تغزو الحصبة اليمن من جديد، وتحصد معها كثيرا من أروح الأطفال اليمنيين، لا سيما في هذا العام الذي زادت فيه حدة انتشار المرض بشكل أكبر من أي وقتٍ مضى، في ظل عجز حكومي وتقاعس مجتمعي لمواجهته. في أول خمسة أشهر من العام الجاري، سجّلت وزارة الصحة التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في مناطق سيطرتها، نحو 2924 حالة إصابة للأطفال بفيروس الحصبة، توفيّ منها 34 طفلا. ويُعدّ معدّل الإصابات مرتفعا بالنسبة لجزء من المحافظات اليمنية، خصوصًا أنه تصاعد في وقت قصير، وشكل مؤشرًا خطيرًا لتفشي المرض بشكل أكبر وتوسعت دائرته.
ولم تفصح وزارة الصحة التابعة لجماعة الحوثيين في العاصمة صنعاء حتى الآن عن عدد حالات الإصابات والوفيات في أوساط الأطفال بمرض الحصبة، لكن منظمة الطفولة اليونيسف ذكرت في تقرير لها مطلع ديسمبر الحالي أنها سجلت إصابة نحو 1400 حالة، توفي منها 15 طفلا، في 7 محافظات يمنية، معظمها في مناطق سيطرة الحوثيين.
الحصبة مميت بدون لقاح
تصنف منظمة الصحة العالمية مرض الحصبة بأنه مرض فيروسي، ويُعدّ من أكثر الأمراض المعدية انتشارًا، وفي بعض الحالات، قد تكون مضاعفات المرض صعبة ومهددة للحياة. ويوجد نوعان لمرض الحصبة، الأولى الحصبة العادية المعروفة بمصطلح “Measles”، وتحدث بسبب فيروس “الروبولا”، وهذا النوع مُعدٍ للغاية، وقد ينتقل عبر العدوى، والثانية الحصبة الألمانية “Rubella or German Measles”، وتظهر نتيجة الإصابة بفيروس الحصبة الألمانية أو فيروس “الوربيلا”، وهي غير مُعدية، وأعراضها أقل حدة من النوع الأول.
ويقول مسؤول ترصد الحصبة وشلل الأطفال بالمستشفى اليمني السويدي للأمومة والطفولة بمدينة تعز د. خالد النهاري: “إن مرض الحصبة مميت، ومن أمراض السكتة القاتلة عند الأطفال”. ويوضّح النهاري في حديثه لصوت المهمشين أن أعراض مرض الحصبة تبدأ بانتشار طفح على جلد الطفل ثم التهابات في الصدر والجهاز الهضمي وتسبّب إسهالا شديدا. ويشير النهاري إلى أن الالتهابات التي تسببها الحصبة في صدر الطفل قد تؤدي إلى وفاته إذا لم يكن قد أخذ اللقاح، إضافةً إلى إصابة الدماغ بشلل دماغي مُميت، وهو ما يسمى علميًا “SSBE”.
وبحسب اليونيسف، يعاني كل من يصاب بالمرض من الطفح الجلدي المؤلم والتهاب في العيون وحمى وتيبس في العضلات وسعال شديد، والأطفال الذين يعانون من سوء التغذية أكثر عرضةً للإصابة.
التلقيح طوق النجاة
يشدّد النهاري على ضرورة تحصين الأسر أطفالها باللقاحات التي تقي الطفل من الإصابة بهذا المرض المُميت، مؤكدًا على أمان اللقاحات وفعاليتها في تحصين الطفل من أي أمراض مُعدية. ويلفت النهاري إلى أن الإصابة المحتملة للطفل الذي لم يتلقَ التطعيم أو اللقاح الخاص بالوقاية من مرض الحصبة تكون من بعد الستة الأشهر من عمر الطفل.
وبحسب حديث النهاري، هناك جرعتان للقاح المضاد للحصبة يجب أن يأخذها الطفل مرتين بشكل إجباري، الأولى في سن 9 أشهر والثانية نصف السنة الأولى من عمره.
وفي هذا الصدد، تقول اليونيسف إن اليمن حصلت على أكثر من 12,4 مليون جرعة من اللقاحات المضادة لشلل الأطفال في العام الجاري 2022، وفي الربع الأول طُعّم أكثر من 2,2 مليون طفل في 12 محافظة. وذكرت اليونيسف أن اللقاحات التي قُدمت لليمن مضادة لشلل الأطفال فقط، ولم تشِر إلى اللقاحات المضادة للحصبة أو تورد معلومات بشأنها هذا العام، لكن في العام الماضي 2021، تؤكد تقارير سابقة لمنظمة الطفولة أنه طُعّم 114,156 طفلا دون السنة الواحدة من العمر ضد الحصبة والحصبة الألمانية.
أما في عام 2020، فقد استهدفت اليونيسف ووزارة الخارجية والتنمية البريطانية أكثر من مليون طفل باللقاحات، وطُعّم نحو 805,463 طفلا ضد الحصبة والحصبة الألمانية. وتؤكد اليونيسف في تقاريرها أنه لا يمكن الوقاية من أمراض الطفولة القاتلة إلا بالتطعيم، وعندما لا يُطعّم الأطفال، تتعرض حياتهم ومجتمعاتهم للمخاطر. ويشكل التحصين الروتيني العمود الفقري للمجتمع، ويمثل الحل الأمثل لحماية الأطفال من الأمراض الخطيرة وضمان أجيال خالية من الأوبئة والأمراض.
عواقب وخيمة
يذكر النهاري أنهم رصدوا في مدينة تعز وحدها نحو 60 حالة إصابة بمرض الحصبة منها حالتا وفاة، مشيرًا إلى أن الأطفال الذين أصيبوا لم يتلقوا اللقاح المضاد للحصبة.
وتوزعت حالات الوفيات من الأطفال التي أعلنت عنها وزارة الصحة بحكومة عدن البالغة 34 حالة على هذا النحو: 11 وفاة في عدن، و10 في لحج، و5 في الضالع، و3 في أبين، بينما في تعز سُجلت حالتا وفاة، أما شبوة والبيضاء ومأرب فقد رُصِدَت حالة وفاة واحدة في كل منهما.
يؤكد النهاري أن هناك من يرفض تحصين أطفالهم باللقاحات لاعتقادهم الخاطئ بأنه قد يسبب لهم الضرر، لكن حقيقة الأمر أن تلك الأسر هي من تضر أطفالها برفضها للتطعيم.
وهنا يستعرض تقرير اليونيسف قصة إحدى الحالات التي توفيت هذا العام بمدينة عدن على إثر الإصابة بمرض الحصبة، وتشير فيه إلى أن والد الطفلة المتوفية رفض تطعيمها بلقاح الحصبة، وهو ما تسبب في إصابتها ثم وفاتها. والد الطفلة المتوفية، السيد فاضل، يقول إن طفلتيه التوأم أُصيبتا بمرض الحصبة نتيجة عدم تطعيمهما ضد الفيروس المسبب للمرض، وفق اليونيسف. رفض فاضل تطعيم طفلتيه على الرغم من بُعد منزلهما عن المركز الصحي بمسافة تُقدر بساعة ونصف، وبعد إصابتهما بالحصبة سرعان ما تدهورت الحالة الصحية للتوأم. وفي غضون ثلاثة أيام مع ارتفاع في درجة حرارة الجسم والطفح الجلدي المؤلم، توفت إحداهما أثناء إسعافها إلى المستشفى.
وتشير تقديرات اليونيسف إلى وفاة طفل كل 10 دقائق في اليمن بسبب الأمراض التي يمكن الوقاية منها عن طريق التطعيم. وفي نهاية مايو الماضي، أطلقت وزارة الصحة بعدن، حملة تحصين ضد الحصبة العادية والألمانية في 10 محافظات تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا. وبحسب الوزارة، بلغت عدد المديريات المستهدفة 74 مديرية، تستهدف فيها الحملة نحو مليونًا و355 ألفًا و142 طفلًا، ويشارك في تنفيذها 5246 عاملًا وعاملة صحية.
الوعي ينقذ الأرواح
يرى النهاري أن الوعي الصحي في المجتمع بأهمية التحصين وتطعيم الأطفال باللقاحات المضادة للأمراض هو السبيل الوحيد للسيطرة على الأمراض التي تصيب الأطفال منها الحصبة.
وفي هذا الخصوص، يؤكّد مدير إدارة التحصين في محافظة تعز، فهد النمر، أن أي حملة تحصين تطلقها وزارة الصحة في المحافظة يرافقها فريق خاص بالتثقيف والوعي الصحي. وبحسب النمر، تواجه الفرق الميدانية في حملات التحصين صعوبات كبيرة تتثمل في رفض كثير من الأسر لتطعيم أطفالها بسبب الأفكار الخاطئة حول اللقاح، لكن فرق التثقيف الصحي تبذل جهدها في نشر الوعي.
وتعتقد اليونيسف أن التثقيف الصحي والوقاية أمران حاسمان في الحد من عبء المرض، وذلك بزيادة الوعي وتثقيف عامة الناس. وترى أنه يمكن لليمنيين تغيير ممارساتهم الاجتماعية والمعتقدات الثقافية وحماية صحة ورفاهية الأجيال القادمة بتحصين أطفالهم من الأمراض المُعدية. وتشير اليونيسف إلى أنه يرافق كل حملات التحصين التي تطلقها في اليمن بالشراكة من السلطات الصحية، حملة رفع مستوى الوعي والتثقيف الصحي. وتهدف هذه الحملات إلى توعية الآباء وتشجيعهم على تطعيم أطفالهم بشبكة تضم 4 آلاف من العاملين في مجال التعبئة المجتمعية وألفين من الشخصيات الدينية.
وبحسب الأمم المتحدة، شهدت اليمن، من بين 4 بلدان في العالم، أكبر حالات تفش لمرض الحصبة منذ العام الماضي، وهي الصومال ونيجيريا وأفغانستان وإثيوبيا، لافتةً إلى أن السبب الرئيسي لتفشي المرض هو التغطية غير الكافية للقاح.
( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)