تعز: الانهيارات الصخرية تحرم المهمشين من منازلهم وتبدد أحلامهم

في إحدى الليالي الماطرة، كان عبد الله مهيوب ثابت يستعد هو وأطفاله للنوم كالعادة، لكن ما إن وضعوا رؤوسهم على الأرض حتى سقط سقف المنزل عليهم، “كانت لحظة مرعبة للغاية. لم يسبق أن عشتُها، فجأة صرت لا أسمع إلا صراخ أطفالي، ولا أدري أين أنا، وما الذي حصل بغمضة عين”. هكذا يلخّص المواطن، عبد الله مهيوب، تلك الحادثة الأليمة التي عصفت به في ليلة الخميس مطلع يونيو الجاري؛ إذ سقطت صخرة ضخمة على منزله نتيجة حدوث انهيار صخري، وتسبب في إحداث إصابات بالغة لأفراد أسرته، وتهدم منزله بالكامل.

فقدان المأوى

يقول عبد الله إن صخرة سقطت على منزله ومنزل نجله المجاور له في قرية “النَشّة” بمنطقة الضَّباب غربي تعز، وأسفرت عن إصابة اثنين من أطفاله الذين كانوا معه في نفس المنزل، إضافةً إلى إصابة نجله الأكبر مع طفلته وزوجته، وقد كانوا في منزل آخر مجاور.

تلك الصخرة سقطت على المنزلين وتسبّبت في دمار شامل لهما، “أصبحنا في العراء، بلا منزل، بلا بيت. لم أصدق أنني وصلت إلى هذا الحال، بعض من أبنائي المصابين في العناية المركزة بالمشفى، وأنا والآخرين نتقاسم الفراش في منازل الجيران في القرية”، يضيف عبد الله لصوت المهمشين.

بعد أن فقدوا منزلهم تمامًا، اضطر عبد الله إلى أن يوزع بقية أبنائه وبناته الشابات ممن كانوا في غرفة لم تنهر بشكل كلي بسبب سقوط الصخرة، فنجوا، وزّعهم عبد الله على منازل القرية المجاورة، فيما يرقد المصابون في مستشفى الثورة وسط المدينة.

يتابع: “أحد أطفالي تعرض لكسور في ذراعه، وكذلك في العمود الفقري، وقال الأطباء إنه بحاجة إلى عملية عاجلة، وتكاليفها نحو 700 ألف”، ذلك المبلغ كبير على عبد الله ويستحيل توفيره كما ذكر، خصوصًا أن اثنتين من الأبقار وأربعة رؤوس من الأغنام التي كان يملكها، قضت في الانهيار الذي حصل.

منازل هشة

يضطر المهمشون الذين يعيشون في الأرياف وعلى أطراف المدينة، إلى بناء منازل بطرق بدائية وتقليدية، من الأحجار والطين وأخشاب الأشجار، وهي ضعيفة عند تعرضها لأي عوامل خارجية أو كوارث، كالاهتزاز أو سقوط صخور، وتنهار تمامًا في لحظات.

كان منزل عبد الله من هذا النوع، وبحسب حديثه، كثير من منازل المهمشين في القرية هناك مبنية بهذا الطريقة أيضًا، وبعضها أسفل التباب والتلال مثل منزله، وهي مهددة بالخطر، لا سيما مع تعرض التباب المجاورة لها للانهيار الصخري المحتمل.

وفي هذا الخصوص، يقول رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين نعمان الحذيفي: “لا شك بأن طبيعة المساكن التي يقطنها المهمشون في اليمن دائمًا تجعلهم عرضة لكثير من الكوارث الطبيعية خصوصًا في موسم الأمطار”، ويشير إلى أن هناك كثيرا من المآسي والقصص الإنسانية المؤسفة.

ويوضح الحذيفي لصوت المهمشين أن حادثة عبد الله ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بالنسبة للمهمشين، داعيًا الهيئات والمؤسسات والمنظمات الوطنية والدولية إلى تقديم العون والدعم للأسر المنكوبة نتيجة الانهيارات الصخرية بريف تعز وغيرها من مناطق البلاد.

ويشير الحذيفي إلى أن المشكلة ستبقى قائمة طالما أن المهمشين مجبرون على البناء والسكن في مناطق معرضة للانهيار، لافتًا إلى ضرورة أن تقوم الدولة بمنح أبناء الفئة أراضٍ في مناطق آمنة، لضمان حياتهم من جميع أنواع الكوارث الطبيعية.

أمطار غزيرة وانهيارات صخرية

البروفيسور عبد الوهاب العوج، رئيس قسم الجيولوجيا بجامعة تعز، يرى أن الأسباب التي تقف وراء الانهيارات التي حدثت في الأيام الماضية في مناطق المدينة تتمثل في ارتفاع معدل الأمطار في هذه المناطق وزيادة التشبع بالمياه في الركام الصخري والتربة، إضافةً إلى عدم تصريف المياه المتجمعة في تلك المناطق.

ويذكر العوج في حديثه لصوت المهمشين أن نوع التربة والركام الصخري ووجود تركيز للتربة الطينية في تلك المناطق تعمل كمادة انزلاقية مساعدة للحركة، فتتسبب في حدوث الانهيار، إلى جانب وجود التغييرات المناخية، مشيرًا إلى أن التحطيب الجائر والرعي العشوائي الذي يعمل على إزالة الغطاء النباتي يسهم في حدوث هذه الظاهرة أيضًا.

ذلك ما حصل مع عبد الله بالتحديد، وهو يرى أن الأمطار استمرت في ذلك الوقت ليومين متتاليين، وهو ما جعل التلة التي كانت فوق منزلهم تتشبع بالماء، وأن الرطوبة زادت في التربة الطينية، ما ساعد في انزلاق الصخور وحدوث ذلك الانهيار المُريع.

وفي الوقت الحالي، تشهد معظم المحافظات اليمنية أمطارا غزيرة وكثيفة للغاية لم يسبق أن عاشتها البلاد من قبل، وفقًا لتحديثات المركز الوطني للإرصاد الجوي وهيئة الطيران المدني، متسببةً بحدوث سيول عارمة وانهيارات صخرية في كثير من المناطق، منها محافظة تعز التي تكررت فيها الانهيارات الصخرية.

ضرورة الدراسات والبحوث

يقول البروفيسور العوج: يجب أن لا تُنفّذ أية مشاريع إنمائية وتطويرية، مثل شق الطرقات وبناء السدود والمستحدثات العمرانية، إلا بعد إجراء الدراسات الجيولوجية الهندسية؛ لتفادي وقوع هذه المشاريع في مناطق الضعف المعرضة للمخاطر كالانهيارات والانزلاقات الصخرية”.

ويضيف لصوت المهمشين: “يجب أن يكون هناك أيضًا معالجات وحلول سريعة وطويلة المدى للمناطق السكنية الواقعة في دائرة الأخطار الجيولوجية، إلى جانب التوعية المسبقة بمخاطر البناء في تلك المناطق من الأساس”. ويوضح العوج أنه يفترض أن تُجرى دراسات تفصيلية وبحثية لمناطق الضعف والأخطار من قبل الجهات المعنية في الدولة مثل هيئة المساحة الجيولوجية وغيرها، لتحديد نوع الضعف وأسبابه والمعالجات والحلول التي يجب أن تتخذ.

ويشير العوج إلى أن مجموعة الزلازل التي حدثت قبل أسبوع في خليج عدن من المؤكد أن تؤثر على مناطق الأخطار الجيولوجية المعرضة للانهيارات؛ لأن مناطق الضعف تجدّد الحركة وتتحرك تلك الفوالق والصدوع بناء على اتجاهات مختلفة، بعضها موازية للبحر الأحمر والأخرى موازية لخليج عدن.

المقالة التالية
المهمشون في اليمن.. حياة منسية وسطوة تمييز سلبية
المقالة السابقة
سقوط صخرة على منزلين في منطقة الضباب بتعز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━