الانفلونزا… غريم المهمشين الشّتوي

في أحد التجمعات السكنية للمهمّشين تعيش الثلاثينية صباح محسن مع أطفالها الخمسة، وتسكن أسرة صباح كوخا مبنيا من الصفيح وإطارات السيارات، ويكاد يخلو من أي شيء يقاوم البرد القارس مثل البطانيات أو الملابس الصوفية. تعمل صباح بكل الطرق لتجنيب أطفالها الإصابة بفيروس الإنفلونزا، ولكن لا جدوى.

ترتبط صورة فصل الشتاء في أذهان صباح وأبنائها بالأمراض المختلفة التي يسبّبها البرد مع عدم توفر الوسائل الوقائية منه، لعلّ أبسطها الملابس القطنية الثقيلة أو المسكن الدافئ، وتقول صباح لصوت المهمشين: “تعوّدنا أن نواجه الإنفلونزا في كلّ شتاء مثل بقية الأمراض التي لا نملك وسائل لمقاومتها غير المناعة الذاتية، ومع الأسف يسقط كثير ممن أعرفهم صرعى لعدة أمراض شتوية، ولا تقتل الإنفلونزا أحدا، لكنها شرٌّ لا بد من مواجهته”.

مواجهة المرض

تحكي صباح عن طرق مواجهتها لمرض الإنفلونزا الذي يصيب أطفالها جميعا بقولها: “كما ترون لا أملك ثمن الدواء، حتى المسكّنات التي تعدّ رخيصة بالنسبة لبقية أفراد المجتمع، لكني ألجأ إلى وسائل بدائية قد تفيد فيغادر المرض أجساد أطفالي، وقد لا يفيد فيطول المرض”.

وتُضيف: “ألجأ إلى الحوامض مثل الحُمَر الهندي والحِلْقة (نبتة محلية حامضة) والليمون، وإن لم أحصل على كمية مناسبة، فأنا أكتفي بتعريضها على أنوفهم ليستنشقوا الرائحة النفاذة التي ربما تفيد في فتح الانسداد في الجهاز التنفّسي، كما أخصّص لهم خرقةً لتنظيف الأنف باستمرار، وألهّي الأطفال باللعب أو العمل كي لا يناموا، فيستسلموا للمرض”. بلكنةٍ طفولية، يقاطع خالد (٩ سنوات) والدته صباح بالشكوى: “هي لا تدعني أنام إلا قليلا إذا أصابني الزكام. تقول إن المرض وحش مفترس يأكل الكُسالى، وأتمنّى لو تدعني أنام لولا هذا الوحش”.

ومع خرافة الوحش التي صنعتْها صباح لتنشيط أطفالها، تحضر سلوكيات أخرى مِن شأنها استفحال الإنفلونزا في أجساد الأطفال، وهي إقدام الأمهات على وضع منشفة أو خرقة مبللة على رأس الطفل، ولهذا سأل المراسل عنها صباح وبعض النسوة المتجمعات معها في المساكن نفسها، فذكر جميعهن أن تلك وسيلة توارثنها عن الأمهات والجدات فيما تسمى “إخافة المرض” أو محاربة المرض بالماء.

كيف تنتشر الإنفلونزا بين المهمشين

الإنفلونزا المعروفة باسم “النَزلة الوافدة” مرض معدٍ تسبّبه فيروسات مخاطية قويمة. وتختلف الأعراض، فتكون خفيفة إلى قوية جدا، منها الحُمّى، وسيلان الأنف، والتهاب الحلق، والألم العضلي، والصداع، والسعال، والإعياء. كما تبدأ هذه الأعراض عادة بعد يومين من التعرض للفيروس، وتستمر لأقل من أسبوع عادة، ولكن السعال قد يستمر لأكثر من أسبوعين.

تؤكّد الدكتورة رقية محمد سالم أن استنشاق الأطفال للحوامض قد يُجدي مؤقتا، لكن ذلك ليس علاجا للمرض، وتحض على إطعامهم شيئا منها مع السوائل الدافئة ولو الماء مع تجنّب أي أكل أو شراب بارد، كما أبدت استغرابها من أمر المنشفة المبللة قائلة: “الإنفلونزا نزلة شتاء بسبب البرد، وليست حمّى كي نعالجها بالماء، ويجب أن يعلم جميع المهمشين الذين توارثوا هذه العادة بأنها خاطئة تضر ولا تنفع، فكيف يمرض الطفل بسبب البرد، وبدلا من تدفئته توضع عليه منشفة مبلّلة باردة تزيد من نسبة البرودة في جسده الهزيل. هذه أساليب بدائية لا يصدّقها العقل ويرفضها العلم أيضا”.

كما تنصح الأمهات بالتوقّف عن سرد الحكايات المخيفة عن الوحوش للأطفال مراعاةً لنفسياتهم، لا سيما عند المرض، وتنصحهن بأن يوفّرن الراحة التامة للطفل في غرفة دافئة مع النوم الجيد، وتجنيبهم الرياح الباردة مع عدم الصحو مبكرا في ظلّ البرودة القارسة للصباح، وبإمكانهم هكذا التماثل للشفاء من دون أدوية طبية.

وتشرح أسباب انتشار الإنفلونزا في أوساط المهمشين بقولها: “استنشاق الرذاذ المحمّل بالفيروس، ومخالطة الشخص المصاب ومشاركته أدواته الخاصة وعدم استخدام المصاب للمناديل أثناء العطس تُعدّ من أسباب انتشار الإنفلونزا، وتضيف أن ازدحام أفراد الأسرة في غرفة واحدة وارتفاع نسبة الأمية وعدم الحرص على أخذ لقاح الإنفلونزا الموسمية بشكل سنوي بالإضافة إلى عدم غسل اليدين جيدا بالماء والصابون من أبرز أسباب انتشار المرض.

أسباب وحلول

يقول نائب مدير وحدة الوفاء الصحية بمدينة تعز الطبيب طاهر سيف: “إن تجمّعات المهمشين بحاجة إلى حمايتهم من البرد الشديد في الشتاء، وإلى توفير الملابس والبطانيات الصوفية، لتجنيبهم مرض الإنفلونزا بتظافر كل الجهود”.

وديع الدبعي عاقل حي الضربة بمدينة تعز يقول لصوت المهمشين: “تنشرُ الإنفلونزا في أوساطنا بشكل كبير؛ لأن معظمنا يعمل في مجال النظافة في الشوارع من دون أدوات وقاية من الأمراض المعدية، ونعود إلى منازلنا محمّلين بكثير من الأمراض، ويؤدي إلى انتشار الأمراض بين الأطفال والنساء في التجمعات مباشرة”. ويكمل: “بالإضافة إلى عدم وجود الحمامات. وشبكة مياه في تجمعاتنا، وبالإضافة إلى أن الأكواخ التي نسكن فيها مفتوحة من عدة جوانب، فنكون عرضة للبرد والرياح من كل الجوانب، ويُصاب معظم الأطفال والنساء وكبار السن بفيروس الإنفلونزا وأمراض أخرى، لا سيما في فصل الشتاء؛ لأنّ البرد فيه شديد ونحن من دون بطانيات أو ملابس صوفية أو أي استعدادات تقي أطفالنا ونساءنا البرد وتجنّبهم الإصابة فيروس الإنفلونزا”.

تؤكّد الطبيبة رقية محمد سالم أن غياب الوعي الصحي لدي الفئات المهمشة وعدم معرفتها بالأمراض المعدية من الأمراض غير المعدية تجعلها أكثر عرضة للإصابة بفيروس الإنفلونزا، لا سيما في فصل الشتاء، في ظل غياب الكوادر الصحية في أوساط التجمعات السكنية (أكواخ الصفيح) بسبب ارتفاع نسبة الأمية البالغة 92% وغياب التوعية والتثقيف للشباب والشابات والأطفال.

وتضيف سالم أنه لا بد على المنظمات الدولية المهتمة بالصحة من التوجّه إلى تدريب وتأهيل الكوادر المتعلّمة من الفئات المهمشة من أوساط التجمعات في الجوانب الصحية حتى تصبح قادرة على القيام بعملية التوعية والتثقيف من مخاطر فيروس الإنفلونزا والأمراض المعدية الأخرى. وتنصح الطبيبة بارتداء الكمامات وتهوية الأكواخ التي يسكنون فيها جيدا وبالغذاء المتوازن والإكثار من شرب السوائل واستنشاق الهواء الرطب الذي يخفّف من احتقان الأنف وألم الحلق وشرب الشاي الأخضر وعسل النحل وأوراق الجوافة.

( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)

المقالة التالية
فارس الشعبي.. يصارع مرض التهاب الكبد وحيدًا
المقالة السابقة
اللقاحات وأهميتها في صحة الإنسان
مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━