تواجه لقاحات الأطفال في اليمن رفضًا من بعض شرائح وفئات المجتمع، ويتزامن ذلك مع انتشارٍ واسعٍ للشائعات والأفكار الخاطئة حول اللقاحات في ظل ارتفاع حالات الإصابات والوفيّات بشلل الأطفال ومرض الحصبة.
لم يتوقف الأمر هنا، بل تبنَّت ذلك الرفض السلطات الصحية لجماعة أنصار الله (الحوثيين) التي تسيطر على بعض المحافظات اليمنية شمال البلاد، ومنها العاصمة صنعاء، فقد حذر مسؤولون حوثيون من خطورة اللقاحات مشكّكين في أمانها وفعاليتها في ندوة علمية حضَرتها السلطات الصحية للجماعة.
ندوة ضد اللقاحات
يوم 8 من فبراير الماضي، نظّمت مؤسستا “بيان التنموية” و”صحتنا التنموية” ندوة علمية في العاصمة صنعاء، تحت شعار “اللقاحات ليست آمنة ولا فعالة”، حضرها رئيس حكومة الحوثيين ووزير صحتها، وحذّرت تلك الندوة من مخاطر لقاحات الأطفال على البشرية، وأنها مؤامرة تستهدف اليمنيين.
في تلك الندوة، قال الباحث الصحي وعضو هيئة مكافحة الفساد في سلطة الحوثيين سليم السَيّاني: “إن اللقاحات والطب الكيميائي الحديث فكرة يهودية هدفها الاستثمار والتجارة والاستهداف العدواني للشعوب”، وأضاف السياني واصفًا اللقاحات بأنها “وسخ وسموم، ولا يوجد لقاح آمن”، معتبرًا أن اللقاح “فيروس مضعّف ومُمات مخبريًا”، وأن الأمراض المنتشرة هي أمراض وفيروسات متحوّرة من اللقاحات نفسها، حد قوله.
عقب تلك الندوة العلمية التي أثارت جدلاً واسعًا في وسائل الإعلام ومنصات التواصل اليمنية، أصدرت وزارة الصحة التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا بيانًا في اليوم التالي 9 فبراير، أدانت فيه قيام سلطة الحوثيين برعاية ندوة ضد اللقاحات في صنعاء.
الحكومة عدّت ذلك تصرفًا طائشًا من الحوثيين، وأنه مغامرة بمستقبل الأطفال اليمنيين، وترك لمصيرهم تحت رحمة الخرافات، مؤكدةً في الوقت نفسه أن اللقاحات قضت على أمراض الأطفال الخطيرة التي كانت قد خلت منها اليمن منذ 2009، وقد عادت الآن مجددًا، وذلك بسبب محاربة اللقاحات ورفضها.
تضليل يبُّث الخوف
يرى الصحفي اليمني المتخصص في الجانب الصحي، تيسير السامعي، أن الندوة التي أُقيمت في صنعاء تعبّر عن موقف رسمي للحوثيين بشأن اللقاحات؛ لأنهم سلطة الأمر الواقع في المناطق التي يسيطرون عليها، معتقدًا أن ذلك الموقف يجعل الناس يُصابون بالخوف من تطعيم أطفالهم.
ويقول في حديثه لصوت المهمشين: “إن محاربة الحوثيين للقاحات بإقامة تلك الندوة من شأنه أن يبثّ الخوف لدى الأهالي، ويجعلهم يعزفون عن تطعيم أطفالهم باللقاحات لأنهم بذلك يُعارضون توجهات السلطة ويعرضّون أنفسهم للعقاب”.
وعلى نحوٍ آخر، يشير السامعي إلى أن موقف الحوثيين من اللقاحات يؤثر سلبًا على الموظفين والعمال الصحيين الذين يقدّمون الخدمات الصحية وحملات التحصين، وسوف يُمنعون من فعل ذلك؛ لأن رفض اللقاحات جاء من السلطات في تلك المناطق.
ويوضح السامعي أن هناك عاملين صحيين متحمسين لتطعيم الأطفال ويذهبون إلى مناطق نائية ريفية بعيدة من أجل التحصين، لكنهم الآن لن يستطيعوا فعل ذلك؛ لأنهم يشعرون بالخوف من محاسبة السلطات لهم، وقد يصابون بالأذى.
ويؤكد السامعي أن تنظيم ندوة ضد اللقاحات يُعتبر أمرًا خطيرًا للغاية، لما له من آثار وتداعيات سلبية ذكرها سابقًا، إضافةً إلى وصف الحوثيين للقاحات بأنها خطيرة ومؤامرة، لافتًا إلى أنها أيضًا ستؤكد كثيرا من الشائعات والأفكار المغلوطة المتداولة بشأن اللقاحات، وسوف يزداد رفض الأهالي لها.
اتهامات بحظر اللقاحات
وتتهم الحكومةُ المعترف بها جماعةَ الحوثيين بحظر اللقاحات ومنع حملات التحصين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، لا سميا بعد حضور قياداتها الصحية تلك الندوة ضد اللقاحات، وفي ظل تسجيل آلاف الحالات من الإصابات والوفيات بشلل الأطفال والحصبة في مناطق الحوثيين ومناطقها أيضًا.
وقال وزير الصحة بالحكومة، الدكتور قاسم بُحَيبِح، في تصريحاتٍ صحفية نشرتها وكالة “سبأ” بنسخة عدن، في 28 فبراير الماضي: “إن عودة شلل الأطفال لليمن بعد أن كانت خالية منه ناتج عن سياسة الحوثيين ضد اللقاحات ومنع حملات التحصين الشاملة”، وقد وصف تلك السياسة بأنها مُعادية للعلم والمعرفة.
وشدد الوزير بُحَيبِح على ضرورة تظافر الجهود الرسمية والشعبية لإنجاح برامج التحصين وتصويب المعلومات الخاطئة والمضلِّلة التي تروج ضد اللقاحات وجعلت الناس يرفضون تطعيم أطفالهم، خصوصا في مناطق سيطرة الحوثيين.
وفي المقابل، قال وزير الصحة في حكومة الحوثيين طه المتوكل في تلك الندوة التي حضرها ضد اللقاحات: “إن وزارته لا تعدّ اللقاح إلزاميًّا بالمطلق”، مضيفًا: “من يصّر على طلب اللقاح، فإنه سيُمنحه على أن يتحمل المسؤولية والأضرار الناجمة”.
في السياق نفسه، أكد مدير عام مكافحة الأمراض والترصد الوبائي في وزارة الصحة التابعة للحكومة، أدهم عوض، بتصريحات صحيفة أن ارتفاع عدد الإصابات بمرض شلل الأطفال والحصبة يعود إلى امتناع الناس وعزوفهم عن التطعيم الروتيني، مشيرًا إلى أن أغلب الحالات المصابة بمضاعفات صحية بواقع 91% هي للأطفال غير المطعمين باللقاح.
وفي هذا الخصوص، قالت منظمة الصحة العالمية في بيان حديث لها، نُشر 19 مارس الجاري، إن أكثر من 80% من الأطفال المصابين بالحصبة وشلل الأطفال، لم يتلقوا جرعات اللقاحات المضادة، وأغلبهم في المناطق الخاضعة للحوثيين شمال البلاد.
وبحسب المنظمة، لم يُطعّم الأطفال المصابون باللقاحات المعتمدة للتحصين والوقاية من الإصابة بتلك الأمراض، وتشير المنظمة إلى أن اليمن يشهد حاليًا تفشّيًا لمرضي الحصبة وشلل الأطفال، ما يفرض الحاجة الماسة لتلقيح الأطفال.
تفشي الأمراض
تشهد اليمن في الوقت الحالي تفشيًا للأمراض الفتاكة التي تصيب الأطفال، وخلال الثلاثة الأعوام الأخيرة سجّلت السلطات الصحية في الحكومة المعترف بها 13,882 حالة إصابة بالحصبة منها 100 حالة وفاة، و468 حالة إصابة بشلل الأطفال منها 16 وفاة، فيما سجل الحوثيون 827 حالة إصابة بشلل الأطفال بينها وفيات.
وفي 7 مارس الجاري، أعلن رئيس منظمة أطباء بلا حدود في زيارته لليمن، كريستوس كريستو، عن انتشار مرض الحصبة وسط الأطفال في محافظة حجّة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مشيرًا إلى أنه رأى كثيرا من الأطفال المصابين بعدوى الحصبة في مستشفى عَبْس الذي تدعمه المنظمة. وذكر كريستو أن الفريق الطبي هناك أفاد بأن السبب الرئيسي في زيادة حالات الإصابات هي الفجوة الكبيرة في اللقاحات الروتينية وانخفاض مستوى التطعيم لدى الأطفال المصابين.
وكشفت اللجنة الفرعية الإقليمية لاستئصال شلل الأطفال وتفشي المرض، في بيان لها نشرته في 6 مارس الجاري، عن إصابة 190 طفلاً في مناطق سيطرة الحوثيين بشلل الأطفال، وهي نتيجة لرفضهم تنفيذ حملات تطعيم في المحافظات التي يسيطرون عليها شمال اليمن.