نُكابر.. أغنية لطفلين مهمشين جسدت معاناة شعب

بإيقاعها الفني الساحر وبصوت الطفلين الشقيقين “كريم، ومحمد”، لامست أغنية “نكابر” مشاعر ووجدان اليمنيين. عزفت على واقع الحرب وما خلّفته من مآسٍ. وبين التمني والعجز والتحدي والوجع، كانت خلاصة الأغنية التي أكدت مرارا “ولا ندري من الرابح ومن فينا هو الخاسر”.

كثير من المواهب الفنية والغنائية والإبداعات الطفولية والشابة اندثرت مع استمرار الحرب في اليمن للعام السابع على التوالي، وأُهملت وغُيبت فيها كثير من الأصوات الشبابية والطفولية الغنائية في مهدها، وخصوصا حينما تكون لفئة المهمشين في البلاد.
أدّى التمييز العنصري في اليمن إلى خذلان وكبت وإهمال كثير من المواهب والإبداعات في أوساط المهمشين، فلا تظهر مواهبهم على السطح إلا لمن حالفه كثير من الحظ كما حدث مع الطفلين المبدعين “كريم ومحمد” اللذين أبهرا الناس بأصواتهما الرنانة في أغنيتهم الأولى “نكابر”.

ولادة الأغنية
قبل فترة وجيزة، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات قصيرة للطفلين وهما يردّدان ألحان بعض الأغاني في مخيم “القَحْفة الحمراء”، وهو مخيّم لنازحين مهمشين بمديرية الشمايتين في الريف الجنوبي لمحافظة تعز. تلك الفيديوهات كشفت موهبتهم وأصواتهم البديعة، الأمر الذي دفع سام البحيري رئيس مؤسسة “ميون” للإنتاج الفني والإعلامي إلى المبادرة في إنتاج وتصوير أغنية “نكابر” بفيديو كليب للطفلين.

يذكر سام البحيري لصوت المهمشين أنه وفريق مؤسسته تكفّلوا بتصوير كليب الأغنية والإشراف الفني عليها وتسجيلها بشكل تطوعي بعد أن تواصلوا مع الشاعر “زين العابدين” الذي كتب كلمات الأغنية ومع الفنان “سليم الوادعي” الذي لحّنها. ويضيف بأنهم قطعوا برفقة فريق العمل أكثر من 10 كم من وسط المدينة إلى جنوبها حتى وصلوا إلى مكان الطفلين بمخيم النازحين بمنطقة دُبَع، وذلك بعد أن نسّقوا مسبقًا مع والدهم الذي درّبهما على كلمات الأغنية وألحانها، لافتًا إلى أنهم وجدوا الطفلين الموهوبين أكثر إبداعا وجمالا.

يمتلك المبدعان “كريم ومحمد” موهبة غنائية نادرة وبديعة، وأصواتهما جميلة رغم صغر عمرهما وبؤس واقعهما؛ فهم من فئة معزولة عن المجتمع، وقد عانوا الويلات من التشرد والنزوح جراء الحرب. وقبل أربع سنين، اكتُشفت موهبة الطفلين في الغناء وأصواتهما وسرعة حفظهما للألحان والكلمات، كما يقول والدهما عبد الله عبد الكريم.

ويضيف والدهما في حديثه لصوت المهمشين: “كنتُ أحرص على أن يحفظوا الأغاني والأناشيد بشكل سريع جدًا من حيث الألحان والكلمات، وكانوا يظلّون يرددونها طوال الوقت”.

استمر عبد الله في تشجيع أبنائه الموهوبين بعد أن اكتشف إبداعهما، وظل يشجعهما برفقة والدتهما كما يقول، وكان يعمل على تحميل كثير من الأغاني لهما من الإنترنت لفنانين مختلفين لكي يتدربوا على ألحانها وكلماتها.

المعاناة تولّد الأبداع
بعد أن بادر “البحيري” في العمل على إنتاج أغنية للطفلين بشكل يليق بإبداعهما كما يقول، تواصل معهما وأعطاهما كلمات الأغنية ولحنها. تدربوا عليها سريعًا وحفظوا كلماتها ولحنها في فترة وجيزة في أداء وصوت أبهر الجمهور وجعلهم يتداولون الأغنية بشكل واسع جدًا. كان انتشارا يتخطّى حواجز التمييز والعنصرية؛ والفن لا يميز بين اللون والعرق.

يقول الطفل كريم (13عامًا) الذي غنى الأغنية برفقة شقيقه محمد الأصغر منه سنًا إنه تدرب هو وشقيقه على ألحان الأغنية وكلماتها في نحو أسبوعين، وكانت سهلة وحفظوها سريعًا، ثم صوّروا معهما كليب الأغنية في يوم واحد، بعد أن تواصل معهما عن بُعد المنشد سليم الوادعي وقدّم لهما لحن الأغنية ودرّبهم عليها. ويضيف كريم في حديث خاص لصوت المهمشين: “كان إحساسي بالأغنية قوي جدًا وأنا أًغنيها مع شقيقي. شعرت أنني أتحدث عن وضعنا ومعاناتنا، وغنيتها من قلبي تمامًا”.

رغم بؤس الحال الذي يعيشه الطفلان وأسرتهما في مخيم نزوح إلى جانب حالة التمييز التي فرضها المجتمع على فئة المهمشين وما يصاحب ذلك من تقليل لقدراتهم، استطاع كريم وشقيقه أن يظهروا في صورة تليق بموهبتهما وأصواتهما التي جذبت كثيرا جدًا من الناس والجماهير، فقد لقيت الأغنية رواجًا واسعًا على منصات التواصل، فهي تجسد معاناة شعبٍ بأكمله عمومًا والمهمشين على وجه الخصوص.

الموهبة وحدها لا تكفي
يرى البحيري أن الإبداع وحده لا يكفي وبأن الطفلين المبدعين يحتاجان إلى فرصة لتدريبهما أكثر، والعمل على إلحاقهما بمعاهد موسيقية ليتمكنوا من صقل مواهبهما ومساعدتهما في تقديم رسالتهما الفنية الإبداعية بطريقة تتناسب مع صوتهم الرائع. ويقول أيضا في حديثه: “صحيح أن الإبداع يأتي مع المعاناة لكن استمرار المعاناة مع المبدع تعرقله أكثر مما تساعده في واقع الأمر”.

ويشير البحيري إلى أنهم في مؤسسة “ميون” يعملون حاليًا على التخطيط لإنتاج أعمال قادمة لهؤلاء المبدعين بالتنسيق مع مكتب الثقافة بالمحافظة، ويتطلعون إلى أن تكون أعمال جبارة تخدم هذه الموهبة التي تفتخر بها تعز واليمن عمومًا، خصوصا أننا في مرحلة نحتاج فيها إلى من يرمم جداريات أرواحنا.

القصيدة وكلمات الأغنية التي كتبها الشاعر “زين العابدين” كانت عاملاً مهمًا في نجاح الأغنية ونيلها استحسان الناس، وأعطتها رواجًا واسعًا؛ لأنها لامست روح كل يمني، كما يعتقد البحيري، فكلنا نكابر وكلنا نعاني نفس المعاناة التي جُسدت في هذه الأغنية وكلماتها.

ويقول كريم في ختام حديثه لصوت المهمشين: “أطمح أن أكون فنانًا كبيرًا، وأرفع رأس اليمن، وأجعل الناس يفرحون بي، وأكون فنانا كبيرا مثل أبو بكر سالم”.

ويتطلع كريم وشقيقه محمد إلى أن يمثلوا بلدهم على الصعيد العربي، وأن يجعلوا أصواتهما تصدح في سماء الفن والغناء، لكنهم بحاجة إلى من يأخذ بأيديهما وينتشلهما أولاً من مخيم النزوح وبؤس المعاناة، وأن يوفّر لهم بيئة فنية إبداعية مناسبة تمكنهم من الانطلاق نحو آفاق الإبداع.

المقالة التالية
عدن- مبادرة “غيث” تنظم جلسات حوارية لمناقشة دحض الشائعات عن مجتمع المهمشين
المقالة السابقة
التحضير لإشهار مجلس التنسيق الوطني للأقليات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━