكشوفة في الشوارع والأزقة، بالإضافة إلى استخدام أدوات نقل للمياه ملوثة وأكل بقايا الفواكه غير الصالحة للأكل.

أسباب الإسهالات وطرق الوقاية

يقول الدكتور راكان العزعزي: “موضوع الإسهال من المواضيع المهمة جدا، وينال اهتمام منظمة الصحة العالمية والدول والمنظمات الدولية، فمرض الإسهال من الأمراض المنتشرة، خصوصا عند الأطفال، باعتبارهم أكثر عرضة؛ لأنهم أقل مناعة ويتناولون الطعام في الشوارع، ولغياب الاهتمام بالنظافة الشخصية”. يكمل حديثه قائلا: “ينقسم الإسهال إلى إسهال حاد وإسهال مزمن، وهو فيروس يصيب الأمعاء، فيجعل البراز رخوا ومتكررا لأكثر من ثلاث مرات في اليوم، وأنواعه مائي ودموي ويصاحبه ألم شديد”. ويضيف العزعزي أن الإسهالات لها عدة أسباب: بكتيرية، وطفليات، وفيروسات، وأسباب أخرى. فهناك فيروس (الروتا)، وهو فيروس خطير يمكن أن يؤدي إلى الغيبوبة والجفاف الحاد وأحيانا للوفاة، وهناك أسباب بكتيرية تنتشر عبر الأطعمة والمشروبات الملوثة، وهناك طفليات، وخصوصا في المناطق التي تقل فيها النظافة الشخصية، وينعدم فيها الصرف الصحي والمياه النظيفة الصالحة للشرب. ومن الأسباب أيضا اضطرابات الجهاز الهضمي والتسمم الغذائي، ومن أعراضه التقيؤ والجفاف والشعور بالتعب والإعياء وفقدان الوزن، ويمكن علاجه بعد فهم القصة المرضية والتشخيص الدقيق بمضادات للطفليات وشرب كميات كبيرة من الماء والسوائل وماء الجزر وماء الأرز ومحلول الإرواء.

دور الجهات الصحية

ترى ريمان حميد أن الإسهالات انتشرت بسبب التلوث البيئي وتدهور الوضع الصحي بسبب الصراع، فقد أصبح الوضع البيئي من الأسباب الرئيسية في انتشار الأوبئة والجراثيم والذباب وتلوث الهواء، وتذكر أيضا أن تلوث المياه وتكدّس القمامات وانفجار شبكات الصرف في بعض الأحياء السكنية يؤدي إلى انتشار الإسهالات، خصوصا في أوساط الفئات المهمشة؛ لأنها الفئة الأكثر تضرّرا في المجتمع بسبب الوضع المعيشي المتدني وفقدان السكن الآمن.

وتؤكد ريمان على أهمية عمل برامج صحية توعوية لرفع مستوى الوعي الصحي لدي الأسر المهمشة من قبل الجهات الصحية ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى أهمية توفير الأدوية المجانية للحالات المصابة بالإسهالات، وضرورة تقديم درجات وظيفية وفرص عمل للكوادر الصحية من فئة المهمشين؛ ليتمكنوا من تقديم خدمات صحية أكثر وبشكل سريع ومباشر، وتضيف: “يجب تمكين المهمشين ذكورا وإناثا بمنحهم مشاريع صغيرة مستدامة للحد من ظاهرة التسول، وجعلهم قادرين على توفير المياه الصحية الصالحة لشرب، وتوفير أدوات النظافة، بالإضافة إلى منحهم قطّارات مياه وتوزيع الكلور لتنظيف المياه”.

ويستخدم مصطلح الإسهال المائي للدلالة على عمل الأمعاء، أي البراز ذي الطابع المائي والرخو، وهذه الظاهرة منتشرة جدا، لكنها لا تشكل خطرا على الحياة، فمعظم الناس يعانون من الإسهال بمعدل مرة أو مرتين في السنة الواحدة، بحسب ما تقول منظمة الصحة العالمية في موقعها الرسمي في عام 2019.

وتختم المواطنة مريم يحيى بقولها: “نعيش بعيدين عن المراكز الطبية والمستشفيات وتكاليف العلاج باهظة، وكذلك الموصلات، ولا يوجد لدينا كوادر من أهلنا يقمون بالتوعية بيننا لنتجنّب نحن وأطفالنا الأمراض”.

( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)

المقالة التالية
الحُمّيّات شبح يهدد أرواح المهمشين
المقالة السابقة
رحلة اللقاحات في المحافظات اليمنية.. أرقام وحقائق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━