انتشرت شائعة بين اليمنيين تناقلوها عبر شبكات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تقول إن لقاحات الأطفال تهلك النسل، وإنها مؤامرة خارجية تستهدف المجتمع اليمني وتريد إلحاق الضرر به.
تلك الشائعة هي جزء من حزمة شائعات متداولة حول اللقاحات، وتأتي في الوقت الذي تشهد اليمن ارتفاع عدد حالات الوفيات والإصابة بين الأطفال بأمراض الحصبة وشلل الأطفال؛ نتيجةً لعدم تطعيمهم باللقاحات التي من المتوقع أن تقيهم منها.
وللتأكد من صحة تلك الشائعة ومدى دقة المعلومات التي نُشرت بشأن اللقاحات، أجرى صوت المهمشين مقابلة خاصة مع مدير برنامج التحصين التابعة لوزارة الصحة العامة والسكان في محافظة تعز، الدكتور فهد النمر، نستعرضها في هذا التقرير.
حقيقة الشائعة
تقول الشائعة إن لقاحات الأطفال تهلك النسل وتلحق الضرر بالأطفال، ما صحة هذا الادعاء؟، وهل هناك أضرار ناجمة عن التطعيم؟
يؤكد الدكتور فهد النمر: “هذا غير صحيح، وهي شائعة زائفة لا أكثر، وليس للمعلومات التي ذُكرت أي دليل علمي، كما لم تصدُر عن دراسات أو أبحاث علمية طبية”.
ويضيف النمر في حديثه لصوت المهمشين: “كل أطفالنا مطعمون باللقاحات، وليس هناك أي مشكلة لديهم، وكل الذين تطعّموا في التسعينات من القرن الماضي وما قبلها لديهم الآن أطفال وأنجبوا بشكل طبيعي، وليست هنالك أي مشاكل لديهم تتعلق في الإنجاب”.
وعند سؤالنا عن إمكانية تأثير اللقاحات على وظائف الجسم الطبيعية، وضح النمر أن اللقاحات تعزز مناعة الطفل على مقاومة الأمراض التي قد يُصاب بها أو يتلقى عدواها، على عكس ما تدّعيه الشائعة، وأنها لا تتدخل في وظائف الجسم الطبيعية أو تؤثر عليها سلبًا.
وأثناء بحثنا العكسي في شبكة الإنترنت في مواقع منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف، للتأكد أكثر مما ورد في الشائعة، لم نجد أي تحذير أو معلومات تفيد أن هناك آثارا جانبية للقاحات الأطفال أو تداعيات بما يثبت ادعاء الشائعة. ومن جهة أخرى، لم نرصد أي دراسات طبية لمراكز علمية وصحية عالمية تتحدث عن وجود أضرار للقاحات الأطفال أو تؤثر على قدرتهم في الإنجاب مستقبلًا، ما يؤكد أن الشائعة ليست حقيقة، خصوصًا أنها لم تستند على دليل أو برهان علمي.
فجوة وعي
انتشرت كثير من الشائعات حول للقاحات الأطفال مؤخرًا وراجت بين الناس، برأيك ما عمق التأثير الذي قد تتركه تلك الشائعات في نفوسهم؟ هل هناك استجابة لها؟
يقول النمر: “بالطبع أثرت سلبًا الشائعات على الأهالي، وأحدثت فجوة في المجتمع، وانعدمت ثقة الناس باللقاحات ورفضوا تطعيم أطفالهم، ما أدى إلى انخفاض المناعة المجتمعية، وأدّى بالتالي إلى تفشي الأمراض الخطيرة”.
“المجتمع يميل لتصديق أي معلومات تتعلق في الجانب الصحي، لا سيما إن كان لديه مخاوف من الإصابة بالأمراض، ويستجيب لأي معلومات يتلقاها من دون أن يكلف نفسه عناء التحقق منها أو الاستفسار من الأطباء”، يضيف النمر.
وفي هذا الخصوص، تقول إحدى العاملات في حملات التحصين بمكتب الصحة بمحافظة تعز، نظيرة قائد، إنها تواجه كثيرا من الأسر التي ترفض تطعيم أبنائها باللقاحات بسبب الشائعات واعتقادهم أن اللقاح يسبب الأمراض، وتشير إلى أنهم يواجهون صعوبة كبيرة في إقناع تلك الأسر بالتطعيم.
وتضيف لصوت المهمشين: “البعض يؤمن ويوقن تمامًا بنظرية المؤامرة وأن اللقاحات مضرة، ومعظم حملات التحصين المختلفة التي أعمل فيها وأخرج مع الفرق الطبية لتطعيم الأطفال إلى منازلهم أصادف فيها كثيرا من الأسر التي ترفض تطعيم أطفالها ولا يتبعون نصائحنا”.
وعند سؤالنا عن علاقة الارتفاع الكبير لحالات الإصابة بأمراض الأطفال بالشائعات المتداولة حول اللقاحات، أوضح النمر أن ارتفاع حالات الإصابة كان نتيجةً لعدم أخذ اللقاحات بسبب رفض الأهالي وعدم إقبالهم على تحصين أطفالهم، تأثرًا بتلك الشائعات. وتابع: “هناك كثير من حالات الإصابة والوفيات بالحصبة وشلل الأطفال، وكل الأطفال الذين أصيبوا أو توفوا بسبب تلك الأمراض لم يأخذوا اللقاح؛ لأن الآباء رفضوا تطعيمهم لعدم ثقتهم باللقاحات بفعل الشائعات”.
وعن الهدف من نشر الشائعات، يوضح النمر أنها لا تخدم صحة المجتمع ولا اليمنيين، بل تهدف إلى خلق مجتمع يعاني من الأمراض والإعاقات المستديمة بسبب الأمراض التي يمكن الوقاية منها بتطعيم الأطفال باللقاحات، داعيًا جميع الأسر إلى تطعيم أطفالها لمصالحتهم ومصلحة المجتمع اليمني بشكل عام.
وبلغت عدد حالات الإصابة والوفيات بشلل الأطفال في مناطق الحكومة المعترف بها، نحو 468 حالة إصابة و16 وفاة، فيما وصل ضحايا الحصبة إلى 13 ألفا و882 حالة إصابة و100 حالة وفاة للأطفال، من عام 2020 إلى 2023، وفق موقع وزارة الصحة العامة والسكان.
أما في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين، فقد نشرت وزارة الصحة التابعة لهم بيانا في سبتمبر الماضي، تقول فيه إنها رصدت 827 حالة إصابة بشلل الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرتها في عام 2022.
لقاحات آمنة ومتوفرة
ذكرنا للدكتور النمر أن هناك مخاوف لدى المواطنين بشأن أمان اللقاحات، ويذكرون أنها لا تُحفظ بطريق جيدة، فما ردك على ذلك؟
فأجاب: “هذا الكلام غير دقيق؛ لأن اللقاحات تُنقل وتُحفظ بطريقة آمنة للغاية، ولدينا سلسلة تبريد آمنة تعمل بشكل مستدام لحفظ اللقاحات، ولدينا كذلك إجراءات وبروتوكولات عالمية في أثناء نقل اللقاحات من أجل الحفاظ على فعاليتها”.
“اللقاحات متوفرة في كل المرافق الصحية بمحافظة تعز وبقية المحافظات، وهي مجانية وآمنة أيضًا، وجميع الأطفال الذين تلقوا اللقاحات لم يصابوا بشيء ولا يعانون من شيء، بل هم أصحاء أفضل من غيرهم”، حسبما أضاف.
ويتابع: “أطلقت وزارة الصحة قبل أسبوع من الآن حملة تحصين طارئة ضد شلل الأطفال في 12 محافظة تخضع لسيطرة الحكومة، وكانت تعز من ضمنها، وتستهدف أكثر من مليون و290 ألف طفل دون سن الخامسة”.
من جانبها، توضح نظيرة أن هناك أيضًا من يتحجّج بأن اللقاحات غير آمنة ولم تُحفظ في ثلاجة التبريد بسبب سوء الخدمات وانعدام الكهرباء الحكومية، وتتابع: “لكننا نأتي إليهم واللقاحات محفوظة في صناديق تبريد طبية مخصصة، ورغم ذلك لا يقتنعون، ولا يقبلون اللقاح”.
وفي هذا الصعيد، تؤكد منظمة الطفولة اليونيسيف أن اللقاحات آمنة، وأن احتمال تضرر الطفل من الأمراض التي يمكن منعها باللقاحات هو أكبر بكثير من أن يتضرر بفعل اللقاحات التي سوف تقيه وتحصنه من الإصابة بالأمراض الخطيرة.
وتقول المنظمة إن جميع اللقاحات تخضع إلى اختبارات مشدّدة للتأكد من أنها آمنة، بما في ذلك تجارب سريرية، وذلك قبل الموافقة على استخدامها، لافتةً إلى أن البلدان لا توزّع سوى اللقاحات التي تلبي معايير مشددة للجودة والأمان. وبحسب تقارير في الموقع الرسمي لليونيسيف، بلغ إجمالي عدد اللقاحات المقدمة لليمن نحو 19 مليون و992 ألف و050 جرعة في عامي 2020 و2021 فقط أغلبها لقاحات لأمراض خطيرة تصيب الأطفال.
من أجل المناعة
يبرر بعض الأشخاص رفضهم لقاحات الأطفال بأن المناعة الطبيعية التي يكتسبها الطفل عند إصابته في المرة الأولى بأي مرض قد تغنيه عن الفائدة المتوقعة من اللقاحات، لكنهم لم يضعوا في المقابل اعتبارات للأضرار الصحية الناتجة أو المخاطر التي قد تحصل.
وتؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف أن اللقاحات تساعد جهاز المناعة الموجود في جسم الطفل على مكافحة الأمراض بفاعلية أكبر، وذلك بإطلاق استجابات المناعة ضد أمراض محددة.
وبحسب اليونيسيف، إذا اجتاح فيروس أو جرثومة جسم الشخص مستقبلا، فسيكون جهاز المناعة لديه مدركًا لكيفية مكافحة هذا الفيروس أو الجرثومة، مؤكدةً على أن اللقاحات تحمي الطفل من الأمراض المُميتة، خصوصًا أن الطفل لا يزال جهاز المناعة لديه في مرحلة التطور.