مرّ حوالي شهران على أزمة المشتقات النفطية في صنعاء، ومنذُ ذلك الحين توقف محمد إبراهيم عن العمل على دراجته النارية، لعدم قدرته على شراء البنزين من السوق السوداء؛ إذ أصبحت الأسعار مرتفعة جدا، ولا جدوى اقتصادية من العمل عليها في مقابل الأجرة التي يحصل عليها جراء نقل الرُّكاب.
يتكئ محمد على دراجته النارية ويحكي ما آلت إليه الظروف بعد أزمة الوقود، فيقول: “لشهرين وأنا واقف عن العمل. أسعار البنزين مرتفعة جدا، وغير متوفرة إلا في السوق السوداء”، ويضيف: “كنتُ قبل أزمة الوقود أعمل على الدراجة هذه، وأقوم بتوفير مصروفي أنا وأولادي بصعوبة، ونمشّي الحال. كنت أستطيع توفير مبلغ 2000 ريال يوميا (تعادل 3.5 دولار أمريكي)”.
محمد إبراهيم (38 عاما) ينتمي إلى فئة المُهمشين، ويعيش مع أسرته المكونة من 5 أطفال وزوجته في دكان داخل أحد الأحياء في العاصمة صنعاء.
جدير بالذكر أن العاصمة صنعاء وكثير من المحافظات اليمنية الواقعة تحت سلطة حكومة الإنقاذ الوطني التابعة لأنصار الله (الحوثيين) تعيش أزمة وقود حادّة منذُ مطلع يناير المُنصرم، وهو ما تسبب بظهور سوق سوداء يُباع فيها البنزين بسعر مُضاعف؛ إذ وصل سعر دبة البنزين بسعة 20 لترا إلى أكثر من 25 ألف ريال (40 دولارا أمريكيا). ومن جانبها، كشفت شركة النفط اليمنية التابعة لأنصار الله بصنعاء في تقرير لها بتاريخ 21 يناير 2022 عن استمرار قوات التحالف في احتجاز عدد من السفن النفطية التي تحمل البنزين والديزل والمازوت.
يقول الباحث الاقتصادي علي ثابت السماوي لموقع درج: “إن أزمات الوقود ضاعفت بشكل كبير من معاناة اليمنيين، وخصوصا الفئات المُهمشة والأشد فقرا، بعد تحوّل الجانب الاقتصادي إلى ورقة في الصراع الدائر في اليمن”، ويضيف: “أدّى تكرار أزمات انخفاض المعروض من الوقود وارتفاع أسعاره، والقيود المفروضة على استيراده، إلى زيادة كبيرة في أسعاره تفوق قدرات معظم السكان في اليمن، وتردّي الأوضاع المعيشية والقطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية وغيرها. وقد أدّت أزمة الوقود إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تزيد على 200%، وإلى زيادة تكاليف الكهرباء التي أصبحت تجارية بعد أن كانت خدمة حكومية تُقدم بتعرفة رمزية”.
تجدر الإشارة إلى أن أزمة الوقود أثرت بشكل كبير على فئة المُهمشين؛ إذ توقفت كثير من الشركات والمصانع، التي كانت توفر فرص عمل لعدد كبير من فئة المُهمشين.
سمية أحمد (27 عاما) من فئة المُهمشين وتعمل في مصنع لبيع الفشار. تقول سمية: “توقّفتُ عن العمل منذُ شهر، فقد توقف المصنع عن العمل بحُجة عدم توفر الوقود، وقد أعطونا إجازة بدون راتب حتى إشعار آخر”، وتضيف سُمية: “اضطررت إلى العمل في جمع العلب البلاستيكية حتى يعود المصنع للعمل”.
سالم رَبّاش (29 عاما) من فئة المُهمشين أيضا ويعمل في مصنع لإعادة تدوير العلب البلاستيكية. يقول سالم: “هناك المئات من الأطفال والنساء من فئة المُهمشين يعملون في جمع العلب البلاستيكية؛ إذ إن هذا هو مصدر دخلهم الرئيس، ولكن بسبب أزمة الوقود، توقفت آلات تدوير هذه العلب”، ويضيف: “قرّر أصحاب المصانع التوقف عن الشراء من هؤلاء الأطفال والنساء، حتى تعود آلات التدوير للعمل، فأصحاب المصانع ليس لديهم أماكن كافية للاحتفاظ بهذه العلب حتى تنفرج أزمة الوقود، فتوقفوا عن الشراء”.
إن أزمة الوقود الخانقة التي تمرّ بها المدن اليمنية لم ترحم أحدا من اليمنيين، فقد جعلتهم يقفون في طوابير طويلة أمام محطات التعبئة، وقد يضطر البعض للانتظار أياما للحصول على البنزين.
يقول محمد جار الله وهو طالب جامعي: “كل صباح نضطر للوقوف لساعات في انتظار باص نقل أو حافلة، حتى إذا وصل إحداها، فالمحظوظ من يستطيع الحصول على مقعد، بسبب العدد الكبير للركاب المنتظرين”، وتضيف سمية طاهر: “كثير من الطلاب والطالبات يضطرون إلى المشي أثناء عودتهم إلى منازلهم بعد انتهاء اليوم الدراسي، بسبب عدم توفر باصات نقل”.
في الجهة المقابلة من مكان وقوف الدراجة النارية، يقع دكان محمد الذي يعيش فيه، وعلى باب ذلك الدكان ستارة مهترئة لا أحد يستطيع تمييز لونها، بسبب الأتربة والأوساخ المتراكمة عليها. يلعب أولاد محمد حول دراجة والدهم، ويحاولون الصعود عليها وكأنهم يعاتبونها لماذا توقفت. ويلحظ المُتأمل في الملابس ذات اللون البني التي يرتديها أطفاله أن السنين قد تركت أثرها فيها، فقد تبدلت ألوانها الأولى، فأصبحت خليطاً من الأسود والرمادي.
يقول محمد: “نهاية كلّ يوم كنت أعود وأنا أحمل بعض المواد الغذائية للأسرة، ولكن بسبب توقفي عن العمل، أستدينُ من إحدى البقالات بعض احتياجات الأسرة. تراكمت على الديون، ويوم أمس رفض صاحب البقالة إعطائي أي شيء آخر حتى أقوم بسداد المبلغ الذي عليّ”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة لـ عبدالواحد السمّاعي