سوءُ الأحوال المعيشية وتراكم الأزمات وارتفاع تكاليف المعيشة، كل ذلك جعل الإنسانَ اليمني في الوقت الحالي يتعامل مع الزواج وتأسيس العائلة بوصفها مسؤولية كبيرة، وغالبًا ما يتوجّس من إنجاب الأطفال، نظرًا لكثرة الالتزامات الأسرية وصعوبة تربيتهم، ومؤخرًا بدأ معظم الناس يتجهون نحو التنظيم الأسري للتقليل من عملية الإنجاب، وقد يختلف الأمر عند طبقات فقيرة بعيدة عن برامج الوعي المجتمعي؛ إذ نلحظ ارتفاع نسبة المواليد في أوساطهم على الرغم من إمكاناتهم المادية الضعيفة.
ولوحظ أيضا في السنوات الأخيرة زيادة ظاهرة الزواج المبكر في أوساط المجتمعات الفقيرة مثل المهمشين، وهناك أيضا تزايد كبير في عملية الإنجاب، وأصبحت التجمعات السكانية للمهمشين مكتظة بالأطفال، حيث لا يقل إنجاب الأسرة الواحدة فيها عن 5 أطفال متتابعين عمريًا بين فترات قصيرة، الأمر الذي ضاعف حجم المسؤولية لدى أرباب تلك الأسر.
عشوائية الإنجاب تحرم الأطفال من الحياة الكريمة
عند زيارتنا لأحد التجمعات السكانية للمهمشين وسط مدينة تعز بمديرية القاهرة في منطقة الضربة، صادفنا عددا كبيرا للغاية من الأطفال تتفاوت أعمارهم بين الثالثة والعاشرة، وبحسب العاقل عمر قائد علي، يصل عدد سكان ذلك التجمّع إلى 400 فرد، وتفوق نسبة الأطفال النصف منهم بحوالي 220 طفلاً.
ويقول عمر لصوت المهمشين: “إن الإنجاب في المجتمع اليمني عموما والمهمشين خصوصا عشوائي، وثقافة تنظيم الأسرة غائبة عند المهمشين”، ويذكر أنه وأبناء جلدته يتعاملون مع العلاقة الزوجية ببساطة ساذجة، ولا يولون أهمية كبيرة للحمل المبكر والإنجاب.
يدير عمر شؤون ذلك التجمّع بصفته عاقلَ حارة، ويعرف الأسر التي تعيش فيه عن قرب، ويلحظ الإنجاب العشوائي لديهم، بل إنه نفسه اتخذ ذلك الطريق لعدم إدراكه لضرورة تنظيم الأسرة كما يقول، فمنذ أن تزوج قبل سنوات قليلة وإلى الآن، أنجبت زوجته 9 أبناء متتابعين بينهم فترات زمنية قصيرة، ولا تمر نصف سنة على المولود حتى يحدث حمل جديد.
“منذ أن تزوجت، أهملت تنظيم الأسرة، ولم آخذه على محمل الجد؛ لأننا لم نكن نعي أهميته وبأن كثرة الأطفال مسؤولية جسيمة، لكننا نعتزم حاليًا على وقف الإنجاب، لنتمكن من تربية أولادنا بما يستحقون”، يضيف عمر.
تقول جميلة صالح (من الساكنات في تجمع المهمشين): إنها منذ أن تزوجت أنجبت 7 أبناء، وإنها تواجه صعوبة كبيرة في تربيتهم، خصوصًا أنهم جميعا ما زالوا أطفالاً، وفي بعض الأوقات لا يستطيع زوجها، الذي يعمل إسكافيًا، توفير كل متطلباتهم واحتياجاتهم أو شراء المستلزمات الدراسية لمن يدرس منهم.
وتتابع جميلة لصوت المهمشين: “لم نفكر أنا وزوجي في إنجاب القليل من الأبناء، لأننا لم ندرك بأننا سنكون أمام مسؤولية كبيرة، لكني قبل فترة اقترحت على زوجي وضع حل لنتوقف عن الإنجاب، وسأذهب لزيارة الأطباء إذا تمكن من توفير المال لذلك أساسًا”.
تتعاظم المسؤولية
تتعاظم المسؤولية وترتفع تكاليف التربية والتنشئة والتعليم كلما كثُر الأبناء، هذا الأمر بالنسبة للمجتمع عامة، فكيف بفئة تعيش فقرًا مدقعًا يثقل كاهل رب الأسرة ويضعه أمام مسؤولية كبيرة في تربية أبنائه وتعليمهم وتوفير احتياجاتهم؟! لا سيما إن كانوا جمعيها في سن الطفولة المبكرة عند تتابع الإنجاب.
يتابع عمر لصوت المهمشين: “أصبحتُ أواجه صعوبة كبيرة في تربية أطفالي التسعة وتعليمهم، وشعرت أن مطالبهم كثرت، لكنني لا أستطيع توفير سوى الأساسي والضروري من مطالبهم، ولدي ثلاثة أبناء فقط يدرسون”. ويضيف: “المهمشون بشكل عام لا يفكرون في أثر الإنجاب العشوائي وكثرة الأبناء، وأن الأطفال بحاجة إلى التعليم وتربية حسنة. إنهم يدعون كل ذلك لله الرزّاق”. ويلفت إلى أن المهمشين يعيشون بعشوائية، وليست لديهم طموحات وأهداف في حياتهم.
غياب الوعي
تواجه فئة المهمشين تمييزًا عنصريًا في مجتمعٍ يصنّفهم طبقة اجتماعية دونية، وهو ما انعكس عليهم اقتصاديًا، وجعلهم يعيشون الفقر والإهمال وصعوبة في الالتحاق بالتعليم، وهو ما أدّى إلى انتشار الجهل بشكل كبير، بالإضافة إلى عدم وعيهم بجوانب كثيرة في الحياة منها ضعف الوعي بتنظيم الأسرة، كما يقول الناشط الاجتماعي أمجد العزاني.
ويضيف العزاني لصوت المهمشين: “السبب الرئيس الذي يقف خلف كثرة الإنجاب عند هذه الفئة يتمحور في غياب الوعي في تنظيم الأسرة وتنظيم العلاقة الزوجية، وإن وُجِد الوعي لدى البعض، فتبقى مشكلة الفقر الذي لا يمكّنهم من زيارة الأطباء المختصين والعمل على التنظيم أو شراء الأدوية اللازمة لمنع الحمل والحد من الإنجاب المتكرر”.
ويشير العزاني إلى أن هناك سببًا آخرًا، وهو أن الأقليات عموما يشعرون بقلة العدد، وهو ما يدفعهم إلى الإنجاب العشوائي والزواج المتعدد، ويجهلون تأثير ذلك على الرعاية والتربية، لكن عمر لا يتفق مع هذا الرأي، ويرجع السبب الأساسي إلى غياب الوعي لدى المهمشين بأهمية تنظيم الأسرة وتطوير حياتهم وحياة أبنائهم.
ضعف النظام الصحي
تذهب الدكتورة العنسي إلى أن هناك إشاعات متداولة بأن أساليب وأدوية منع الحمل غير صحية وتسبب العقم، وتؤكد أن هذا غير صحيح على الإطلاق، وترى ضرورة إنشاء مراكز صحية لنشر الوعي بخصوص تنظيم الأسرة وأهميته ودحض تلك الإشاعات، إلى جانب الاهتمام بالصحة الإنجابية، وتذكر أن قلة المراكز حاليًا في المدينة يؤثر على عملية تنظيم الأسرة؛ لأنها تقدم توعية للأم الحامل بالعمل على التنظيم مستقبلًا، وفي حال حدوث الحمل فإنها ضرورية أيضًا للأم الحامل وطفلها، لأنها تقلل من عدد الوفيات والتشوهات لدى الجنين.
وفي هذا الصعيد، ترى الدكتورة صفية العنسي اختصاصية النساء والولادة أن تنظيم الأسرة يُعدّ ضروريا للمجتمع كله، وذلك من منطلق اجتماعي لما يشكل كثرة الأطفال من زحام في المدارس وغير ذلك، واقتصادي يكون هناك رعاية وعناية حقيقية للأطفال بأقل جهد وتكاليف، وعلى مستوى الأم أيضًا؛ إذ كلما قل الإنجاب، كانت صحة الأم أحسن. وتتابع في حديثها لصوت المهمشين: “هناك عدة وسائل لتنظيم الأسرة للحد من الإنجاب، مثل استخدام الحبوب وإبر منع الحمل واللولب، وهناك طرق ذاتية بين الزوجين أثناء ممارسة العلاقة الزوجية”.
وتقول الدكتورة العنسي: “إن قلة الوعي بأهمية تنظيم الأسرة هو سبب تزايد الأطفال والإنجاب المفرط، إضافةً إلى تباهي بعض الأسر بكثرة أطفالها”، وتشير إلى أنها صادفت نساء من فئة المهمشين كن مستاءات من تأخر الحمل لعامين وتطلب لذلك علاجًا، وهذا غريب جدا إذا عرفنا أنهن قد أنجبن عددا من الأبناء أساسًا.