ظروف معيشية صعبة، وأجر شهري ضعيف لا يصمد لأيام أمام متطلبات الحياة، وبيئة عمل غير آمنة، ورغم كل ذلك، يستيقظ حسن البالغ من العمر 55 عاما كلّ صباح، ليتقاسم فطوره المتواضع مع زوجته وأبنائه، ثم يرتدي بدلته ويأخذ مكنسته، وينطلق إلى يوم جديد من العمل الشاق والمتعب. يلتقط النفايات من الطرقات ويجمعها في شوالته التي يجرّها معه أينما ذهب.
يعيش حسن في أحد أحياء المهمشين وسط العاصمة صنعاء، وهو أب لثمانية أبناء. ويعمل في مجال النظافة منذ 12 عاما تقريبا، ويقول: “أنا أحب عملي برغم المعاناة التي نواجهها من تصرفات البعض في رمي المخلفات في غير أماكنها، بالإضافة إلى تناثر النفايات أمام المحلات التجارية هنا وهناك”.
يقول حسن: “العمل في رفع المخلفات وتنظيف الشوارع متعب وصعب. الراتب ليس كافيا، وليس لدينا أدوات حماية صحية من الأوساخ، حتى أثناء انتشار فيروس كورونا، لم نستلم أدوات وملابس وكمامات إلا مرة واحدة فقط”.
يبلغ عدد عمال النظافة في العاصمة صنعاء حوالي 6000 عامل، ينتمي حوالي 95% منهم لفئة المهمشين، بحسب مدير دائرة التأمين الصحي حيدر سويد.
على مقربة من حسن التقينا بعامل النظافة سليمان إبراهيم (35 عاما)، وهو يعمل لدى شركة نظافة منذ ثلاث سنوات براتب شهري لا يتجاوز ثلاثين ألف ريال يمني (50 دولار)، بينما يعيل أسرة تتكون من ثمانية أفراد.
يذكر سليمان أنه يذهب إلى مكان عمله سيرا لتوفير ثمن المواصلات. ويضيف: “في كثير من الأوقات يذهب أطفالي للمدرسة من دون مصروف يومي، وبالكاد أستطيع تدبير المأكل لهم، وأقف حائرا ومحرجا أمام أسئلتهم حول ظروفنا المعيشية، وفي كثير من الأوقات لا أجد ما أجيبهم به، فالتزم الصمت”.
معاناة سليمان لا تنحصر في الأجر الهزيل الذي يتقاضاه، بل تعرّض لعدد من إصابات العمل الطفيفة والمتوسطة جراء تعامله مع المخلفات الطبية، وفي منتصف العام الماضي 2021، اضطر إلى تلقي علاجات وتطعيمات طبية على مدار ثلاثة أشهر، بعد إصابته بجروح في يده، وسببها مشرط طبي كان في أكياس المخلّفات الطبية التي يجمعها؛ إذ يقوم بذلك من دون ارتداء قفازات خاصة، وكان يجب على الشركة التي يعمل فيها توفيرها له.
يعمل عمال النظافة في اليمن في القطاعين الخاص والعام. وبالنسبة للقطاع الخاص، تتكفل كثير من الشركات بخدمات النظافة، خصوصا في المدن الكبرى، مثل العاصمة صنعاء وعدن وتعز وغيرها من المدن الرئيسية، حيث يعمل هؤلاء العمال في المستشفيات والشركات الخاصة والمدارس والنوادي وغيرها. أما القطاع العام فالموظفون فيه يتبعون شكليا صندوق النظافة والتحسين (جهة حكومية)، لكنهم في الواقع لا يستفيدون بقدر الخدمات التي يقدمونها، وأغلبهم لا يُعدّون موظفين.
حقوق مسلوبة
“لا يمنحوننا إلا الإجازات الأسبوعية، ونُحرم من إجازات الأعياد، والمناسبات الرسمية، والإجازات المرضية، والسنوية. هذه الإجازات المدفوعة هي حقّ من حقوق أي عامل، لكننا لا نحصل على أي منها”، يعلق أبو يوسف، وهو عامل نظافة يبلغ من العمر 50 عاما.
سعاد عاملة نظافة في الثلاثين من عمرها تقضي ساعات العمل التي تنتهي عند الواحدة ظهرا في مطاردة الأوساخ والأتربة والأوراق التي تقع في نطاق عملها المحدد، فتقطع بضعة كيلومترات ترفع ما يُسقطه الناس وتزيل ما يرمونه على الأرض. تقول سعاد: “أعمل في هذا العمل رغما عني. لم أجد غيره”، وتضيف: “تُخصم أيام الغياب، حتى لو كان عامل النظافة مريضا، والرواتب تتأخر أحيانا شهرين أو ثلاثة”.
يذكر رئيس النقابة العامة لعمال وموظفي البلديات والإسكان في “حكومة الإنقاذ” التابعة لأنصار الله محمد المرزوقي أن العاملين بهذا القطاع يعانون من تأخر وعدم انتظام صرف رواتبهم، وقد يصل التأخير أحيانا إلى أكثر من ستة أشهر، ويضيف: “معظمهم، رغم ذلك، يتمسّك بعمله نتيجة ارتفاع نسبة البطالة وازدياد معدلات الفقر، وكثير منهم يتردّدون في تقديم الشكاوى خشية أن يُفصلوا من العمل”.
إصابات وأمراض لا تحصى
قال مدير إدارة التامين الصحي بأمانة العاصمة صنعاء حيدر سويد: “أُجريت كثير من الدراسات لحصر الأمراض التي يتعرض لها عامل النظافة، فكانت كثيرة، وأهمها الفيروسات الكبدية التي تمثل 40% من الأمراض التي يتعرض لها عمال النظافة، وكذلك أمراض الحساسية والفطريات، وبعض الأمراض البكتيرية، وذلك نتيجة التعامل المباشر مع المواد الكيمياوية، مما يصيب بأمراض الحساسية والأمراض الجدلية المختلفة”. ويضيف: “يعاني بعض العمال من أمراض الصدر مثل (الربو)، وينتج عند التعرض لجزيئات الغبار بشكل مستمر ومباشر والتعرض للغازات الناتجة عن حرق القمامة. يُضاف إلى ذلك الأمراض الوبائية مثل الكوليرا، وأنفلونزا الخنازير، وH1N1، وكورونا”.
ويقول سويد: “هناك كثير من الصعوبات والمعوقات التي تواجهه إدارة التامين؛ إذ الموارد المالية والإيراد ضعيفة جدا بالمقارنة مع حجم الشريحة المستفيدة. يُضاف إلى ذلك أن العدد الكبير للشريحة المستفيدة من التامين زاد العبء على الإدارة، وحصل تقصير في بعض الأحيان؛ إذ بلغ عدد المستفيدين من التامين وأسرهم (21815) ألفا، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الخدمات؛ إذ تصل مبلغ (39,219,710) ريال كحد أدنى، كما هو في ديسمبر2021م لـ (3992) حالة مرضية”. ويقول أيضا: “إقبال العاملين المستفيدين يتزايد لتعرض لمختلف المخاطر الصحية والأوبئة بحكم طبيعة العمل، لأنهم يعملون بشكل يومي ومستمر في بيئة حاضنة للأمراض”.
ويضيف مدير إدارة التامين الصحي: “لا يوجد ميزانيات لعمل تامين صحي لكل أفراد الفئة، وإنما التامين فقط للأشخاص المشمولين في قاعده البيانات والذين يعملون في صندوق النظافة والتحسين”.
وفقاً لإحصائية من إدارة التامين الصحي بعدد الإصابات التي سجلوها بين عمال النظافة أثناء جائحة كوفيد19 في أمانة العاصمة، سُجلت 54 حالة اشتباه و13 حالة مؤكدة، تعافت 11 حالة وتوفيت حالتان.