الفتيات المهمشات.. الفقر وحياة الشارع يجعلهنّ عرضة للاعتداء الجنسي والاستغلال

عصر يوم الثلاثاء 23 نوفمبر/ تشرين ثاني 2021 في شارع جمال وسط مدينة تعز (جنوب غرب اليمن) اعتُدي على الفتاة “أيام أحمد نعمان” (15 سنة) من فئة المهمشين. كانت تبكي بصوتٍ عالٍ ودموعها تتساقط من عينيها، وسط زحمة الناس، بعد الاعتداء عليها، ومن المصادفة أن مراسل “صوت المهمشين” كان بالقرب من الحادثة. فسأل الفتاة عما حدث لها، فقالت: “إن شابا ثلاثينيا حاول التحرش بي، وقمت بمنعه، فضربني في الشارع أمام الناس، حتى سقطت الأرض”.

 

وعقب ذلك، حضرت أم الفتاة على الفور وذهبت إلى قسم الشرطة المجاور لتقديم الشكوى لمعاقبة الجاني والمعتدي وهو معروف للجميع، وقد ذكرت الفتاة أن الشاب تعرّض لها بينما كانت تبحث عن طعام بجوار أحد المطاعم.

 

وتنتشر النساء والفتيات المهمشات بشكل لافت في الشوارع، وذلك للبحث عن الطعام، والتسوّل من المارة في الشوارع، وهو ما يجعلهن عرضة للاستغلال والتحرش والاعتداء الجنسي، إما بالإغراء بالمال، وإما بالقوة والتهديد.

عنف وفقر واستغلال

تعاني الفتيات من فئة المهمشين عنفا مزدوجا في حياتها اليومية، ويتمثل ذلك بحرمانهن من حقوقهن في التعليم ودفعهن للخروج إلى الشارع للتسول أو للعمل في مهن شاقة لساعات طويلة، وبسبب غياب الحماية ووضعهن الاجتماعي الضعيف لكونهن من السود، يتعرضن للتحرش بشكل كبير أو الاستغلال الجنسي من خلال أغرائهن بالمال وغير ذلك.

 

ويرى أحمد عبد الكريم (مواطن من المهمشين في تعز) أن انتشار ظاهرة التحرش والاعتداء على الفتيات من المهمشين سببه نظرة المجتمع الدونية ولكونهن الطرف الأكثر ضعفاً بالإضافة إلى أن الفقر جعلهن في الشوارع بشكل مستمر ولإهمال أسرهن، وذلك لمعرفتهم بما يتعرضن له من مخاطر  من دون القيام بأي دور لحمياتهن.

 

وقال في حديث لصوت المهمشين: “تظل الفتيات في الأسواق والشوارع لساعات طويلة قد تصل إلى عشر ساعات، ويحدث أحيانا أن تُساوم فتيات ويُختلى بهن في منازل خاصة مقابل مال، وبعضهن تحمل مولودا فيتم إجهاضها والتكتم من قبل أسرتها”.

 

كما حدث لـ”ليالي” ذات الثمانية عشر عاما (الاسم مستعار)، فقد تعرّضت للاغتصاب من ثلاثة شباب معروفين، وأُبلغ عنهم الأمن في مركز مديرية الشماتين بمحافظة تعز، لكن الضحية لم تُنصف وأُهملت قضيتها من قبل الأمن والمنظمات المحلية التي تبنت الدفاع عنها.

 

وقالت الضحية في حديث لصوت المهمشين: “تهجّم على منزلنا ثلاثة شباب ليلاً (ذكرت أسماءهم، ونتحفظ عن إيرادها) ووضع أحدهم المسدس على رأسي وارتكبوا جريمتهم ضدي (اغتصاب)، ونتج عن ذلك حملي، بطفل وأصبت بمرض تسمم الحمل، فذهبت إلى مستشفى خلفية بمديرية الشمايتين وأجريت عملية إجهاض للجنين”. وأضافت: “والدي أبلغ الجهات الأمنية بالجناة، فقاموا بسجنهم لعدة أيام، وأُطلق سراحهم من دون إنصافي، وتبنى قضيتي اتحاد نساء اليمن، لكن لم يُعاقب المتهمون، وما زالت قضيتي طي الكتمان”.

 

جرائم وضحايا بلا عدالة

إجمالا لا يوجد حزم من قبل الجهات الحكومية سواء أكانت الشرطة أم النيابات والمحاكم في قضايا الاعتداءات التي يتعرض لها المهمشون، وخصوصا تلك الجرائم الأخلاقية التي تتعرض لها الفتيات، لكن ذلك يمكن أن يتغير في المتابعة من قبل أولياء الأمور لتلك المؤسسات، وذلك لا يحصل دائما، وفي العادة يفشل أي جهد عندما يكون المعتدي ذا نفوذ.

 

وتُحل بعض القضايا بعقد صلح بين الجاني وأسرة المجني عليها عن طريق وساطات من شخصيات اجتماعية ، وتُنهى تلك القضايا بتسليم مبلغ مالي تعويضا من أجل تنازل ولي الأمر، وهي ظاهرة تتم عادة استغلالاً لحاجة الأسرة، وهو حكم غير عادل دائما؛ إذ يحدث ذلك بترهيب وترغيب أسرة المجني عليها لا برضاهم ، والهدف إغلاق ملف القضية لدى الأمن.

 

وقالت الناشطة المجتمعية مسك المقرمي: “تعود أسباب التحرش بالفتيات إلى الفقر والأمية والتسول وغياب دور الأسرة في تربية بناتهن وغياب التمكين الاقتصادي من قبل الدولة والمنظمات الدولية والمحلية”، وأشارت في حديث لصوت المهمشين إلى أهمية توعية أولياء الأمور بعدم التساهل في قضايا التحرش الجنسي والتوجه إلى القضاء للمطالبة بالإنصاف بواسطة ناشطين وناشطات من فئة المهمشين ومحامين متطوعين للمدافعة والمرافعة أمام القضاء.

 

من جانبها ترى المحامية سميرة قايد سالم أن ما يطال المهمشات من تحرش يُعدّ جريمة يعاقب عليها القانون، ويحب تفعيل القانون لوضع حدٍّ لمثل هذه الممارسات الخارجة عن القانون وردع المتورطين، وقالت في حديث لصوت المهمشين: “إن هذه الجرائم مخلة بالآداب العامة والشرف، وما زالت قضية الطفلتين “رسائل” و”جواهر” منظورتين أمام القضاء لتحقيق العدالة، خصوصا أن الطفلتين قاصرتان وقد اعتُدي عليهما في محافظة تعز”.

 

هذا وتنص المادة (272) في القانون اليمني على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن خمس سنوات كل من هتك عرض إنسان بالإكراه أو الحيلة”.

تدني الوعي الديني

تُعدّ ظاهرة التحرش الجنسي من الظواهر التي تزداد رقعتها اتساعا داخل المجتمع اليمني لا سيما في ظل عدم تفعيل القوانين التي تحدّ من هذه الظاهرة من جهة وانعدام الوعي وضعف الوازع الديني وتدني مستوى الأخلاق وضعف آليات الحماية المجتمعية والضبطية القانونية من قبل الجهات المخولة بتطبيق القانون وغياب البرامج التوعوية المجتمعية.

 

وقالت رئيسة مركز الحماية والتأهيل في اتحاد نساء اليمن بتعز صباح محمد سعيد: “مناهضة العنف ضد المرأة يعتبر من أساسيات أعمالنا، وهو الهدف الرئيسي لنا، ونقف مع النساء من جميع الفئات للدفاع عنهن ورفع الظلم الواقع عليهن، ولا يقتصر عملنا على مكافحة التحرش فقط بل كل أشكال التعنيف”، وأضافت في حديث لـصوت المهمشين: “بالنسبة لدور القضاء في المحاسبة في ظل الأوضاع الراهنة والظرف الاستثنائي الذي يمر بها البلد يعتبر تعامله مع بعض قضايا النساء مقبول نوعا ما”.

 

ودعت المجتمع إلى أن يرتقي بالأخلاق والقيم التي أمر بها ديننا وأن يدرك كل إنسان أنه جزء من هذا المجتمع، وإذا طرأت سلوكيات وممارسات خاطئة سيعود الضرر على المجتمع بشكل عام، وأن الفئة المهمشة جزء من مجتمعنا اليمني، وقالت أيضا: “أما بالنسبة للنساء والفتيات المهمشات، فهن بحاجة لتحسين وضعهن المعيشي من خلال التأهيل والتدريب والتمكين من أجل أن يكون لهن مصدر إنفاق بطريقة تكون أكثر حماية ويتجنبن التعرض لأي تحرش، وهناك فرص عدّة في هذا المجال”.

المقالة التالية
التمييز والعنصرية يغيب “المرأة المهمشة” من برامج التمكين الاقتصادي
المقالة السابقة
أطفال المهمّشين.. إهمال للتعليم نتيجة لغياب التوعية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━