في ظل غياب التوعيةِ المجتمعية بتعليم الأطفال، تعيش الفئة الأشدُ فقراً من ذوي البشرة السمراء في المجتمع اليمني “المهمشين” أوضاعاً معيشية وتعليمية سيئة للغاية، وذلك في ظل انعدام التعليم ونقص التوعية التعليمية.
لا يوجد أي اهتمام بالتعليم في معظم التجمعات السكنية للمهمشين المكونة من العشش المبنية من القش وبقايا الإطارات والأخشاب المتهالكة التي يتخذون منها مساكن لهم بمعزل عن المجتمع والذي يمارس بحقهم التمييز والعنصرية المبنية على أساس لون البشرة والعرق.
غالبية المهمشين غائبون عن أجندات المنظمات الحقوقية من أجل تعليمهم وتأهليهم، مع غياب كلّي للتوعية في ظل تسرب الأطفال من المدارس؛ إذ يذهبون للعمل من أجل توفير لقمة العيش، ورغم أن نسبة تسرب الأطفال من المدارس في زمن الحرب ارتفعت في اليمن عموما، لكنه في فئة المهمشين كان أكثر.
معاناة وحرمان
عبد العزيز مسفر (37 عاما) – أحد المهمشين بمدينة سيئون في حضرموت – أب لخمسة أطفال يعول أسرته في ظل وضع إنساني متدهور، ويعمل في حياكة الأحذية بجهد يومي شاق، ويصعب عليه توفير أدنى متطلبات الحياة. يقول مسفر في حديث لصوت المهمشين: “قمتُ بتسجيل اثنين من أطفالي للدراسة بداية هذا العام الدراسي، وسوف أبذل ما بوسعي لمواصلة تعليمهم”.
ويعتقد مسفر أنه أمام مهمة ليست سهلة من جهة التكاليف المادية، لكنه يتحدث بإصرار ومرارة عن عزمه مواصلة تعليمهم بالقول: “سوف أستمرّ رغم ظروف الحرب القاسية وارتفاع الأسعار وتدهور العملة الوطنية التي قصمت ظهر المواطن، وخصوصاً فئة المهمشين الذين لا توجد لديهم أعمال أو وظائف حكومية”.
وأشار مسفر إلى أن تسرب أطفال المهمشين من المدارس وعدم مواصلة تعليمهم أدى إلى عدم مقدرتهم على الاندماج في سوق العمل لإعالة أسرهم، لافتا إلى أن أسر الأطفال لا يوجد لديهم منازل كبقية المجتمع، كما لا توجد لديهم وظائف حكومية، وليس هناك منظمات تدعمهم للاندماج في المجتمع.
لا أحد يكترث بالتوعية بالتعليم
في محافظة حضرموت (شرق اليمن) -وهي المحافظة اليمنية الأكبر في المساحة- تفتقر معظم أسر أطفال المهمشين إلى التوعية الكافية بشأن أهمية التعليم، والتي من شأنها أن تساعدهم في صناعة وعي بضرورة استمرار تعليم أبنائهم وبناتهم في المدارس الابتدائية والأساسية وحتى وصولهم إلى الجامعات لكي يلتحقوا بركب الحياة العصرية.
ويقول مفيد محمود غالب (باحث متخصص في الفئات المهمشة): “هناك قصور قد يصل إلى حدّ تغييب المنظمات والمؤسسات والتغطية الإعلامية والعمل على توعية المهمشين ورفدهم بالمعلومات المتعلقة بضرورة التحاق أطفالهم بالتعليم”.
وأضاف في حديث لصوت المهمشين “كثير من أطفالهم يتركون التعليم في سن مبكر ويتجهون إلى أعمال شاقة أحيانا، منها جمع الخردة، ونظافة المدينة، وحياكة الأحذية”،
وأشار أيضا إلى أن منظمات المجتمع المدني بعيدة من قضايا المهمشين وتعطي جُل اهتماماتها لقضايا اجتماعية أخرى أقل أهمية، ولا تُعنى بقضية التحاق المهمشين بالتعليم، وهم بحاجة ضرورية إلى توعية واسعة.
وقال مفيد: “خلال بحثي في قضايا المهمشين، لاحظت أن هناك كثيرا من الأسر المهمشة تجعل أطفالها يتركون التعليم ويبحثون على أعمال، ومنها جمع الخردة ونظافة الشوارع وحياكة الأحذية نظرا لتدهور الأوضاع وارتفاع الأسعار وفقرهم الشديد”.
المهمشون والمدارس الحكومية
يرى مدير مدرسة الزبيري بحضرموت خميس حداد أن المنظمات المحلية تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في تثقيف المهمشين وتوعيتهم بضرورة الالتحاق بالتعليم، وذلك بتخصيص ورش عمل وبرامج موجهة وباستضافة شخصيات من الفئة نفسها عبر تلك المنظمات ومكاتب التربية المختلفة لإشراكهم والعمل على التوعية فيما يخص ضرورة تعليم أبنائهم وبناتهم لكي يلتحقوا بركب الحياة المجتمعية.
وقال في حديث لصوت المهمشين: “لا نستطيع القول إن المدارس الحكومية تتعامل بتمييز مع أطفال المهمشين، لكنهم يعيشون في موقع غير بيئة الناس، وغالبا ما يكونون في الشارع، وبالتالي يؤثر هذا على سلوكيات التحصيل”.
وأضاف: “مثلا طالب مهمش يدرس إلى الساعة الحادية عشر، ويخرج من المدرسة إلى الشارع ولا يوجد لديه منزل أو سكن ، فيخرج للبحث عن لقمة العيش، ويذهب إلى مكب النفايات والبعض يذهب لجمع الخردة لبيعها. ذلك يؤثر على جانب التحصيل “، وتابع: “تظل المدرسة بالنسبة له عبارة عن تمضية مرحلة معينة لا قضية مستقبل، وبعض أطفال المهمشين يدرس إلى الصف الخامس، وقليل منهم يواصل تعليمه إلى الصف السادس “.
وقال خميس حداد: “إن بعض أسر المهمشين تتأخر عن تسجيل أبنائها حتى يكونوا فوق سن العشر سنوات، ونحن نرفض تسجيل هذا السن، لأنه سوف يعطل سلوك من هو أصغر منه، وبالتالي يجب على المنظمات والحكومة العمل على بناء مدارس خاصة بهم وتوعيتهم بأهمية التعليم”.