تعز – هشام سرحان – تلاحق النَّظرة الدُّونية المتوارثة منذ أمد بعيد الفتيات المهمّشات في تعز وغيرها من مدن البلاد، وتعد نتاجاً لثقافة مترسخة، وموروث اجتماعي مغلوط، يُعزز الفرز المجتمعي، ويُكرِّس الطبقية، ويقلل من إحترام ومكانة السمراوات، ويُصادر حقهن في الحُرية والمساواة، والحصول على الرعاية والاهتمام والحماية الأمنية والقانونية، إلى جانب التعليم، والصحة، والسكن، والعمل، وممارسة حياتهن الطبيعية، والعيش الكريم، كما يجعلهن عُرضة للمخاطر والعنف والتمييز العنصري، وسلسلة طويلة من الانتهاكات المثيرة لقلق ومخاوف الحقوقيين والمهتمين.
يفترس الفقر السمراوات مع أسرهن، وتتردّى أوضاعهن المادية، والمعيشية، والصحية، والإنسانية، بشكل ملحوظ، وتُحدق بهن ظروفٌ قاسية، وحياة مريرة، تشتد قسوتها يوماً بعد آخر، في ظل إهمال الحكومة والمنظمات، وافتقارهن للوظائف، والرواتب، والضمان الاجتماعي، والمشاريع الصغيرة، ونُدرة الأعمال، والمساعدات، وشحة مصادر الدخل، وعدم امتلاكهن للحِرَف ووسائل الإنتاج، ما يضطرهن إلى الخروج إلى الشوارع، إما لطلب الرزق والعمل بالأجر اليومي في تنظيف الشوارع والمنازل، أو ممارسة التسوُّل، وغيره من الأنشطة التي تجعلهن عُرضة للتحرّشات والاعتداءات والاغتصابات.
تشتد معاناتهن بشكل مأساوي، ويترصدهن التجاهل والتهميش والحرمان من أبسط الحقوق، التي من أبرزها التعليم. إذْ تتفشّى الأميّة في أوساطهن بنسبة 97%، طبقاً لمصادر حقوقية أكدت على حرمان المهمّشات من الرّعاية الصحية والقانونية. إذْ تغضّ المنظمات الحقوقية الطرف عن الانتهاكات التي يتعرّضن لها، وترفض الجهات الأمنية والقضائية تقييد بلاغاتهن وشكاويهن، والتعاطي مع قضاياهن، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
الاتحاد الوطني للمهمّشين أكد، في وقت سابق، أن جرائم الاغتصاب، التي تطال الفتيات القاصرات من فئة المهمّشين في مدينة تعز، قد تصاعدت وتيرتها خلال الفترة الأخيرة، بالتزامن مع تقاعس الجهات المعنية عن ضبط الجُناة، وإفلاتهم من العقاب.
* تزايد حالات الاغتصاب
في غضون الأربعة الأعوام الأخيرة، تداولت وسائل إعلام، في أوقات متفرّقة، سلسلة أخبار تفيد بتعرّض قرابة ثلاث فتيات قاصرات من الفئة المهمشة للاغتصاب، إلى جانب تعرّض فتاة رابعة لمحاولة اغتصاب أفلتت منها بصعوبة.
في يوليو من العام 2018، أثيرت قضية تعرّض فتاة مهمّشة للاغتصاب، في منطقة “الصافية” بمديرية “المعافر”، جنوب غرب تعز، وذلك بعد أيام من الحادثة التي قُوبلت بتجاهل الجهات الأمنية، التي رفضت تسجيل بلاغ رسمي، ولم تتحرّك لضبط الجُناة، كما تقول مصادر حقوقية لموقع “بلقيس”.
م تفصح تلك المصادر عن اسم الفتاة، وظروف اغتصابها، وذهبت نحو الحديث عن تجاهل قسم شرطة “الصافية” مطالب أسرة الضحية، التي قصدته لتسجيل بلاغ حول الواقعة، إلا أنها قوبلت بالرفض، وطالها تمييز واستخفاف وتعسّف القسم، الذي غادر دوره ومهامه القانونية، وتضامن مع الجُناة، حيث وجّه بحبس بعض أفراد أسرة الفتاة، وتم الإفراج عنهم بعد 3 أيام.
تمر حوادث اغتصاب المهمّشات بشكل عابر، وفي كل مرّة يفلت الجُناة من المساءلة والعقاب، في حين تلازم الحسرة والألم أسر الضحايا، ويتفاقم إحساسها بالتمييز والتهميش والضَّعف.
الطفلة المهمشة “ص. ع. ع. ع” (14 عاماً) تعرّضت، أواخر يناير من العام 2020، لمحاولة اغتصاب في حارة “الشرف”، بمدينة “التُّربة”، مركز مديرية “الشمايتين”، التابعة لمحافظة تعز، من قِبل شخص يدعى “إ. م. ع. ق” (24 عاماً)، حسب مصادر متطابقة أوضحت لموقع “بلقيس” أن الأخير اقتحم منزل الطفلة، أثناء غياب والديها، وحاول اغتصابها، وعند سماع صراخها حاولت شقيقتها إنقاذها، فهدَّدها الجاني بتفجير قنبلة يدوية كانت بحوزته، ثم فَرَّ من المنزل، ولم يتمكّن الجيران من الإمساك به، لأنه مسلح.
عقب الحادثة، قامت أسرة الفتاة بعدّة تحرّكات، ووُجِهت برفض وتجاهل الجهات الصحيّة والأمنية، إذ أسعفت الفتاة المصابة بجروح طفيفة، وهي في حالة صحية ونفسية سيّئة، إلى مرفقين صحيين، فرفضا استقبالها، ما جعل والدها ووالدتها وأشقاءها يدورون في حلقة مفرغة، ويتنقلون بين تلك المرافق، دون أن يتمكنوا من علاج الفتاة، والكشف عليها، واستخراج تقرير طبّي لها.
* اعتداءات
تدخّلت شخصية اجتماعية، وتواصلت مع مدير المستشفى المتواجد في المنطقة، الذي بدوره وجّه موظفيه إلى استقبال الطفلة، وعَمَل اللازم لها، فقامت طبيبة نساء روسية الجنسية بذلك، وتبين لها أن الطفلة تعرّضت لمحاولة اغتصاب.
لجأ والد الطفلة المُسن، والمصاب بالفشل الكُلوي، إلى إدارة أمن المنطقة للإبلاغ عن الاعتداء، فاعترضه بعض الجنود، واعتدوا عليه بالضرب المبرح، مستخدمين أعقاب البنادق، حتى سال الدّم من رأسِه وأجزاء أخرى من جسده، وفقاً لمصادر صحفية.
في مايو من العام الماضي، أقدَمَ خمسة أشخاص على اغتصاب الطفلة المهمّشة رسائل عبد الجليل (15 عاماً)، وذلك عقب اختطافها من قرية “السامقة”، التابعة لمديرية “المعافر”، وكالعادة أفلت الجُناة عن المساءلة والعقاب، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة واستنكارا واسعا، وحُوِّلت الحادثة إلى قضية رأي عام.
تعرّضت أسرة رسائل لسلسلة اعتداءات، بينها إطلاق نار، إلى جانب التهجير من قريتها، وهو ما يشير إليه الأربعيني هيثم سيف، أحد أقاربها، في حديثه لموقع “بلقيس”، حيث لفت إلى تعرّض منزله لإطلاق نار، وتلقيه تهديدات مستمرة بالتصفية، فضلاً عن إيداعه السجن في محاولات لإسكاته عن القضية، وإثنائه عن متابعتها والمطالبة بضبط المتهمين.
لم تتوقّف حوادث اغتصاب السمراوات عند هذا الحد، ففي الخامس من يوليو الماضي تعرّضت الطفلة “ج. ع. م” ( 14 عاماً) للاغتصاب في حي “جامع الهدى”، وسط مدينة تعز. حيث استدرجها شاب إلى منزله بمبرر مساعدة والدته في عملية تنظيف المنزل، الذي ما إن وصلت إليه أغلق الباب عليها، وقام باغتصابها.
من جهتها، قدمت أسرة الفتاة بلاغاً أمنياً إلى قسم “شرطة الاشبط”، وبعد تدخل من الاتحاد الوطني للمهمّشين في تعز أُلقي القبض على الشاب، ومباشرة التحقيق معه، ما دفع أسرة المتهم للاعتداء على أسرة المجني عليها، لإجبارهم على سحب الشكوى، والتنازل عن القضية.
* مخاوف
يثير تزايد حالات اغتصاب المهمّشات مخاوف الناشط الحقوقي والناطق الإعلامي باسم مهمّشي تعز، عبد الغني عقلان (40 عاماً)، حيث يقول لموقع “بلقيس”: “نتابع بقلق كبير توسّع هذه الظاهرة، التي تعتبر دخلية على المجتمع، ومنافية للقوانين والأخلاق والقيم والعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية”.
وأضاف: “تتعامل مؤسسات القضاء والأمن بعنصرية مع قضايا المهمّشين، سواء كانت جنائية أو نزاعات أو غيرها، كما تتلاعب منذ الوهلة الأولى بقضايا الاغتصاب، وتعمل على دفنها مباشرة”.
يستخدم مرتكبو الاغتصابات وسائل الترهيب ضد السمراوات، ويقومون باستدراجهن، مستغلين ظروفهن المعيشية، وصغر سنهن، وانتمائهن للفئات الضعيفة، وفقاً لعقلان، الذي يؤكد أن هذه السلوكيات خاطئة، وخطيرة، وتتطلب اتخاذ إجراءات ضبطية صحيحة، ووضع حدٍ لانتشارها، ما لم ستؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي، وتوسّع ظاهرة الاغتصاب، التي ستتجاوز الفتيات المهمّشات إلى غيرهن.