مع اتساع رقعة الحرب في اليمن وازدياد الوضع تعقيدا، تبقى الحميات حربا أخرى وشبحا يطارد أرواح المهمشين وكابوسا يؤرّق حياتهم في ظل غياب شبه تام للمنظمات والجهات المسؤولة عن ذلك.
وتشهد محافظة تعز مؤخراً انتشاراً واسعا لأمراض الحميات بسبب البعوض الذي يتكاثر من مياه المجاري والمستنقعات وتكديس القمامة، وقد شكا مهمشو جبل حَبَشي معاناة أطفالهم مع الأمراض والحميات والأوبئة وسوء أوضاعهم المعيشية.
من قصص المهمشين والأمراض
“أقسى شعور تمرّ به حين تكون عاجزا عن علاج ولدك أو أن تتركه يموت أمام عينيك وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئا”، هكذا يذكر حسن صالح، وهو أب لثمانية أطفال يسكن غرفة صغيرة، ولديه طفلتان أصيبتا بالحمى.
يقول حسن لموقع صوت المهمشين والدموع تملأ عينيه: “بنتاي أُصيبتا بالحمى، فرهنت الذهب في البداية، وفي المرة الأخرى دعمتني مبادرة الأهالي وإسنادهم لي بجمع التبرعات، ولولاهم لفقدت ابنتيَّ”، ويؤكّد حسن أن أقسى شعور تمر به هو العجز عن علاج ولدك. وطالب حسن الجهات المختصة بالتدخل العاجل لإنقاذ حياتهم من الأمراض المنتشرة وتشغيل المراكز الصحية بمختلف المناطق لتخفيف المعاناة عن المواطنين وتوفير مساكن للعزل حتى يُفصل المرضى ويعزلون لكيلا تنتقل العدوى.
تحديات قيد الإهمال
مساكن المهمشين المرمية على قارعة الطرقات تعاني الإهمال الصحي والخذلان المجتمعي، حتى إن الحكايات والمآسي تتشابه بين عدة أسر من الفئة المهمشة نفسها.
حكاية أخرى تكررت أحداثها مع فؤاد، وهو أب لطفل لم يتجاوز السنتين. يقول لصوت المهمشين: “مرض ابني بحمى وإسهال وغثيان، فعجزت بداية الأمر عن إسعافه؛ إذ لا يوجد مركز متخصص قريب إلا بالمدينة، مما اضطررني أن أقطع مسافات طويلة مشيا، وأستدين للمواصلات إلى المدينة لإنقاذ حياته”.
ويضيف فؤاد: “كنتُ أعجز عن شراء الأدوية التي يقررها الطبيب، وأحياناً أشتري نصفها، حتى قمت برهن الجوال وشراء العلاج”، وقال فؤاد بحسرة: “عندما يسعف أحدنا ولده أو قريبه للمستشفى أحيانا لا يجد قيمة العلاج، والمستشفيات الخاصة أصبحت بلا رحمة. ولم يعد أمامنا إلا انتظار الموت فقط”. وأضاف: “يجب أن يكون هناك حلول جذرية لردم المجاري والبلاليع المكشوفة وحملات النظافة والرش الضبابي والتعقيم وتغطية خزانات المياه وتوزيع ناموسيات”، كما يتساءل: “أين الدعم الذي تقدمه المنظمات باسم مكافحة الحميات والأوبئة ونحن بهذا الحال نعجز عن شراء حبة العلاج؟!”.
مناشدات طارئة
من جهته قال الأمين العام للاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقراً فرع تعز الأستاذ صالح عبده صالح: “مشاكل كثيرة يواجهها المهمشون في مختلف الجوانب، لكن الوضع الصحي الآن أخطر، ويجب أن تكون هناك حلول طارئة؛ لأنهم يعيشون أوضاعا مأساوية في ظل إهمال كل السلطات، وهم الفئة الوحيدة تقريبا المتضرّرة من الحميات، وحالتهم مزرية للغاية مما يزيد من تفاقم الأوضاع”.
وقال صالح: يجب أن تكون مراكز الحميات بين سكان المهمشين من أولويات السلطة المحلية في تعز وأن تكون مدعومة بشكل أكبر وأن تكون العلاجات مجانية بسبب الظروف الصعبة. وناشد الأمين العام لاتحاد المهمشين فرع تعز المنظمات الحقوقية ووزارة الصحة بتوفير مراكز متخصصة للحميات في المديريات وتوفير العلاجات الخاصة بها لأنها تخفف من معاناة المهمشين.
مصادر حكومية: “انتشار الحميات بين المهمشين يزيد من معاناتهم”
يقول د. عبد الرقيب سعيد مدير وحدة الضياء الصحية: “هناك انتشار واسع للحميات بشكل عام بسبب اختلاف الجو وتزايد البعوض من المجاري المكشوفة وخزانات المياه وتكديس القمامة”، وأكد د. عبد الرقيب أن انتشار الحميات في أوساط المهمشين يزيد من معاناتهم؛ إذ لا يجدون تكاليف علاجهم وليس لهم نظام صحي معتمد. وأضاف نحن بدورنا نقوم بتوزيع ما يصل إلينا من مكتب الصحة مجانا، ونقوم بتحويل الحالات إلى مراكز متخصصة بالمدينة.
ستبقى الحميات خطرا يهدد حياة اليمنيين عموما والمهمشين خصوصا، ومعاناتهم ستتفاقم إن لم تتفادى بحلول طارئة وبدون عنصرية وتمييز.