في منتصف الليل يُطرق الباب بقوة، تدخل ا. س. ع. المنزل وهي تصرخ وعليها علامات ضرب مبرح وكدمات على عينيها ووجهها، وتكشف عن جسدها لتُري والدتها آثار الضرب، ولترد على سؤال والدتها: ماذا حدث؟ بقولها: “ضربني زوجي، وطردني من المنزل”.
تنتابها حالة من البكاء الشديد بسبب ما حدث لها، فهي ليست المرة الأولى التي تمتد يد زوجها لضربها، فقد سبق أن انهال عليها بالضرب أكثر من مرة، وكانت تنتهي بالاعتذار والصلح لتعود إلى منزلها، وتتواصل المعاناة من جديد.
تقول ا. س. ع.: “رغم ما أتعرض له من تعنيف وضرب، أضطر للعودة إلى منزل زوجي، فلديّ أطفال لا أستطيع تركهم، وعندما أطالب بالطلاق، يهددني بأخذ أولادي مني، فأستسلم لممارساته المستمرة”.
لم تكن ا. س. ع. الوحيدة التي تتعرض للعنف النفسي واللفظي والجسدي، بل هناك كثير من النساء المهمشات عرضة للعنف الأسري، ومع عدم سن قوانين تجرّم ارتكاب مثل هذا التعنيف، تزداد نِسَبُ النساء والفتيات المهمشات المعنفات أسريًا في المجتمع اليمني.
نسيم أحمد (اسم مستعار) أُجبرت على العيش مع زوجها الذي يعنفها جسديًا ولفظيًا نتيجة عدم تقبل أهلها فكرة الانفصال، وتقول في حديثها لصوت المهمشين: “كل مرة كنتُ أهرب فيها إلى أهلي بسبب تعنيف زوجي لي، أواجه تعنيفًا آخر من أسرتي، فهي ترفض قبولي أنا وأطفالي، ويبدأ وقتها أبي بنصحي: “اصبري، سيتغير، المرأة ليس لها مكان إلا بيت زوجها، من سيصرف عليكِ أنتِ وأبنائك؟”. حينها أقرر العودة إلى الظلم من جديد”.
تسلط الذكور ثقافة مجتمعية
تقول عائشة محمد، احدى المهمشات: “إنها الثقافة السلبية التي ربّت عليها بعض الأسر أبناءها، والتي ترى أن السلطة دائما بيد الرجل وأن المرأة خاضعة لهذه السلطة، فنجد الأخ يصرخ على أخته، وفي بعض الأوقات يطال الصراخ والدته، وللأسف يجد من يبرر تصرفاته بأنه رجل ويجب على الجميع الخضوع له، الأمر الذي يجعل فكرة التعنيف الأسري فكرة مقبولة تُمَارس بكل حرية في المجتمع.
وأشار الناشط الحقوقي شكيب العامري إلى عدد من الأسباب التي تؤدي إلى زيادة حالات العنف الأسري في فئة المهمشين، وأهمها: الأمية، وغياب التعليم، وتدني الوعي الحقوقي في فئة المهمشين، بالإضافة إلى العزلة الاجتماعية التي يعيشونها بعيدين عن الأعراف الرادعة والقوانين.
وأفاد العامري أن ظاهرة العنف الأسري خطر يهدد حياة الفتاة المهمشة بسبب ثقافة المجتمع السائدة التي ترى أن الفتاة حِملٌ ثقيلٌ على عاتق الأسرة، الأمر الذي يجعلها تتحمل مسؤوليات كثيرة، والبعض منهن يحرمن من التعليم، وأخريات يتزوجن في سِن مبكر.
ويضيف العامري: “تلجأ بعض الأسر لممارسة العنف اللفظي تجاه بناتهم وإرغامهن على الخروج للعمل، ويتجه عددٌ كبير منهن للتسول بسبب العنف الممارس عليهن من قبل الأسرة، لتنتقل بذلك إلى عنف آخر يواجهها في الشارع”.
آثار نفسية
أوضحت أحلام عِزّي اختصاصية نفسية أن النساء والفتيات يتعرضن بشكل عام في اليمن لأشكال متعددة من العنف الأسري، الأمر الذي انعكس سلبًا على صحتهن الجسدية والنفسية وعلى المجتمع بشكل عام، وتؤكد أن التعنيف الأسري للفتيات والنساء يتسبب بحالةٍ من الشعور بعدم الأمان، والخوف، والقلق، وانتقاص الذات، ويصل الحال بعدد كبير من النساء إلى الاكتئاب الشديد، الذي يقوم بدورة في الانعكاس سلبًا على تعامل المرأة مع أطفالها ومع الآخرين.
وتضيف عِزّي أن الوضع الراهن في البلاد وانهيار الاقتصاد وتسريح عدد من الرجال من العمل تسبب بضغوط نفسية كبيرة، وجعل عددًا كبيرًا من الرجال يمارس العنف الأسري بصفة مستمرة وبأنواعه المختلفة: عنف لفظي، وجسدي، ونفسي، ومن المعروف أن فئة المهمشين من فئات المجتمع الأشد فقرا والتي تعاني من أوضاع معيشية خانقة، ونتج عن ذلك عنف تجاه زوجاتهم وفتياتهم.
حلول العنف الأسري بين فئة المهمشين
أشار نبيل عبد الله (٤٥ عامًا) إلى ضعف اهتمام الجهات المختصة والمسؤولة في حالة وصول بعض القضايا المرتبطة بالعنف الأسري. ويقول: “في حال وصول حادثة لتعنيف المرأة أسريًا إلى أقسام الشرطة، يُتعامل معها باستخفاف وعلى وفق القاعدة السائدة في المجتمع “هم أخدام بيسدوا”، فيلجأ أفراد هذه الفئة لحل المشكلة القائمة فيما بينهم عن طريق الصلح، فالبعض يذهب إلى منزل أهلها، والبعض تبقى في المنزل ويحصل الصلح وإعادة المياه إلى مجاريها”.
وفي السياق نفسه، أكدت خولة سليمان، احدى المهمشات، أن حلول العنف الأسري عند فئة المهمشين عادةً لا تحتاج إلى تدخل الحكومة أو القضاء، فكثير منهم يختارون أبسط الحلول بنصح الزوجين أو توجيه أحد الطرفين بترك المسكن لفترة من الزمن، وبعض الأسر تلجأ إلى عاقل الحارة ومن ثم يشارك في معالجة القضية.