“الوضع مزري ومأساوي للغاية” بهذه العبارة يلّخص مندوب النازحين في مخيم ‘البيرين’ جنوب تعز، محمد حسن (35 عاماً)، لموقع “بلقيس”، واقع الحال وطبيعة المُعاناة والوضع الكارثي الذي تعيشه مئات الأسر النازحة والمُقيمة فوق مقبرة قديمة، وذلك جراء الحصار المتواصل، الذي فرضه سكان المنطقة الأصليين على هؤلاء المشرّدين، لإجبارهم على إخلاء الأرض التابعة لأوقاف الدولة، التي نزحوا إليها قبل عدّة سنوات.
تستوعب مقبرة ‘البراق’، منذ مطلع العام 2016، النازحين من عدّة مناطق، بينها: ‘الكدحة’ و’مقبنة’ و’البرح’ و’جبل حبشي’ و’الوازعية’، ويأملون -بعد ست سنوات من النّفي الإجباري- بالعودة إلى ديارهم، والخلاص من أساليب الأهالي، الذين تمادوا عليهم بالاعتداءات، والسّب، والألفاظ المُسيئة والجارحة، ومنعوا أطفالهم من الذّهاب إلى المدارس، والتعلّم فيها.
يعيش هؤلاء النازحون مأساة مركَّبة، ففي حين يعانون من تداعيات الحرب، والمواجهات، ومرارة التشرّد، والحرمان، والغربة، والبُعد عن منازلهم، وحقولهم، وأعمالهم، ومصادر رزقهم، ودخلهم، وغياب فرص العمل، والخدمات، وتفشِّي الفقر، والبطالة، والأميّة، والأمراض، والأوبئة، وتردّي الأوضاع المادية، والمعيشية، والصحية، والإنسانية، بشكل مرئع، يشكون هؤلاء غطرسة السكان المحليين، وتبعات الحصار الذي يفرضونه عليهم منذ أواخر العام الماضي.
منع أهالي المنطقة، أيضاً، وصول المنظمات الإنسانية ل360 أسرة نازحة، وقطعوا عنها المساعدات الإغاثية، الغذائية، والصحية، وغيرها، كما منعوا تلك الأسر من الاحتطاب، وجلب المياه من الآبار ما فاقم من معاناتها، وعرّضها للجوع، والعطش، والبرد، والخوف من المجهول، ودفعها نحو المزيد من البؤس، والشقاء، والعوز، وشدّة الحاجة للغذاء، والدواء، والماء، والغاز المنزلي، والمأوى، والفُرش، والبطانيات، والملابس، وغيرها من متطلّبات العيش والبقاء.
يستعرض حسن لموقع ‘بلقيس’ سلسلة الممارسات التعسفية والانتهاكات التي يرتكبها أهالي المنطقة ضد نازحي مُخيم ‘البيرين’، وذلك للضغط عليهم وإجبارهم على مغادرة الأرض التي يقيمون عليها.
لا يجد هؤلاء النازحون بديلاً، كما يصعب عليهم الانتقال إلى مناطق أخرى، واستئجار منازل، ما جعلهم عُرضة للمزيد من القهر، والإذلال، والفاقة، وتعسف وتعنًت السكان الأصليين، الذين عزلوهم عن المناطق المحيطة، ومنعوا عنهم سُبل العيش، وقيّدوا تنقلاتهم، وأعاقوا وصولهم إلى مصادر المياه، والرزق، والحطب، وأوقفوا عنهم جميع المساعدات، ومنعوا المنظمات الإنسانية، والعاملين الإنسانيين، وفاعلي الخير، والمؤسسات، والجمعيات الخيرية من الوصول إليهم، وجمّدوا كافة الأنشطة، والأعمال الإغاثية في المنطقة، وعرقلوا كافة المساعي، والمحاولات الهادفة إلى التخفيف من معاناتهم، وتفقد أحوالهم، وتلمّس احتياجاتهم.
احتياجات
يفتقر هؤلاء النازحون لكافة مستلزمات الحياة، وتخلو خيامهم من القمح، والدقيق، والأرز، والسكر، والشاي، وزيوت الطبخ، وغيرها من السلع الأساسية، في حين يفتقرون للمال، كما يصعب عليهم الحصول على فرص عمل، وتأمين قُوت الحياة الضروري، وتوفير أبسط الوجبات الغذائية، وأيسرها، لإطعام أطفالهم، ونسائهم، الأمر الذي أجبرهم على كسب لقمة العيش من خلال اللّجوء إلى أساليب مُهينة ومُسيئة لكرامتهم، وكبريائهم، واستجداء الآخرين، وطلب مساعدتهم في تأمين كِسرة خبز يابسة، والحد الأدنى من الزّاد.
يئِنون من هول مصابهم، ويبثون شكواهم هنا وهناك، ويطلقون بين حين وآخر نداءات استغاثة، ولكن لا أمل يلُوح في أفقهم القاتم، ولا بوادر لأي تحرّكات جادة لوقف ممارسات وضغوطات الأهالي، التي تتم بتواطؤ رسمي ملحوظ، كما تحظى بتأييد ومباركة السلطة المحلية، والمكاتب الحكومية في المنطقة، التي تنحاز للأهالي، وتُشرعن أساليبهم وانتهاكاتهم وتتضامن مع مطالبهم، وتضمّ صوتها لصوتهم، وتتخلّى عن مسؤوليتها القانونية والأخلاقية تجاه النازحين، وتدعوهم إلى مُغادرة المكان، وبدْء رحلة تشرّد ونزوح جديدة.
يذكر حسن لموقع “بلقيس”: “لجأنا للسلطة المحلية في المنطقة، وقدّمنا لها شكوانا، فتجاهلت الأمر، ولم تعرنا أي اهتمام، ولم تلتفت لمعاناتنا، ورفضت التدخل لإنقاذنا، ورفع حصار السكان المحليين عنا، ووقف ممارساتهم التعسفية، وانتهاكاتهم، وتسهيل وصول المساعدات إلينا”.
في مُخيم ‘البيرين’، يضع أهالي المنطقة أنفسهم موضع الآمر الناهي، ويستقوون على النازحين الضعفاء، ويصادرون حُرياتهم، ويسلبونهم حقوقهم، ويجردونهم من سُبل العيش، ويوقفون عنهم كافة المساعدات، ويمنعون جميع المنظمات من زيارة المخيم، وإمداده بأبسط المتطلبات المعيشية.
يعرقلون وصول الماء، والطعام، والغاز المنزلي، والحطب، وغيره، يحدث ذلك على مرأى ومسمع من الجهات الحكومية في المنطقة، التي تتجاهل معانات مئات النازحين، وترفض التدخل لرفعها عنهم، كما تتنصل عن مسؤوليتها في إيجاد مكان بديل لهم، ونقلهم إليه، وتتركهم رهينة لعذاباتهم اللا متناهية، والتدهور المأساوي، والمتسارع لأوضاعهم، كما تقول مصادر متطابقة لموقع “بلقيس”.
لا أحد يقف إلى جانبهم، ويمد يد العون لهم، أو يتحرّك لنجدتهم، ومساندتهم في محنتهم، التي يترنحون تحت ثقلها، وشدة وطأتها، ويواجهون تبعاتها الكارثية بمفردهم، فيفترسهم الموت، والجوع، والمرض، والجهل، والبرد، والأمطار، والضمأ، وسط مكان مُقفر، ومعزول، وبعيدٍ عن الأنظار، ومقطّع الأوصال، إذْ يصعب عليهم فيه التواصل مع الجهات الحكومية الأخرى، والمنظمات، والمعنيين بالشأن الإنساني، وإيصال أصواتهم إلى نطاق واسع، بدلاً عن التواصل المحدود، والتردد المستمر على المجلس المحلي، الذي بدا موقفه صادماً للنازح خالد أحمد (45 عاماً)، الذي نقل لموقع “بلقيس” رد المجلس، الذي أكد لممثلي النازحين في إحدى زياراتهم لمقره أن كل شيء موقوف عنهم، حتى يغادروا المقبرة.
تخاذل رسمي
يستغرب أحمد من انحياز المسؤولين المحليين للجلاد، وتخلّيهم عن الضحية، وتطرَّق للتبعات الكارثية لممارسات الأهالي، والتخاذل الرسمي المحلي، التي ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة، وحرمتهم من المواد الغذائية الأساسية، التي كانوا يتلقونها شهرياً، وفاقمت من حسرتهم، وجوعهم، وعطشهم، وجعلتهم عاجزين عن تأمين قوتهم الضروري اليومي، وإعداد وجبات بسيطة، وغير مكتملة.
بلغ بهم الوضع إلى حد العجز عن إعداد أقراص الخبز، وتحضير الشاي، والقليل من سحاوق الطماطم، وهي أبسط الوجبات التي لم تعد أسرة النازح الخمسيني علي عبده قادرة على الحصول عليها، لإشباع بطونها الخاوية، وتزويد أجسادها المنهكة بالقليل من الغذاء، والطاقة، والدِّفء.
يلفت عبده إلى أن الظروف المعيشية له ولعائلته قد أضحت اليوم في غاية السُّوء، والتعقيد، ويعترف بشدّة فاقته، وقلة حيلته، وعجزه شبه التام عن إطعام أطفاله، وتلبية الاحتياجات البسيطة، والضرورية لأسرته، التي تغرق في وحل شقائها، وتبيت لياليها الباردة، والممطرة، في خيمة متهالكة، ومفتقرة للطعام، والضوء، ووسائل التدفِئة.
يخوضون رحلة بحث شاقة وراء الماء، والغذاء، إذ يتسوّلون، ويزاول أطفالهم العديد من الأعمال، بما فيها الأشغال الشاقة، وذلك لتأمين القليل من الطعام اللازم لسد رمقهم، فيما يتوجَّهون سيراً على الأقدام الحافية نحو الآبار، ويستجدون أصحابها القليل من المياه، لكنهم يمنعونهم من تعبئة أوانيهم البلاستيكية.
يقول النازحون إن الأهالي يمنعونهم من الوصول إلى الآبار القريبة، وتعبئة أوانيهم بالمياه اللازمة للشرب، والنظافة، ما يجعلهم عُرضة للعطش، والأوساخ، التي تعلو أجسادهم، وملابسهم، وتعرضهم للقمل والكُتَن، والحشرات، ومخاطر الأوبئة، التي تجد في المُخيم بيئة خصبة لتفشي العديد منها، بما في ذلك فيروس ‘كورونا’ المُميت.
يناشدون اليوم الحكومة الشرعية، والسلطات المحلية في المحافظة، والمنظمات الدولية، والمراكز الحقوقية، والناشطين الحقوقيين، والمؤسسات الإنسانية، والمهتمين، والمعنيين بالشأن الإنساني، الالتفات والنظر بعين الاعتبار لما يحدث للنازحين في مُخيم ‘البيرين’، والتحرّك الجاد لحل المشكلة.
موقع بلقيس