خلال شهر رمضان الماضي، عكست الأعمال الدرامية اليمنية انقساما حادّا في أوساط المجتمع اليمني تجاه العنصرية ضد السود، إذ تناولت كثير من الأعمال الدرامية والمسلسلات التلفزيونية ممارسات عنصرية وصورا نمطية واضحة ضد ذوي البشرة السوداء. كشفت كثير من الأعمال الدرامية أن هناك تراجعا في وعي النخب الفنية والثقافية تجاه قضايا حساسة كالعنصرية، فقد نسوا أو تناسوا أن السلوكيات التي تتضمنها أعمالهم تحمل دلالات عنصرية واضحة، وأنها تؤكّد على ترسيخ الصورة النمطية السلبية ضد السود داخل المجتمع.
وعي مجتمعي
خلال الأعوام السابقة، تشكّل وعي كبير رافض للعنصرية داخل المجتمع يسعى إلى مواجهة هذا السلوك الذي يضر بالأفراد والمجتمع بصورة شاملة، تمثل هذا الوعي في ارتفاع أصوات ناشطين وناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي، مندّدة ومعارضة لمحتوى بعض المسلسلات والأعمال الدرامية التي سعت إلى ترسيخ الصورة النمطية التي تعمل على تأكيد بعض صور العنصرية.
في السياق نفسه، كتب الصحفي علي جعبور على صفحته في الفيس: “تتعمّد الدراما الخليجية إظهار الشخصية اليمنية بشكل سخيف، وبالمثل تتعامل الدراما اليمنية مع الشخصية التهامية والصومالية. إنها عنصرية مقيتة”.
أما خالد الهاشمي فقد كتب على صفحته في الفيس: “الدراما اليمنية إلى الانحطاط. لقد تابعت ردود بعض العاملين والمخرجين في المسلسلات العنصرية على الانتقادات التي وجهت إليهم، واستغربت من تساؤل البعض من أين نأتي بممثلين سود؟”. وأضاف متسائلاً على صفحته: “أنت كمخرج، ولك خبرة في السينما، هل قرأت عن البلاك فيس وعن تاريخها في العالم؟ يا ليت نرتقي، ولو القليل في الأعمال الدرامية”.
مسلسل كابتشينو ومسلسل خلف الشمس أنموذجا
أسهمت بعض المسلسلات والبرامج التلفزيونية اليمنية خلال عام 2021م في توطيد بعض مظاهر العنصرية داخل المجتمع، وذلك بقيام بعض الممثلين بأدوار تجسد شخصيات ذات لون أسود، إذ صُبغت وجوههم بهذا اللون، لكي يقوموا بأدوار تعكس أداء تمييزيا ضد هذه الفئات، إما بالسخرية، وإما بجعلهم يؤدون أدوارا إجرامية. ولم يكن ذلك الإدراك ليحصل لهذه الأبعاد العنصرية، لولا وعي بعض الناشطات والناشطين اليمنيين على وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ قاموا بكشف تلك الانتهاكات العنصرية وحرّكوا حملات موجهة تطالب بمقاطعة هذه البرامج ومثيلاتها.
ركزت الحملات التي قام بها كثير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي على موضوع البلاك فيس (الوجه الأسود أو الوجه المُسوَّد)، وضّحت هذه الحملات مفهوم البلاك فيس الذي بدا جديدا للناس، ووضحوا أبعاده العنصرية والمخاطر التي ينطوي عليها، مثل ترسيخ السخرية في وعي الناس، واستُشهد بما أظهره مسلسل “كابتشينو” على قناة يمن شباب، والذي يؤدّي فيه رجل وامرأة صُبغ وجهاهما باللون الأسود، وأسندت إليهما أدوار ساخرة، باللغة التي يتحدثونها، أو بردود بقية الممثلين تجاه شخصيتيهما، من التحقير والاشمئزاز والإهانة.
أما مسلسل “خلف الشمس” الذي عرضته قناة “السعيدة”، فقد جسّد فيه أحد الممثلين دور قرصان صومالي، وقام بصبغ وجهه باللون الأسود، بما يعني أن المسلسل بحسب ردود فعل الناشطات والناشطين ارتكب جريمتين عنصريتين: الأولى البلاك فيس، والثانية تجسيد الأسود في هيئة المجرم، فمن منظور هذه الحملات، فإن الإشكالية الحقيقية بسبب اللون الأسود نفسه، والمعتقدات الثقافية المترسخة في وعي الناس، فلولا اللون الأسود، لما كان هناك عنصرية تجاه فئة هي الأقلية الأكبر، والأكثر اضطهادا في اليمن.
دعوات للمقاطعة
تخطّت مسألة الانتقاد العابر للدراما اليمنية إلى دعوات للمقاطعة، وسط اتهامات لبعض القنوات التلفزيونية بشراء أو إنتاج مسلسلات تدعو للعنصرية من قبل بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، والمدافعات عن حقوق المرأة.
يقول المهندس بدر طماح على صفحته في الفيس “Black face الوجه الأسود هو عبارة عن ميك آب مسرحي يقوم به ممثل لتجسيد شخصية رجل أسود البشرة، اشتهرت هذه الظاهرة في الولايات المتحدة الأمريكية في القرن التاسع عشر، وعزّزت من ظهور النمطية عن الشخص الأسود، وبدأ يقل ظهور البلاك فيس في الولايات المتحدة منذ عام 1940م، وحتى ظهور حركة الحقوق المدنية عام 1960م، عُدّ هذا الشكل من الأداء المسرحي والفني بشكل عام عنصريا ومؤذيا وغير محترم”.
ويضيف طماح: “غالبا ما يعزّز البلاك فيس من صورة نمطية عن السود، وهي الصورة التي يعتقدها عنه الآخر، تقريبا رؤية مختلفة جدا عما هم بالفعل. إن إسناد الدور هو بحد ذاته عدم استحقاقهم لتمثيل أنفسهم، وإلا لماذا لا يسند كل دور إلى لونه بدلاً من لبس أقنعة أو ميك أب”.
ويقول طماح: ” البلاك فيس في الدراما اليمنية بمستوى هزيل ، والأبشع أنها لا تفهم تاريخ من سبقها، يجب عليكم أن توقفوا البلاك فيس فورا في أي دراما أو عمل مسرحي، وعلى كل القنوات أن تنتبه أن هذا النوع عنصرية غير لائقة وليست مضحكة أبدا”.
وكان حساب “أنا صومالي” قد دعا وزارة الإعلام اليمنية وقسم الرقابة والسفير الصومالي ومنظمات حقوق الإنسان في اليمن، أن يتحركوا لوقف مثل هذه الأعمال الهابطة، التي اعتبر أنها تبث الفتنة والكراهية بين الأشقاء. ويقول: “ما يحدث في بعض المسلسلات اليمنية الرمضانية مؤخرا التي تسمى كوميدية، وهي بالحقيقة أقل ما يقال عنها بأنها تافهة وغبية، ولا تمت للكوميديا الضاحكة التي تحترم قيم الآخرين بأي صلة. ما يحدث فيها من سخرية من الإنسان الصومالي وإسفاف وصبغ الوجوه بالفحم الأسود وهي أحد مظاهر العنصرية التي اندثرت وتم إحياؤها من جديد بالأعمال الفنية اليمنية. لا بد أن يكون دور لوزارة الإعلام اليمنية وقسم الرقابة وللسفير الصومالي ومنظمات حقوق الإنسان في اليمن أن يتحركوا لوقف مثل هذه الأعمال الهابطة التي تبث الفتنة والكراهية بين الأشقاء”.
وانتقدت الناشطة والمدافعة عن حقوق المرأة بسمة الكباسي “تكريس العنصرية” كما وصفته، والذي يظهر في شخصيات بلاك فيس في عدة مسلسلات. تقول بسمة الكباسي إنها تهدف “لإظهار صور نمطية مسيئة عن السود”. ودعت إلى إيقاف “هذه الأعمال العنصرية والمهينة”، وأضافت “كأن الخط الإنتاجي للمسلسلات اليمنية متفقون على تكريس العنصرية”.
بينما أشار على الأهيف إلى أن “أبناء تهامة يتعرضون للإساءة الممنهجة والمتواصلة من قناة السعيدة، منذ سنوات، التي تصور الإنسان التهامي أنه ذلك المسكين الضائع الذي ليس له تاريخ غير التصدّق عليه”.
توقّعات الموسم المقبل
يقول الممثل محمد الحرازي لصوت المهمشين: “من خلال الإعلانات والتسويق للأعمال الدرامية والتلفزيونية لهذا العام، يلاحظ المشاهد أن هناك كمّا هائلا من الأعمال التي ستُعرض على مختلف القنوات، ويلاحظ أيضا أن هناك وجوها وأسماء جديدة دخلت في هذه الأعمال وأغلبها من الشباب، وهذا يجعلنا نتأمل خيرا في الأعمال القادمة”. ويضيف: “أتمنى من المخرجين والمنتجين وكذلك شركات الإنتاج أن يكونوا فهموا واستوعبوا الدرس من الانتقادات التي طالتهم خلال الأعوام الماضية، وخصوصا الموسم الماضي”.
فيما يرى الناقد الساخر فارس الأهدل أن “المشاهد اليمني لم يعد بتلك العقلية السابقة، فقد أصبحت لديه القدرة على التمييز بين الجيد والرديء من الأعمال الدرامية، وأتوقع أنه ستكون هناك انتقادات كبيرة للأعمال خلال هذه الموسم، سواء نقد طريقة أداء بعض الممثلين أو نقد المواضيع التي تتناولها هذه الأعمال”.