اليوم بعد فوات الأوان أشعر بالندم؛ لأنني لم ألقح ابنتي بيدي”، بهذه الكلمات استقبلنا محمد قاسم والد الطفلة رشا التي توفيت عن ثمانية أعوام في ريف تعز. أصيبت رشا بحمى وصداع شديدين في نوفمبر 2020، وكانت فترة ذروة انتشار الجائحة، حينها كان والدها مستسلمًا للأفكار الخاطئة عن اللقاحات، فصمّم على عدم تلقيحها منذ ولادتها حتى وفاتها. ولم يشخّص أي طبيب مرض رشا، منذ فترة مرضها حتى وفاتها، في الوقت الذي يختلط على الأطباء المحليين أعراض كوفيد 19 وبأعراض الإنفلونزا الموسمية.
سكنت رشا برفقة عائلتها في منزل من الصفيح وإطارات السيارات، وفي بيئة تفتقر للوعي الصحي، إضافة إلى أنها بعيدة عن اهتمام الحملات التوعوية التابعة لمكتب الصحة، لعدم استقرار المجتمع المهمش، ولبعدها عن مراكز المديريات والخدمات الصحية، ما يجعل الفئات الأشد فقرا في تلك المنطقة في عزوف شبه تام عن تلقيح أطفالهم، مصدقين الإشاعات الخاطئة حول اللقاحات، الأمر الذي يجعل أطفالهم يدفعون الثمن غاليا من حياتهم.
أسباب عدم تلقيح الأطفال
تقول الناشطة الحقوقية سمر القاضي: “هناك غياب وعي لدى المجتمع ولا يعرفون أن الأطفال يمكن تلقيحهم من كوفيد 19، ويظن معظم الناس التلقيح ضد كوفيد 19 خاصا بالبالغين وكبار السن فقط، هذا بالنسبة للمجتمع بشكل عام، فما بالك بالمجتمعات المهمشة التي هي أقل وعيا بالجانب الصحي للأطفال”، وتضيف أن هناك ضعفا في المجال التوعوي بين الناس بأهمية اللقاحات وتصحيح الإشاعات الخاطئة، وأن الحملات التوعوية لا تصل إلى هذه المجتمعات التي تعيش عزلة عن المجتمع اليمني الكبير، وتركيز الحملات عليهم سيكون مجديًا جدا.
من جانبه، يقول رئيس جمعية “حياة أفضل” للتعايش والتنمية فوزي مهيوب لمراسلنا: “إن فئتي المهمشين والنازحين هم الأكثر تضررا من تدهور الوضع الصحي الذي يعيشه البلد؛ إذ تشير الدراسات والتقارير أن 90% من أبناء فئة المهمشين والنازحين يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية المفترض الحصول عليها حقًّا من حقوقهم”. ويضيف أن فئة الأطفال على وجه الخصوص من أبناء النازحين والمهمشين أكثر عرضة للأمراض الفتاكة والخطيرة؛ لأنهم لا يحصلون على اللقاح اللازم لوقايتهم من الأمراض بسبب النظرة التمييزية القائمة على أساس اللون والعرق، ولضعف الاستجابة من قبل الجهات الصحية وبعض المنظمات المهتمة بالجانب الصحي.
ويطالب بمتابعة ومراقبة الجهات العاملة في برامج التدخل الصحي والبيئي، وخصوصا اللقاحات، لضرورة إيصالها إلى الأطفال المهمشين والنازحين في المخيمات للحد من مخاطر الإصابة بالأمراض المعدية، وضرورة توفير لقاحات فيروس كوفيد 19 للأطفال في اليمن.
أهمية تلقيح الأطفال
تقول الطبيبة رهام الأغبري (طب عام) وهي تعمل في الوحدة الصحية التابعة للمدينة السكنية الخاصة بالمهمشين في مدينة تعز: “إن اللقاح يساعد في تمكين الأطفال من المشاركة في الأنشطة الجماعية بأمان أكثر وفي مختلف الألعاب؛ إذ يمكن تلقي الجرعة الأولى بمدة تتراوح من ثلاثة أسابيع إلى ثمانية أسابيع. أما الجرعة الثالثة (المعززة) فتعطي بعد الجرعة الثانية بشهرين على الأقل، وتحتوي على نسبة الحمض النووي الريبوزي المرسل، نفسها التي تحتوي على لقاح فايزر بيوثيك المضاد لفيروس كوفيد 19 المخصص للأشخاص الذين يبلغون 16 عاما فأكثر”.
وتضيف الأغبري أن الأبحاث أثبتت أن فاعلية هذا اللقاح من الوقاية من الإصابة بكوفيد 19 تبلغ 100% للأطفال من عمر 12 إلى 15 عاماً، ويعد هذا اللقاح فعالا بنسبة 91% في وقاية الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 16 عاماً فأكثر من الأعراض الحادة لفيروس كوفيد 19، موضحةً بأن هذا اللقاح ما زال محدودًا في الدول المتقدمة ولم تسمع بوصوله وتوفره في اليمن، ما يعني ضرورة توفيره لجميع أطفال اليمن بمن فيهم أطفال المجتمعات المهمشة والفئات الأشد فقرا.
وقد صرحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بالاستخدام الطارئ للقاح موديرنا المضاد لكوفيد 19 للأطفال من سن 12 إلى سن 17 سنة، مشيرة إلى وجوب أخذ هذا اللقاح على جرعتين تفصل بينهما من أربعة إلى ثمانية أسابيع.
ويحتوي هذا اللقاح على كمية من الحمض النووي الريبوزي التي تحتوي على لقاح موديرنا المضاد لفيروس كوفيد 19 المستخدم للأشخاص الذين يبلغون 18 عاما. بالنسبة للأطفال في سن 12 إلى 17 عاما يحدث لقاح موديرنا المضاد لفيروس كوفيد 19 استجابة مناعية تشبه تلك التي ظهرت عند البالغين. منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية كذلك ترخيصا بالاستخدام الطارئ للقاح نوفافاكس المضاد لكوفيد 19 للأشخاص البالغين 12 عاما فأكثر.
لقاح كورونا للأطفال
يجهل الوالد أسباب وفاة ابنته، بسبب اشتباه أعراض مرضها قبيل وفاتها بالإنفلونزا أو بكورونا. وبحسب والد رشا، لم يشخّصها عند طبيب مختص. يقول والد الطفلة رشا محمد قاسم: “أصيبت ابنتي بحمى وصداع شديدين، ولم نعرف الأسباب. لم أستطع إسعافها للمستشفى بسبب الوضع المادي، فتضاعفت حالتها الصحية حتى توفيت من دون أن نعرف السبب، وأضاف: “لم أقم بتطعيمها؛ لأني لا أعرف أهمية اللقاح ولم يأت إلينا العاملون في حملات التلقيح لإقناعي في ذلك الوقت”.
كل ما يمكن سرده بيقين هو قناعة الوالد اليوم بعد فقدان ابنته بأهمية تحصين أطفاله الآخرين لتقوية مناعتهم. ويطالب والد رشا الجهات الصحية، عبر مراسلنا، بتوفير لقاحات كورونا للأطفال أسوةً بالكبار، قاطعًا وعدًا على نفسه أن ينشر الوعي بأهمية تلقيح كل طفلٍ يرى الضوء.
أدوار وجهود
كان لمنظمة اليونيسيف السبق في تقديم مساعدات مالية لأولياء أمور الأطفال في المجتمعات المهمشة بمحافظة تعز. وقد كافأت اليونيسف الآباء الذين يلقحون أطفالهم في مستشفى الأمومة والطفولة بالمحافظة، بمبالغ تصل إلى 45 ألف ريال (50 دولار تقريبا) في فترة التوزيع خلال فبراير 2023م.
وقامت المنظمة بحملات توعوية تؤكد على أهمية حماية الأطفال من فيروس كورونا، والأمراض المنتشرة بتحصينهم باللقاحات الدورية واللازمة. وتعمل اليونسف مع خبراء صحيين دوليين على مدار الساعة لتوفير معلومات دقيقة مستندة إلى أحدث الأدلة العلمية، وتوفير موارد لوسائل الإعلام عند ظهور معلومات جديدة.
وفي صفحتها ومنافذها الرسمية تشدّد اليونيسيف على أهمية الإجراءات الوقائية الرئيسة، منها غسل اليدين والنظافة الصحية والتنفسية، وتجنّب الاتصال القريب مع أي شخص تظهر علية أعراض الزكام أو الإنفلونزا.
أفلحت هذه الجهود في إقناع بعض أولياء الأمور، وتوعيتهم بأهمية اللقاحات من أجل صحة أولادهم، إلا أنها لم تجد طريقها إلى والد رشا الذي يقول إنه لم يصادف أي محاولات قوية لإقناعه، عاش أطفال كثر بصحة جيدًا، وتوفيت رشا بعد صراع مرير مع الألم.
(أُنتجت هذه المادة بدعم من منظمة INTERNEWS ضمن مشروع Rooted in trust Yemen)